اللاجئون السوريون أحدث ضحايا الصراع السياسي في مصر
٢٢ يوليو ٢٠١٣بين مطرقة مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي وسندان معارضيه، وجد السوريون أنفسهم محاصرين باتهاماتِ بمحاباة الجبهة الأولى على حساب الأخرى والتدخل في الأمن القومي المصري. تلك الأزمة تبلورت في قرار من الدولة المصرية يمنع دخول السوريين إلى مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة على عكس ما كان معتاداً. كذلك تعرض بعض السوريون لمشكلات في الشارع المصري مؤخراً حسب روايات بعضهم نتيجة حملة التحريض القائمة ضدهم من بعض الإعلاميين.
"معاملة المصريين لنا تغيرت وأكثر ما آلمنا الخوض في الأعراض"
بدر الدين العابد، طالب جامعي ترك سوريا ليدرس في مصر منذ عشرة أشهر بسبب الحرب الدائرة في بلاده، يصف لـ DW عربية المعاملة التي تلقاها حين وصوله قائلاً: "كنت دائماً أُقابل بالترحيب والسؤال عن أحوالي وعن سوريا". لكن الحال تغير بعد موجة التحريض مؤخراً ضد السوريين حسب قوله. ويضيف: "أصبحت أُقابل في الأيام الأخيرة بضحكات شامتة، وأصبح التعامل معنا به جمود غير مسبوق".
ويروي الشاب السوري موقفا تعرض له بعد موجة التحريض ضد السوريين: "كنت ناحية الاتحادية (بالقرب من القصر الرئاسي) وكانت هناك تظاهرات يومها وبينما كنت أسير أنا وصديق سوري آخر فوجئنا بهجوم بعض الشباب علينا مدعين أنهم في حاجة لسؤالنا عن بعض الأشياء". ويكمل: "عندما تحدثنا معهم وظهرت اللهجة السورية، فوجئنا بأحدهم يقول لصديقي: أنت سوري؟ ده أنت اللي بندور عليه". ولم ينقذهم من أيدي هؤلاء الشباب، حسب رواية بدر الدين، إلا أحد أصدقائه المصريين الذي كان قريباً منهم.
ويشعر بدر الدين بالاضطهاد مؤخراً "فليس من العدل أن يتم معاملة 160 ألف سوري على الأقل في مصر بهذا الشكل نتيجة مشاركة بعض السوريين مع هذا الطرف أو ذاك". وتحدث شقيقه نور الدين لـ DW عربية كذلك حيث أعرب عن اتفاقه مع كل ما قاله أخوه. ويرى نور الدين أن السوريون أُقحموا في المعركة السياسية المصرية دون ذنب. "المشكلة بدأت حينما أعلن الإخوان في ميدان رابعة العدوية أن السوريون معهم ويساندوهم"، يقول نور الدين.
ويواصل نور الدين وشقيقه حديثهم لـ DW بحسرة وألم شديدين حين يقولان إن "أكثر ما ألمهم هو الخوض في الأعراض"، في إشارة إلى الإعلامي محمد الغيطي بقناة التحرير المصرية الذي اتهم بعض السوريات في مصر بممارسة ما وصفه بـ "جهاد النكاح في ميدان رابعة العدوية". وهو ما اعتذرت القناة عنه فيما بعد ونفاه الغيطي نفسه معتبرا "أن جزءا من كلامه قد اقتطع". وعن قرار منع دخول السوريون إلى مصر إلا بتأشيرة عبَّر الأخوان (العابد) عن استيائهما منه وتقييده لحركة السوريين خاصة وأن أهلهما يعيشون في دولة أخرى. ويقول بدر الدين عن ذلك: "كنت أريد السفر لكن بعد القرار ألغيت الفكرة لأنني قد لا أستطيع الدخول مجدداً إلى مصر".
عزة البحرة: "لا يجب أن يؤخذ الشعب السوري بفعل بعض أفراده"
المهندس السوري عبد الحميد محمد تحدث لـ DW عربية ولم تختلف شكواه عن ما قاله الأخوان العابد. ويشعر محمد بـ "حالة احتقار" استجدت في تعامل المصريين مع السوريين. ويرى المهندس الشاب أن الأزمة مبنية على "أكاذيب مفتعلة لمحاولة إظهار أن هناك جهة تستقوي بقوة خارجية". وأوضح محمد أنه أصبح هناك قلق في الحركة الآن في شوارع مصر بالنسبة للسوريين كما أن القرار الأخير الخاص بدخول السوريين إلى مصر قد تسبب في إلغاء مجيء بعض أقاربه إليه في مصر.
وتواصلت DW عربية مع المنسق العام لرابطة سوريات في مصر الفنانة عزة البحرة. وأعربت البحرة عن تفهمها للوضع الأمني الحرج الذي تمر به مصر وغرض الدولة من أخذ احتياطاتها، لكنها أخذت على المسؤليين عدم التنويه عن تلك الخطوة التي أخذوها بمنع دخول السوريين إلى مصر دون تأشيرة قبل أخذ القرار بمدة تسمح للناس بترتيب أوضاعهم. "عدم صدور هذا التنويه تسبب في إشكال وأزمة للسوريين في مصر خاصة أن أغلبيتهم أهلهم بالخارج وأصبح من بالخارج لا يستطيع القدوم ومن بالداخل لا يستطيع السفر"، توضح البحرة.
أما بخصوص المعاملة في الشارع فتقول الممثلة السورية: "أعيش في مصر منذ عام والشعب المصري محب وطيب جداً. المصريون كانوا يرحبون بي دائما، لكن تلك المعاملة تغيرت في الأسبوع الأخير. وأصبحت أواجه بأسئلة مثل: أنتم بتعملوا فينا كده ليه؟ وبتضربونا بالرصاص ليه كده؟". واستنكرت المنسق العام لرابطة سوريات أن يؤخذ الشعب السوري بأكمله بجريرة بعض أفراده.
وتقول البحرة في هذا السياق: "لو افترضنا أن هناك مجموعة من الإخوان السوريين يتواجدون في مصر لا يجب أن يؤخذ الشعب السوري كله بذنبهم فأنت هكذا تحارب شعبا بأكمله". وعن دور الرابطة في تلك الأزمة تقول البحرة إن الرابطة ليس باستطاعتها أن تأخذ موقفا لعدم وجود سلطة تنفيذية في يدها "لكن دورنا أن نقدم العون للسوريين في مصر ونحاول أن نهدئ الرأي العام وتوضيح الصورة أمامه". كذلك أعربت البحرة عن وجود تواصل بين الرابطة ومفوضية اللاجئين لتقنين إجراءات وجود السوريين في مصر.
البحث عن حل وسط
أما الناشط الحقوقي رامي رؤوف فيرى في حديث لـ DW عربية أن خطاب التحريض ضد السوريين هو جزء من خطاب تحريض ضد كل من هو غير مصري، معتبراً أن الخطاب مبني على أشياء غير حقيقية في الأصل. وأدان رؤوف القرار الذي أصدرته الدولة بمنع دخول السوريين معتبراً إياه "موقفاً ضد السوريين الهاربين من حالة حرب". ويقول في هذا النطاق: "يجب على الدولة تيسير شؤون اللاجئين، وإذا لم تستطع حمايتهم فليس الحل بمنعهم من الدخول تماماً فهذا الحل يعبر عن إخفاقها تماما (الدولة)". ويرى الناشط الحقوقي أنه دائماً ما يوجد حل وسط.
الحل الوسط كان لدى الأكاديمي والباحث المصري أحمد عبد ربه الذي قال لـ DW عربية إن "الحل يتمثل في أن تأخذ الدولة كل الإجراءات الأمنية ويتم بحث كل شخصية قادمة إلى مصر ومن ليس عليه شيء ولم يرتكب شيئا فليدخل". واتفق عبد ربه مع رأي رؤوف في أن الحملة ضد السوريين هي جزء من إطار أوسع "يشمل الفلسطينيين وبعض المصريين المنتمين للتيار الإسلامي بجانبهم".
ويفسرالباحث المصري ذلك بمصطلح "الهيستريا القومية" أي اعتقاد البعض بأن المسار الثوري بعد 30 يونيو يجب فيه إعلاء الدولة القومية والخلاص من الدولة الإخوانية وما يحسب عليها – حسب قوله. ويرجع عبد ربه تغيير معاملة بعض المصريين تجاه السوريين في مصر إلى الأسوأ لسببين "أولهما، وجود شعور عام بالضيق لوجود السوريين في مصر في ظل الوضع الاقتصادي الحالي". أما السبب الثاني برأيه فهو "خطاب مرسي الشهير الذي أعلن فيه قطع العلاقات مع النظام السوري وحث على الجهاد".
ويعتقد عبد ربه أن السوريون زج بهم في الوضع الذي وضعوا فيه بسبب مرسي ومن ثم منصة رابعة العدوية (الميدان الذي يعتصم فيه أنصار مرسي). وطالب عبد ربه المصريين بتفهم أن السوريين في مصر معظمهم نازحين وليسوا سياحاً. كما حذر من اضطهادهم معتبرا ذلك خطأ كبيرا ويسبب خطورة على الأمن القومي المصري "فالأمن القومي المصري يبدأ من سوريا وليس من فلسطين كما يعتقد البعض والوضع في سوريا سيحل إن آجلاً أو عاجلاً وإذا استمرت حملات التحريض تلك فلن يبقى بعد ذلك إلا شعور بالكراهية بين الشعبيين".