اللاجئون عبء ثقيل يثقل كاهل بعض مساجد ألمانيا
٣٠ يوليو ٢٠١٦
مسجد النور، أحد مساجد هامبورغ الذي لا يشبه اسمه، فالقليل فقط من أشعة الشمس يتسلل عبر باب المسجد المؤثث بسجاد بني باهت ، ويخترق أزيز المروحات هدوء المكان.
إلى حدود شهر مايو/أيار من هذه السنة كان يتجمع في هذه الغرفة الصغيرة ما يصل إلى 400 لاجئ وأحيانا يكون العدد 600. ويقول دانييل عبدين رئيس إدارة المسجد لـ DW بهذا الصدد: "لكم أن تتخيلوا كيف يكون المكان مكتظا عندما ينام كل هؤلاء الناس هنا!".
ويقدر عدد اللاجئين الذين دخلوا ألمانيا العام الماضي بـ 1،1 مليون لاجئ. وواجهت السلطات الألمانية صعوبات في توفير ملاجئ لهذا العدد الضخم، لكن العدد انخفض بشكل ملحوظ هذه السنة، ويعزى ذلك بشكل جزئي إلى الاتفاق الذي أبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والذي يسمح بترحيل المهاجرين الذين يدخلون إلى أوروبا بشكل غير قانوني. كما أن ألمانيا شددت بشكل كبير سياسة اللجوء من خلال تسريع إجراءات اللجوء والترحيل أيضا ومن خلال تصنيف عدة دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كـ"دول آمنة"، ما يمنع حصول مواطني هذه الدول على اللجوء في ألمانيا.
ضغط كبير على المساجد
لكن رغم هذا الانخفاض، شكل التدفق الكبير للاجئين ضغوطا كبيرة على المساجد، التي فتحت أبوابها للاجئين القادمين إلى ألمانيا، ومنها مسجد النور. "لقد كان واجبنا" يقول عبدين، لكنه يعترف في نفس الوقت بأن الأمر أدى إلى إفلاس المسجد تقريبا. وأضاف أن التبرعات التي حصل عليها من الكنائس المحلية ومنظمات أخرى ساعدت إلى حد ما في التخفيف من هذا الضغط.
وعلى غرار مسجد النور وجدت منظمات إسلامية أخرى تعتمد بدورها على العمل التطوعي، وجدت صعوبات في التعامل مع الوضع، كما تقول أوزلم ناس عضو اتحاد المجالس الإسلامية شمال ألمانيا لـDW :"عندما قررت المساجد بشكل فوري التطوع لإيواء وإطعام اللاجئين كان ذلك يشكل ضغطا رهيبا على المتطوعين عند تدفق مئات اللاجئين، لأن الأمر كان في العديد من الأحيان فوق طاقتهم". وتضيف ناس: "لقد كنت أخشى أحيانا أن يعجز المتطوعون عن مواصلة العمل نتيجة الإرهاق الشديد. إنه أمر صعب أن تكون في مواجهة كل قصص الحرب والعنف هذه". لكن ناس تؤكد أن " الأمر هدأ إلى حد ما اليوم".
بيد أن العديد من المساجد مازالت تواجه تدفق لاجئين جدد، إذ يقول عبدين إن المصلين في المسجد الذي يشرف عليه 40 بالمائة منهم من اللاجئين، معظمهم جاؤوا من سوريا والعراق. وتضطر إدارة المسجد إلى إقامة صلاة جمعة ثانية ليكون قادرا على استيعاب كل المصلين.
غياب المتابعة النفسية
أحد هؤلاء، عبد الفتاح يوسف البالغ من العمر 28 سنة، وقد هرب من دمشق مع زوجته وابنتيهما عندما بدأت الحرب في بلاده. يقول عبد الفتاح إنه شعر بأنه في بيته وهو داخل المسجد. ويضيف اللاجئ السوري لـDW، وهو يتحدث الألمانية بطلاقة تقريبا، "من الجيد أن تشعر أن لديك مأوى تلجأ إليه عندما تواجه مشاكل أو تحتاج المال لأمر طارئ".
لاجئون آخرون لجأوا إلى المسجد لأنهم يعانون ولا يعرفون كيف يتعاملون مع صدمة مشاهد العنف وسفك الدماء التي عايشوها، وبينما يلعب الأئمة دورا في تقديم عناية رعوية، تبقى حاجة عدد من هؤلاء إلى متابعة نفسية حقيقية أمرا ملحا. وهذا هو ما يصعب الوصول إليه في الكثير من الحالات كما تقول ناس: "قد يتطلب الأمر سنة بالنسبة لهؤلاء اللاجئين لمجرد الحصول على موعد كما أن العديد من الأطباء قد يترددون في استقبال مرضى لا يشاطرونهم نفس اللغة والثقافة". وتقول ناس إنها خلقت شبكة علاقات شخصية تشمل أطباء وخبراء في العناية الصحية من أجل تقديم المشورة المطلوبة، ولولا هذه العلاقات "لكان الوضع صعبا للغاية"، حسب قولها.
الخوف من انتشار العداء تجاه المسلمين
وفي الوقت الذي يسعى فيه عبدين وأمثاله إلى العمل بجد من أجل توفير المأوى للاجئين، يشعر هؤلاء بالإحباط من أنهم مطالبون باستمرار باتخاذ موقف من المتطرفين الذي يرتكبون فظائع باسم ديانتهم. "أنا سئمت من الاضطرار للتبرير في كل مرة يرتكب فيها مجرم لا علاقة له بالإسلام مجزرة ما".
وتأتي تصريحات عبدين في وقت تشهد فيه ألمانيا موجة هجمات عنيفة بعضها تورط فيها لاجئون. ويقول عبدين بهذا الخصوص: "هناك مجرمون يسيئون لديننا". وبالفعل يجمع خبراء على أن التطرف ظاهرة تحدث خارج نطاق المساجد وفي غالب الأحيان عبر الانترنت أو داخل مجموعات صغيرة منغلقة.
وفي نفس الوقت وصلت حدة المشاعر المعادية للمسلمين مستوى غير مسبوق في ألمانيا، فحسب استطلاع أجرته جامعة "بيلفيلد" ونشر هذا الشهر، عبر ثلث المستجوبين عن اعتقادهم بأن "المسلمين يساندون بقوة الإرهابيين الإسلاميين". وفي هذا السياق يقول عبدين "محاربة الإسلاموفوبيا أمر صعب خصوصا، عندما نكون في نفس الوقت منشغلين بالعديد من المهمات الصعبة الأخرى".