اللبنانية جمانة حداد تقتل شهرزاد بلا رحمة
٩ ديسمبر ٢٠١٠جمانة حداد ظاهرة مثيرة في العالم العربي. لفتت الشاعرة اللبنانية الانتباه بقصائدها الجريئة، وبمقابلاتها الصحفية مع كبار الكتاب في العالم، مثل الكاتب النمساوي بيتر هاندكه والإيطالي أمبيرتو إيكو والبرتغالي جوزيه ساراماغو، ثم فجرت ضجة هائلة في عام 2009 عندما أصدرت أول مجلة إيروتيكية في العالم العربي بعنوان "جسد". وعندما أجرت صحافية سويدية مقابلة مع جمانة حداد وسألتها عما دفعها إلى التفكير في إصدار مجلة إيروتيكية مثل "جسد" باللغة العربية، شعرت الشاعرة بالاستفزاز، واندفعت تكتب مجموعة من المقالات صدرت في كتاب بالانكليزية تحت عنوان "هكذا قتلت شهر زاد" الذي سرعان ما ترجم إلى عدد من اللغات الأوروبية. في كتابها تثور جمانة حداد (من مواليد 1970) على الصورة النمطية للمرأة العربية المستكينة التي يُرمز إليها في الكتاب بشخصية شهر زاد. بجرأة تحكي جمانة حداد سيرتها واكتشافها القراءة طريقاً لتحرر العقل، وبصراحة صادمة تقول إن ممارسة القراءة والعادة السرية كانا هما النشاط المفضل لها عندما بلغت الثانية عشرة. تصف المؤلفة الطريق الذي شقته لتحرر نفسها وسط مجتمع تقليدي محافظ تسوده عقلية القطيع ويعاني من الانفصام في الشخصية. حول كتابها وما يثيره من قضايا أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع جمانة حداد.
دويتشه فيله: صدرت حديثاً الترجمة الألمانية لكتابك "هكذا قتلتُ شهر زاد" الذي كتبتيه بالانكليزية. هل الكتاب أجرأ من أن يوجه للقارئ العربي؟
جمانة حداد: بالطبع لا، ليس هذا هو سبب كتابتي للكتاب باللغة الانكليزية، فأنا أعيد الآن كتابته باللغة العربية، وسيصدر في مارس (آذار) المقبل. سبب كتابة الكتابة بالانكليزية هو اللقاء الذي أجرته صحافية سويدية معي باللغة الانكليزية. وبداية الكتاب كان نوعاً من الرد كتبته بالانكليزية، ثم تحول الرد إلى مقال، ثم إلى مجموعة مقالات، ومن ثم إلى كتاب. من ناحية أخرى أحب أحياناً أن أستسلم للغة التي تجيء بها الأفكار، ولهذا كتبت كتباً بالفرنسية والإسبانية والانكليزية.
إلى أي اللغات ترجم الكتاب؟
حتى الآن صدر الكتاب بالانكليزية والفرنسية والألمانية، وسيصدر بالإيطالية والإسبانية والبرتغالية والهولندية والدانماركية والسويدية والكرواتية.
الكتاب يتأرجح بين السيرة الذاتية الممتعة والمشوقة، والمقالة المباشرة التي تقع أحيانا في فخ التعميم والتبسيط – لماذا اخترت هذا الشكل؟
طبيعة الكتاب هي هذه، وهذه هي هويته الحقيقية. كان لا بد أن أنهل من تجاربي الخاصة ومن حياتي فيما يتعلق بالمرأة في العالم العربي، وفيما يتعلق بالحوار مع الغرب من خلال رحلاتي المتعددة إلى بلدان مختلفة. هذا هو ما جعل الكتاب مزيجاً من السيرة الذاتية والمقالات الفكرية عن العوائق التي تقف في طريق المرأة العربية، سواء كانت تلك المعوقات متعلقة بنظرة الغرب المنمطة لهذه المرأة، أو بمشكلات المرأة العربية نفسها وعدم تحملها – غالباً - مسؤولية الوضع الذي تعاني منه.
كانت أعمال دي ساد بمثابة اكتشاف لكِ – لماذا دي ساد تحديداً؟
قرأت أول كتاب للماركيز دي ساد وأنا في عمر الثانية عشرة، يعني في عمر يافع جدا. وكان له تأثير كبير علي آنذاك، لأني تربيت في بيئة تقليدية تماماً، كما أني كنت في مدرسة راهبات، أي أن البيئة خارج البيت كانت منغلقة أيضاً، وتقوم على المحرمات والممنوعات. وجدت في دي ساد ما مكنني من إفلات خيالي "على راحته"، وتعلمت منه أنه كل شيء ممكن بالرأس والخيال. وتعلمت فيما بعد أن الحرية تبدأ في الرأس بالفعل، لتنتقل منه إلى التعبير وإلى العيش نفسه.
من المعروف أنك تجيدين عدة لغات من بينها الألمانية – هل هناك أعمال من الأدب الألماني تركت عليك تأثيراً مشابها لتأثير دي ساد؟
في الحقيقة معظم قراءاتي المؤسِسة كانت تلك التي قمتُ بها خلال الطفولة والمراهقة. ومعظم قراءاتي آنذاك كانت للكتاب الفرنسيين، وبعض الكتاب المترجمين إلى الفرنسية. ومن الذين تركوا تأثيراً عظيماً عليّ بعض الشعراء الذين يكبتون بالألمانية، مثل الشاعر ريلكه الذي أثر تأثيراً كبيراً على تكويني الشعري، وهو طرف أساسي من مجموعة الشعراء الذين واكبوا عملية ولادتي الشعرية، إذا شئت القول.
إذا سألتك مراهقة عربية اليوم عن الكتب التي تنصحينها بقراءتها – ماذا ستقولين لها؟
ذكرت في كتابي أنه لو كان لدي فتاة مراهقة لأعطيتها نفس الكتب التي قرأتها، رغم أنها كانت كتباً صادمة وانتهاكية للغاية. غير أني أؤمن بقدرة الأدب على تحريرنا وعلى إثرائنا مهما كانت درجة عدم استعدادنا لتقبل المضمون. أنا أقول لمن يسألني أن يقرأ كل شيء، بعد ذلك يتكون لدى الإنسان حكم نقدي يسمح له بالاختيار. الجميل في مغامرة القراءة أن تبحث أنت عن مصادرك وعن إلهامك.
قارئ كتابك قد يخرج بانطباع أنك تولين قضايا الجسد أهمية عظمى، وكأنها الأمر الوحيد الذي يشغلك، أو أن معالجة تلك القضايا ستؤدي إلى نهضة العالم العربي. أليس هذا نوعاً من التبسيط؟
أنا طبعاً أولي هذا الموضوع أهمية كبرى، ولكني لم أقل يوماً أنه المشكلة الوحيدة التي يعاني منها العالم العربي. العالم العربي يعاني تحديات كثيرة، وعوائق وعراقيل لا نهاية لها، وعنصر التحرر من المحرمات الجنسية أحد العناصر التي يمكن أن تؤدي إلى نهضة ما. ولكنه ليس العنصر الوحيد. من المهم التحرر من العقلية الدينية، أي تأثير الدين على حياة الفرد وعلى طريقة عيشه وتفكيره، كما أننا بحاجة إلى التحرر من خلال حياة سياسية أرقى وأكثر نبلاً، إلى آخره من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. ولكني طبعاً أولي الجسد أهمية خاصة، وهو أحد مشاريعي الخاصة.
وهذا ما دفعك إلى إصدار مجلة "جسد" في عام 2009 - ماذا أحدثت المجلة في الواقع العربي برأيك؟
في الحقيقة هي من الأساس كانت تطمح إلى أن تكون مساحة تعبير للكتاب والفنانين الذين يريدون مثلي مناقشة هذه الأمور. أنا أشعر أن هناك ظلماً وقع على اللغة العربية، وأن هناك عملية إقصاء حدثت في الأعوام والعقود الأخيرة، إذ حُرمت اللغة من التعبير عن الإيروتيكا والجنس مثلما كان يحدث قبل 1000 سنة وأكثر. هذه المساحة التي أوجدتها "جسد" تتوسع شيئاً فشيئاً، وهي الآن بيت رحب لأقلام كبيرة، كما أنها تدفع البعض - الذين كانوا يهابون الكتابة عن موضوعات يحبون الكتابة عنها - إلى الشعور بأن من حقهم الطبيعي والشرعي أن يعبروا عن أنفسهم في هذه الموضوعات.
أنت تواجهين اتهامات كثيرة بعد أن أصدرت "جسد"، منها انك تتعمدين الإثارة والإباحية وتبحثين عن الشهرة بأي ثمن وأن مجلتك لا تنتهك المحرمات بقدر ما تسطحها. هل هذه الاتهامات هي مجرد غيرة وحسد من أعداء النجاح، أم أنك تنظرين نظرة نقدية إلى تجربة "جسد" بعد مرور عامين على إصدارها؟
لم أولِ هذه الاتهامات يوماً أهمية، لأني كنت أتوقعها، وهي لا مفر منها لأن المجلة تتناول هذه المواضيع الحساسة، ولأن مصدرة المجلة امرأة في مجتمع تسيطر عليه العقلية الذكورية بامتياز، فمن الطبيعي أن أتعرض أنا والمجلة إلى هذه الاتهامات العبثية. المجلة مشروع متحرك، لا تنام على ما أنجزته، ولذلك فهي تتوق إلى الذهاب عميقاً في مواضيع الجسد. الآن بعد سنتين أثبتت المجلة أنها رهان استطاع أن يكون على مستوى التحدي الذي كانت تمثله.
وما محور العدد القادم من "جسد"؟
محور العدد القادم الذي سيصدر خلال أيام قليلة هو جسد المرأة الحامل، وكيف تتعاطى المرأة الحامل مع جسدها وما علاقتها مع جنينها، وكيف ينظر الرجل إلى هذا الجسد.
أنت مسؤولة عن الصفحة الثقافية في "النهار" البيروتية، والمسؤولة الإدارية عن جائزة بوكر العربية، ورئيسة تحرير مجلسة "جسد" الفصلية، وشاعرة وكاتبة، وأم لطفلين، كما أنك كثيرة الأسفار والترحال – كيف تجدين وقتاً لكل ذلك؟
في الحقيقة لا أعرف ولا أفكر في هذا الموضوع، لأني لو فكرت، لن أستطيع أن أتابع القيام بما أقوم به. أعرف أنني امرأة نهمة وأن طموحاتي كثيرة، وأن رغبتي في العمل مجنونة ومشاريعي لا تنتهي. ولكني أحب هذا التعدد في حياتي، وهو يشبهني لأني أضجر كثيراً وأحب أن أكون متعددة الاهتمامات، وأحاول أن أعطي رغم ذلك كل ذي حق حقه.
أجرى الحوار سمير جريس
مراجعة: طارق أنكاي