"الكرسي الألماني" مسرحية عن التعذيب في السجون السورية يقدمها سجناء حقيقيون
١ مايو ٢٠١٣لم تكن الندوة الصحفية التي شهدها مسرح "أوفباو هاوس" في برلين ندوة صحفية تقليدية. ذلك أنها تميزت بنوع من الحميمية و فيض من البوح واسترجاع ذكريات أليمة. فثمانية من المعتقلين السابقين في سجن تدمر السوري جاؤوا إلى برلين لينقلوا جزء من صورة قاتمة عايشوها بأنفسهم، وذلك من خلال مسرحية فنية بعنوان "الكرسي الألماني".
تم اختيار "الكرسي الألماني" كعنوان للمسرحية، باعتبار أن هذه التسمية تطلق على إحدى طرق التعذيب التي تؤدي إلى إحداث كسر في العمود الفقري للسجين، وهي من بين طرق التعذيب التي تعرض لها سجناء سجن تدمر. وتقول مونيكا بورغمان مديرة المشروع: "إنهم ثمانية رجال تعرضوا لتعذيب فظيع، والمسرحية هي طريقة للتحرر من آثار تلك التجربة المريرة".
مشاعر حقيقية
لا يؤدي كل السجناء السابقين أدوارهم الحقيقية وإنما يقوم اثنان منهم بتقمص أدوار الجلادين، كما أنهم هم من كتبوا النص المسرحي بمساعدة المخرج اللبناني رامي نهاوي، الذي أشرف أيضا على الإخراج ورافق هؤلاء الممثلين الهواة لمدة ثلاثة أشهر "لتقديم المسرحية بشكل مشرف". ويقول المخرج اللبناني الشاب عن هذه التجربة المسرحية التي وصفها بالرائعة: "لم أكن أحاول أن "أمسرح" عملهم، بقدر ما كنت أساعدهم على القيام بما يريدون القيام به". أما عن الصعوبات التي واجهها فحصرها في "محاولة تقديم مشكلة سياسية في قالب مسرحي".
بعد موت حافظ الأسد سنة 2000 خرج هؤلاء المعتقلين من السجن إثر مبادرة من منظمة العفو الدولية، غير أنه ما يزال هناك مئات من المعتقلين اللبنانيين السياسيين في السجون السورية. ويقول علي أبودهن رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين السياسيين في السجون السورية في هذا السياق: "نحن بحاجة إلى مساعدتكم أنتم الصحفيون، لتعبروا عن آلامنا ومعاناتنا وعذابنا، ولنتمكن من تحرير أصدقائنا الذين ما زالوا يقبعون في السجون السورية".
ذكريات من صباح مظلم
تتناول المسرحية الفترة الصباحية في سجن تدمر كموضوع لها، ذلك أن هذه الفترة كانت الأصعب: فالخروج من الزنازين يعتبر خروجا للصراع من أجل البقاء، حيث تنهال سياط الجلادين على السجناء، الذين يفتقدون أبسط شروط الحياة الكريمة، فلم يكن لهم الحق في الزيارات العائلية ولا حتى الحق في توكيل محام كما يقول علي أبودهن.
وكانت لحظة مؤثرة تلك التي شهدتها الندوة الصحفية عندما قدم كل ممثل نفسه للحاضرين وهو يذكر عدد سنوات سجنه التي تراوحت بين 10 و14 سنة، كما حكا عدد من المعتقلين السابقين عن ظروف الاعتقال وصغر حجم الزنازين التي كانت تحتوي على عشرات المعتقلين فيما يشبه "علبة السردين" كما جاء على لسانهم. يقول رايموند بوبان الذي اعتقل لمدة 14 سنة عن مشاركته في المسرحية: "نحن لا نمثل، نحن نتذكر فقط ما عايشناه".
المسرح قادر على التغيير السياسي؟
مسرحية "الكرسي الألماني" التي ستعرض في فاتح مايو/ أيار في برلين تنظم من طرف مؤسسة "أومام للتوثيق والأبحاث" وكذا جمعية "المعتقلين اللبنانيين السياسيين في السجون السورية" كما أنها لقيت دعما من عدد من المؤسسات الألمانية على رأسها مؤسسة "فريديريش ايبرت".
وسبق أن عرضت المسرحية في بيروت، وكان رد فعل الجمهور بالغ في التأثر حسب ما قالت مونيكا بورغمان المشرفة على المشروع، التي تضيف: "أعتقد أن الأنشطة الثقافية قادرة على التغيير السياسي، لأنها تصل إلى جمهور كبير، كما أن الرسائل السياسية التي تحملها تصل بطريقة مثلى". وتتابع: "لقد شاهد هذه المسرحية جمهور من تيارات سياسية متعاطفة مع النظام السوري، غير أنهم بعد مشاهدة العرض المسرحي، خرجوا بفكرة مغايرة عن تلك التي كانت لديهم".
في نهاية الندوة عُرض فيلم قصير لمشاهد من المسرحية. مصطفى شمس الدين أحد المعتقلين السابقين في سجن تدمر لمدة 14 سنة، وهو أكبر الممثلين سنا، كان يشاهد نفسه في الفيلم بتأثر والتفت قائلا: "هذا أنا وهكذا كانوا يصنعون بنا". إنها القدرة على الكلام التي لم تتحقق إلا بعد الاحتجاجات التي شهدتها سوريا في الشهور الأخيرة.