اللاجئون السوريون في اليونان: تعقيدات قانونية وفرص معدومة
١١ أبريل ٢٠١٣عندما تخرج أسرة سورية كبيرة من مركز الشرطة في ميتيليني، الواقعة في جزيرة لزبوس اليونانية، يسأل الناشط اليوناني إيفي لاتسودي أفرادها: "هل كنتم في سجن المركز وهل حصلتم على أكل بانتظام"؟
"لم يكن الأكل جيداً"، يجب أحد أفراد الأسرة الشباب.
"كم يوما قضيتم هناك"؟
"أربعة أيام".
"مع الأطفال"؟
"نعم، مع الأطفال"، تقول إحدى النساء، مشيرة إلى رضيعة يبلغ عمرها عشرة أشهر.
"أربعة أيام مع جميع هؤلاء الأطفال"، يكرر الناشط. ويضيف: "هذا ليس معقولاً".
إلا أن ما تقوله الأسرة السورية لا يثير دهشته، إذ يلقي رجال الشرطة اليونانيون القبص على جميع المهاجرين واللاجئين الذين لا يملكون أوراقاً لإثبات هويتهم، وذلك مباشرة عند وصولهم إلى اليونان. وينطبق هذا على السوريين منهم.
كانت مجموعة السوريين في السنة الماضية ثاني أكبر مجموعات المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد الأوروبي. ويصل معظمهم إلى اليونان. وعدد متزايد منهم يأتي إليها بحراً. لكن في الصيف الماضي، لم يتدفق اللاجئون عبر الحدود بين تركيا واليونان، وإنما تدفقوا من الجزر في شرق بحر إيجة، كما يقول الضابط أنطونيوس سوفياديليس من قوات خفر السواحل في جزيرة لزبوس.
يعود سبب ذلك إلى بناء سور في الصيف الماضي عند حدود اليونان مع تركيا، كما يقول سوفياديليس، ومنذ ذلك الحين تراجع عدد المهاجرين غير الشرعيين براً، في حين ازداد التدفق بحراً بشكل ملموس.
ويصل كل أسبوع عشرات اللاجئين إلى شواطئ لزبوس. وقبل أن يحصلوا على الوثائق الضرورية لركوب سفينة إلى أثينا، يجب عليهم أن يطلبوا في مركز الشرطة تسجيل أسمائهم وبياناتهم. وبعد نجاح الأسرة السورية في ذلك، تتوجه إلى هيئة الميناء لشراء تذاكر السفر. وقد غادرت الأسرة إسطنبول قبل أسبوع وسوريا قبل شهرين من ذلك.
فقدان كل شيء
عاشت الأسرة، التي تنحدر من أصل فلسطيني، منذ عقود في دمشق. وكان وضع الفلسطينيين في سوريا أفضل بكثير من وضعهم في غيرها من دول الشرق الأوسط، كما تقول أم نور، إحدى الأمهات في الأسرة. وتضيف: "سوريا هي وطننا. وهناك عملنا ومدارس أطفالنا. إلا أننا فقدنا كل هذا"، وذلك في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عندما سقطت صواريخ على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وقتلت أحد أقارب أم نور أيضاً.
في بداية الحرب الأهلية بسوريا، نأى معظم الفلسطينيين بأنفسهم عنها، لأنهم شعروا بأنهم مرتبطون بالدولة المضيفة لهم. لكن بعد كسب الجيش السوري الحر موطئ قدم في حي اليرموك، رد النظام بهجمات مضادة. ولذلك، وجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على الانحياز لأحد الجانبين. ودفع ذلك مئات الفلسطينيين إلى الهرب.
تريد أم نور وأسرتها الذهاب إلى السويد، التي تعتبر، بغض النظر عن ألمانيا، الدولة الأوروبية الوحيدة التي تضمن حماية اللاجئين السوريين. وتأمل أم نور أن تحصل هناك على منزل مجاني ورعاية طبية مجانية، إذ لا يوجد مثل ذلك في تركيا.
لا فرصة في اليونان
وصلت رمزية وأطفالها الخمسة إلى اليونان في أيلول/ سبتمبر سنة 2011. ورغم أن ثورة الشعب السوري لم تكن قد تحولت بعد في ذلك الحين إلى حرب أهلية، إلا أن النظام بحث عن زوج رمزية لأنه نظم مظاهرات احتجاجية. وفي يوم من الأيام، وقف فجأة جنود أمام باب المنزل وهددوا باعتقال كافة أفراد الأسرة، ما دفعها بعد ذلك بفترة قصيرة إلى الهروب مع أطفالها إلى تركيا. ومن هناك عبروا الحدود مع اليونان سراً، للذهاب في نهاية المطاف من هناك إلى النمسا، حيث تعيش إحدى قريبات الأسرة. إلا أن خطة رمزية هذه فشلت، إذ أن سعر عملية تهريب الأسرة إلى النمسا عن طريق إيطاليا بلغ عشرة آلاف يورو.
وما تزال الأسرة تقيم في اليونان، رغم أنها تلقت قبل 16 شهراً وثيقة الإعلان عن إبعادها. وفي يوم من أيام شباط/ فبراير، رن فجأة هاتف رمزية النقال. وقال لها اثنان من أبنائها يبلغ عمراهما 17 و18 عاماً: "ماما، اعتقلونا".
قيل لها في محطة الشرطة إن أسرتها تجاوزت الفترة المحددة لإقامتها في اليونان كثيراً، كما تقول رمزية، التي تضيف: "انفجرتُ بالبكاء. وأشرتُ إلى أن زوجي ليس هنا. ولذلك من الضروري أن أعتمد على ابني. وكان هناك رجال فقط لم يهمهم ما قلتُه لهم. قالوا لي فقط 'إذهبي، إلا أن ابنيك يبقيان هنا'".
وتشير تقديرات إلى أنه تم اعتقال أكثر من ألف سوري لأنهم تجاوزوا موعد عودتهم إلى سوريا. ويقيم آلاف السوريين في اليونان بدون أي أوراق ثبوتية وبدون إتاحة فرصة لهم لتغيير وضعهم في البلاد. وبموجب ما تقوله منظمة العفو الدولية، بحث منذ سنة 2011 حوالي عشرة آلاف سوري عن ملجأ لهم في اليونان. وحتى نهاية سنة 2012 لم يتم إلا الاعتراف بستة منهم كلاجئين سياسيين.
نظام غير معقول
علمت الأسرة السورية-الفلسطينية من محام يعمل في منظمة خيرية تختص بمساعدة اللاجئين أن بإمكانها التقدم سريعاً لدى الشرطة بطلب للحصول على اللجوء السياسي، إذ أن وضع الأسرة يعتبر "حرجاً". ورغم ذلك، من المحتمل أن تمرّ سنوات حتى تعترف الحكومة اليونانية بأفراد الأسرة كلاجئين سياسيين. وعلى كل حال، سيكونون حتى ذلك الوقت في وضع شرعي. من جهة أخرى، من المحتمل جداً ألا يُعترف بجميع أفراد الأسرة كلاجئين سياسيين، كما يقول المحامي، والذي يعلل ذلك بكون "أعمار بعض الأطفال تزيد على 18 عاماً". ويدرك محامي المنظمة الخيرية من تجاربه الكثيرة أن الشرطة لن تقبل هؤلاء الأطفال كلاجئين، ولذلك من المحتمل أنهم سينضمون إلى مجموعة اللاجئين الكثيرين بدون أوراق.
ويتساءل أيمن، أكبر ابن في الأسرة: "إذا اعترف السويديون بنا كلاجئين مباشرة بعد وصولنا إلى هناك، فلماذا لا يمكننا أن نتقدم بطلب بهذا الشأن إلى سفارتهم هنا؟ أفكر في ذلك كل يوم، إلا أنه لا يوجد جواب على هذا السؤال".