الكيماوي خط أحمر في سوريا .. غضب دولي على "نوع القتل"؟
٩ أبريل ٢٠١٨غضب شديد اجتاح العواصم الغربية بعد انتشار صور وفيديوهات من داخل مدينة دوما السورية لأطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة بسبب ما قالت جماعات إغاثة طبية إنه هجوم شنه الجيش السوري بالأسلحة الكيماوية على المدينة التي يحاصرها جيش النظام ويتواجد بداخلها آلاف من المسلحين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد.
كل هذا الغضب.. لماذا الآن؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غرد عن الواقعة بكلمات هي الأعنف من نوعها منذ توليه مقاليد السلطة في بلاده، واصفاً الرئيس السوري بــ "الحيوان"، ومشدداً على أنه سيدفع الثمن غاليا حيال هذا الهجوم:
وسائل إعلام أمريكية قالت إن غضب الرئيس الأمريكي جاء بعد حصوله على معلومات استخباراتية تؤكد قيام قوات النظام السوري بشن الهجوم الكيماوي وأن غضبه اشتد بعد مشاهدته لعدد من الفيديوهات امتنعت وسائل الإعلام عن نشرها نظرا لبشاعتها الشديدة.
ورغم التشكيك الروسي الدائم والنفي السوري لكل ما يتعلق بهجمات من هذا النوع، إلا أن هذه المرة يبدو أن هناك دلائل قوية تشير إلى أن النظام السوري هو من نفذ الهجوم. الدكتور رالف تراب الخبير الألماني في مجال الأسلحة الكيماوية قال في حوار مع DW عربية إن "هنالك علامات تدل على قيام مروحيات بإلقاء براميل مليئة بغاز الكلور، وإذا ما تم التأكد من هذه الدلائل فهذا يؤكد الاتجاه القائل بأن النظام السوري هو المسؤول عن الهجوم لأن الجيش السوري فقط هو من يملك مروحيات، على أن الشيء الصعب في هذه الحالة سيكون إثبات الترابط بين المروحيات والبراميل واستخدام غاز الكلور".
ويرى الدكتور نبيل خوري الدبلوماسي الأمريكي السابق في حوار مع DW عربية أن سبب الغضب هو استخدام السلاح الكيماوي والذي توجد اتفاقيات دولية واضحة بشأنه تشمل عدم اللجوء إليه حتى في زمن الحرب "خاصة وأن وقع هذا السلاح سياسياً أكبر من وقع حرب مستمرة قد يأخذ الأطراف خلالها مواقف مختلفة".
ويعتقد خوري أن السبب الآخر هو أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما اعتقدت أنها وبوساطة روسية قد تمكنت من جمع كل الأسلحة الكيميائية من أيدي النظام السوري وتبين خطأ هذا الاعتقاد وأنه مازال هناك أسلحة بين يدي قواته، "على أن السؤال الكبير لإدارة ترامب اليوم هو: هل الأمر مجرد فورة غضب أم أن هناك استراتيجية لرد معين؟".
غضب لطريقة القتل وليس للقتل نفسه
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش السوري السلاح الكيماوي، فبحسب تقارير دولية تعرضت مدينة خان شيخون في ريف إدلب لهجوم جوي بالسلاح الكيميائي، يعتقد أنه من تنفيذ الحكومة السورية، ما أسفر عن 100 قتيل أغلبهم من الأطفال ومئات المصابين.
كان استخدام السلاح الكيماوي هو الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وأكد حينها أن لجوء النظام السوري إليه في الحرب الدائرة "ستكون له عواقب هائلة". على أن سياسيون ومحللون انتقدوا كلمات أوباما مشيرين إلى أن الخلاف أصبح على كيفية قتل المدنيين السوريين إذا ما كانت بالبراميل المتفجرة أم بالغازات السامة لا على عملية القتل نفسها.
وفي هذا السياق يقول يقول الدكتور نبيل خوري: "مع الأسف هي طريقة القتل وليس القتل نفسه هي سبب كل هذا الغضب، وهذا شيء مخجل لكنه حقيقة واقعة"، ويضيف بأن كل الخيارات مطروحة أمام الرئيس ترامب، ليس الآن فقط وإنما منذ فترة، وآخرها كان خلال اجتماع مجلس الأمن القومي في واشنطن.
وقال إن الرد أياً كانت طبيعته هو خيار استراتيجي بمعني أنه غير مرتبط بالضرورة باستعمال السلاح الكيماوي ولكنه مرتبط بالقرار الاستراتيجي الأمريكي وما تريده من سوريا بالتحديد وهذا ما لم يتحدد بعد، "فترامب يغرد على تويتر فيتحمس العالم ويتحرك الجمهور هنا وهناك ولكن يبقى الأمر في النهاية مجرد تغريدة في الغالب أطلقت لأسباب سياسية داخلية ولاتشكل بالفعل سياسة للولايات المتحدة" مشيراً إلى أن "ترامب يغير رأيه من فترة إلى أخرى وعليه فلا يمكن أن يكون ما يكتبه ترامب سياسة لأمريكا"، إلا إذا تبنتها المؤسسات الأمريكية وإذا خرج مجلس الأمن القومي بخطة استراتيجية بناء على ما يريده أو ما لايريده الرئيس.
روسيا .. العقدة والحل
رغم أن أغلب المجتمع الدولي كان قد اتفق في وقت من الأوقات على أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد له مكان في المشهد المستقبلي لسوريا إلا أن التدخل الروسي والمساندة العسكرية لقوات الأسد غير من موازين القوى على الأرض وأصبح بشار الأسد اليوم رقماً صعباً في المعادلة.
لكن هناك مخاوف من أن تقع مواجهة بين الولايات المتحدة وحلفاءها من جانب وبين روسيا من جانب آخر تكون الأرض السورية مسرحاً لها، إذا ما قرر الغرب الرد بضربة عسكرية.
إلا أن الدكتور نبيل خوري رأي في حواره مع DW عربية أنه ليس بالضرورة أن تصل الأمور إلى حد المواجهات العسكرية "حيث يمكن فقط استهداف مواقع للقوات النظامية السورية ومقرات للنظام السوري دون التعرض للقوات الروسية على الأرض، أو زيادة عدد الجنود الأمريكيين والإعلان على الملأ أن أمريكا باقية في سوريا وأنها لن تسمح بتمدد النظام السوري أكثر مما تمدد حالياً".
وقال خوري إن "هناك خطط لضربات عسكرية جدية للجيش السوري مطروحة في البيت الأبيض، وما على ترامب إلا أن يختار منها وأنه "برغم وجود جدار عسكري روسي في سوريا متمثل في منظومة صواريخ اس-400 الدفاعية عالية الكفاءة، لكن هناك سبل لتجنبها، على أن يترك الأمر بعدها لروسيا، فإن ردت فسيتحول الأمر إلى مواجهة عسكرية صريحة أو أن تختار روسيا التراجع وسيكون وقتها هو الخيار الافضل للجميع".
يضيف خوري قائلاً إن "روسيا للأسف تمثل حاجزاً منيعا أمام أي تهديد للنظام السوري وعليه فمن المستحيل توقع اتخاذ إجراء دولي عبر الأمم المتحدة طالما لروسيا حق الفيتو وهي من دون شك ستستعمله في الدفاع عن نظام بشار الأسد وفي تكذيب أي اتهامات له"، لكن يمكن أن تقوم دول حلف الناتو بمساعدة دول أخرى باتخاذ إجراءات بمعزل عن الأمم المتحدة فيما يتعلق بالنواحي السياسية والاقتصادية كإجراءات عقابية، أما من الناحية العسكرية فهناك خيارات عديدة مطروحة حتى لاتكون الضربة العسكرية رمزية كما كانت في العام الماضي والتي لم تغير من الواقع على الأرض.
الضربة الإسرائيلية.. مخاوف من تمدد ايراني أم محاباة لأمريكا؟
على أن الرد العسكري لم يتأخر كثيراً وجاء من إسرائيل وفق ما أوردت وكالات أنباء سورية وروسية نقلاً عن مصادر عسكرية روسية وسورية من أن مقاتلات إسرائيلية قصفت مطار التيفور بوسط سوريا بصواريخ موجهة عبر المجال الجوي اللبناني ما أوقع 14 قتيلاً، قالت وكالة "فارس" للأنباء إن من بينهم ثلاثة إيرانيين.
يقول نبيل خوري الدبلوماسي الأمريكي السابق إنه "لايمكن القول بأن إسرائيل غيرت استراتيجيتها في سوريا لأنها تقوم فقط وحتى الآن بضرب تجمعات أو قوافل لأسلحة معينة في طريقها لحزب الله من سوريا إلى لبنان وكذا أي تجمعات إيرانية أو قوات لحزب الله على حدودها في الجولان لكن حتى الآن لم تتخذ إسرائيل أي إجراءات تجاه النظام السوري نفسه".
ويرجع خوري السبب في ذلك إلى أن إسرائيل ليست مهتمة فعلياً بالضحايا المدنيين السوريين الذين يسقطون يومياً بخلاف أن هذه الضربة لم تتضح معالمها بعد ليُعرف ما الذي سيتغير على الأرض بعدها أم إنها كانت مجرد نوع من التناغم بين ترامب ونيتانياهو أي أن "ترامب يغضب فتضرب إسرائيل".
يضيف خوري قائلاً إن إسرائيل عادة ما تضرب من خلال الأجواء اللبنانية حيث "يمكنها بذلك تفادي الرادارات الروسية بما لا يسبب لروسيا نوعاً من الحرج إن هي كشفت عن الوجود الإسرائيلي وهذا ما فعلوه عدة مرات دون أن يتعرض لهم احد"، وأن "التحرك الإسرائيلي جاء بدافع القلق من وجود السلاح الكيماوي في سوريا والذي يمكن في يوم ما إذا استمر هذا النظام في تخزينه قد يلجأ له يوما ما إن حدثت مواجهة عسكرية بين الجانبين أو أن ينتقل بشكل ما إلى حزب الله".
عماد حسن