المجر "المتمردة!" ـ تشكيك في نزاهة رئاستها للاتحاد الأوروبي
٢٤ يونيو ٢٠٢٤لم يكن اختيار المجر شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مجددا" مع قرب بدء رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، بالقرار المفاجئ، لكنه أثار امتعاض ودهشة بعض دول التكتل ومؤسساته الكبرى خاصة وأنه مستوحى من شعار رفعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع تدشين حملته الرئاسية عام 2016.
ويعد رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان الذي يُعرف بموافقه القومية والشعبوية، أحد أقرب أصدقاء وحلفاء ترامب فيما يُنظر إليه باعتباره أكثر السياسيين تشكيكا في قوة الاتحاد الأوروبي.
وشهدت السنوات العشر الماضية خلافات بين مسؤولي حكومة أوربان ونظرائهم في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء على وقع التراجع الديمقراطي في البلاد وقضايا الهجرة وأخيرا بشأن دعم التكتل العسكري لأوكرانيا.
وفي السياق ذاته، استخدمت المجر ( هنغاريا ) حق النقض خلال التصويت على قرارات حاسمة داخل الاتحاد الأوروبي مما عطل تنفيذ بعض السياسات في موقف مغاير لمواقف باقي الدول الأعضاء مجتمعة. وبسبب حدوث انتهاكات ضد العملية الديمقراطية وسيادة القانون داخل المجر، قرر الاتحاد الأوروبي حجب مليارات اليورو من أموال التكتل إلى بودابست فيما جرى الأفراج مؤخرا عن بعض الأموال بعد شروع حكومة أوربان في إصلاحات.
ورغم ذلك، قررت محكمة العدل الأوروبية في منتصف يونيو / حزيران الجاري فرض غرامة على المجر قدرها مائتي مليون يورو بسبب فشلها في الامتثال لقوانين اللجوء في التكتل.
قلق أوروبي
يشار إلى أن رئاسة الاتحاد الأوروبي تتم بالتناوب بين دول الأعضاء لمدة ستة أشهر فيما تعمل الدولة الرئيسة "كوسيط نزيه" بين الدول الأعضاء بما يحمل ذلك في طياته من ترفع عن مصالحها الخاصة لأنه منوط بها تنفيذ الأجندة التشريعية للتكتل.
وقبل تولي المجر الرئاسة الأوروبية، شكك معظم أعضاء البرلمان الأوروبي في مدى ملاءمة بودابست لهذه المهمة في قرار طرح تساؤلا مفاده: "كيف ستتمكن المجر من الوفاء بهذه المهمة بمصداقية عام 2024 رغم عدم امتثالها لقوانين الاتحاد الأوروبي".
ورغم هذا الغضب، سوف تتولى المجر في الأول من يوليو/تموز المقبل رئاسة الاجتماعات الوزارية والقمم الأوروبية خلفا لبلجيكا الرئيسة الحالية للاتحاد الأوروبي. وخلال رئاستها التي تمتد حتى نهاية العام الجاري، سوف تمثل المجر دول التكتل الأعضاء الأخرى في المفاوضات التي ستُجرى مع البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية التي تمثل الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي.
صبغة ترامبية
ورسميا، تعهد الوزير المجري لشؤون الاتحاد الأوروبي يانوس بوكا، خلال مؤتمر صحفي في بودابست قبل أيام، بأن رئاسة بلاده للاتحاد الأوروبي سوف تتسم "بالوساطة النزيهة"، قائلا: "سوف نعمل بإخلاص مع كافة دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته".
وقال بوكا إن المجر ستسعى جاهدة خلال رئاستها إلى تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والسياسة الدفاعية مع تبني "سياسة توسع عمادها الكفاءة" فضلا عن مكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال ضبط الحدود وزيادة وتيرة عمليات الترحيل بالتعاون مع دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل سوف تسعى بودابست إلى إعادة تشكيل "صندوق التماسك" المنوط به سد الفجوة بين الدول الأكثر ثراءً في الاتحاد الأوروبي من جهة والدول الأكثر فقرا من جهة أخرى. وسوف تعمل المجر على الخروج بـ "سياسة زراعية للاتحاد الأوروبي تولي الأهمية للمزارعين"، مع الأخذ في الاعتبار الاحتجاجات ضد تدابير الاتحاد الأوروبي المناخية والتحديات الديموغرافية.
وفيما يتعلق بشعار "لنجعل أوروبا عظيمة مجددا"، قال الوزير المجري إن الشعار "يشير إلى فكرة الرئاسة النشطة والعملية وأيضا يشير الى حقيقة أننا أقوى معا مع احترام هويتنا".
الجدير بالذكر أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اتسمت بالتوتر خلال حقبة ترامب بين عامي 2017 و2021 فيما يخوض الأخير الغمار الانتخابي مجددا ضد الرئيس الحالي جو بايدن رغم ادانته الجنائية الأخيرة.
وعندما سُئل عن ارتباطه شعار الرئاسة المجرية بشعار ترامب "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، قال الوزير "لم يرغب ترامب في جعل أوروبا قوية على الإطلاق."
المجر "المتمردة" تمسك بزمام الأمور
من جانبه، دعا ألبرتو أليمانو، أستاذ قوانين الاتحاد الأوروبي في جامعة الدراسات العليا لإدارة الأعمال بباريس، إلى حرمان المجر من رئاسة الاتحاد الأوروبي.
ففي بيان أرسل إلى DW، قال أليمانو إن هاجسه الرئيسي فيما يتعلق بالرئاسة المجرية "يتمثل في أنها سوف تقوي الاعتقاد بأن أي دولة عضو متمردة لانتهاكها قواعد الاتحاد، بمقدورها الاستفادة من هذه القواعد".
وتتزامن رئاسة المجر للاتحاد الأوروبي مع لحظة انتقالية يمر به التكتل عقب إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي قبل أسبوعين فيما لن تخرج تشكيلة المفوضية الأوروبية الجديدة إلى النور إلا بنهاية العام الجاري ما يعني الخروج بعد قليل من المبادرات التشريعية الجديدة.
انضمام أوكرانيا
وتعد قضية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي من القضايا التي سوف تتأثر برئاسة المجر فيما تأمل كييف في البدء في محادثات ملموسة حول الإصلاحات الضرورية التي تُعرف باسم "فصول التفاوض"، التي يتعين عليها الشروع بها لتسريع انضمامها إلى التكتل الأوروبي.
وفي هذا الصدد، استعبد الوزير المجري حدوث أي "تحرك كبير" قبل عام 2025، قائلا: "وفقا لتوقعاتي فإن قضية فصول التفاوض لن يتم طرحها خلال الرئاسة المجرية".
قضايا المناخ
ويرى أستاذ القوانين الأوروبية أن رئاسة المجر سوف تلقي بظلالها على السياسات المناخية الفارقة للاتحاد الأوروبي خاصة هدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وقال "انتقدت حكومة المجر في عدة مرات الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي والأجندة المناخية. وفي إطار المشهد السياسي الذي يميل إلى اليمين [بعد انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة]، فإن وجود دولة متشككة في تغير المناخ على رأس هرم التكتل خلال النصف الثاني من العام الجاري يمكن أن يؤثر على مكانة الاتحاد الأوروبي".
ورغم ذلك، يحذر خبراء من مغبة المبالغة في تقدير دور الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي إذ تأتي جُل المقترحات التشريعية من قبل المفوضية الأوروبية ويتم التوقيع عليها من قبل الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي.
ومتحدثا إلى DW شريطة عدم الكشف عن هويته، قال مصدر دبلوماسي أوروبي إنه يتوقع أن تكون فترة رئاسة المجر "عادية"، مضيفا "يدرك اوربان وحكومته أن الدول الأعضاء الأخرى سوف تتدخل لتضبط زمام الأمور في حالة حدوث فوضى في أجندة الاتحاد الأوروبي".
وقال المصدر "سوف يستخدم (اوربان وحكومته) رئاسة المجر لإحداث مضايقات على أقصى تقدير كما حدث مع شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مجددا)، لكن الأمر متروك لنا جميعا أن نبقى يقظين وألا نبتلع الطعم".
أعده للعربية: محمد فرحان