الكرديات السوريات يكتسحن ساحة المعركة
٢١ فبراير ٢٠١٤يبلغ أعداد المقاتلات الكرديات في صفوف "قوات الدفاع الشعبي" الكرديةYPG) ) أكثر من 200إمرأة. وارسين واحدة منه هؤلاء الشابات اللواتي اجتمعنا خلف هضبة من الرمال في القاعدة العسكرية وأسلحة الكلاشينكوف في أيديهن.انضمتوارسين، ابنة الخمسة والعشرين عاماً، قبل عام إلى الميليشيات الكردية في روجاف بالقرب من قامشلي والتي تعد العاصمة غير الرسمية للمنطقة ذات الغالبية الكردية شمال سوريا. ترتدي وارسين الكوفية الفلسطينية حول عنقها مصحوبة بسترة واقية والسلاح على كتفها. أما الشابة روج التي تقف إلى جانبها، فقاتلت على الحدود العراقية ضد متطرفي "جبهة النصرة" المتصلة بتنظيم "القاعدة" التي تسعى إلى تحويل سوريا إلى دولة إسلامية. وتعلق روج بفخر بأنها لم تلتق عينا بعين مع الإسلاميين، لأنهم كانوا يهربون إلى الأمام حتى تم القضاء عليهم. يذكر أن هذه الأحداث وقعت الشتاء الماضي. وقبل ذلك بعام كان المقاتلون الأكراد يواجهون قوات النظام السوري.
رسميا تأسست قوات الدفاع الشعبية الكردية ـ وفق المصادر الكردية نفسها ـ عام 2012 بهدف إبعاد الحرب الأهلية قدر الإمكان عن المنطقة الكردية. وتعتبر هذه الميليشيات الذراع العسكري لأقوى الأحزاب الكردية؛ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). وفي الواقع، فإن المنطقة الكردية السورية الساعية لحكم ذاتي على منطقتها ككل، غير مرحب بها في البلاد المجاورة. فتركيا تخشى انتفاض أكرادها في الداخل حال نجاح خطة الحكم الذاتي للأكراد في الأراضي السورية. أما في العراق، فالأكراد منقسمون: جزء يدير علاقات تجارية بالنفط مع أنقرة ويخشى خسارة هذه العلاقات. من جانبها تتعاطف الحكومة العراقية مع الأكراد في البلاد المجاورة ولو بحذر، على الأقل إلى أن تتبين نتيجة الثورة السورية ويتضح من هو صاحب الكلمة الأخيرة في دمشق.
من مقاعد الدراسة إلى ساحة الحرب
إذن فعلى المنطقة الكردية السورية حماية نفسها بنفسها وإلى حد بعيد لوحدها أيضاً، وهو ما خلق تعبئة شعبية كبيرة دفعت الكثيرن إلى ذلك ومنهم روج و وارسين. وقبل أشهر قليلة أعلن الأكراد روجافا منطقة حكم ذاتي. وهنا تحمست كاندا ذات الواحد والعشرين ربيعاً للحوار، فتقول:" نحن هنا بسبب تعرض بلدنا للهجوم وهدفنا الأساسي هو الدفاع عنها. إنه جزء من مسؤوليتنا. ولم يتم إكراهنا على ذلك، بل نقوم بذلك طوعيا". تتحدث كاندا، العضو في المجلس العسكري، بأسلوب خطابي وأيدولوجي بإمتياز. وتسترسل:" والدي فخوران بي، يدعماني ويحفزاني ولديهم تفهم لموقفي، فحتى لو سقطت في المعركة، فسأسقط من أجل السلام والديمقراطية".
#bbig# من الصعب تصديق حمل أيلم للسلاح، فالشابة ذات الوجه الطفولي (18 سنة) أنهت المرحلة الثانوية للتو وكانت تتطلع للدراسة الجامعية:" حقيقة كنت ارغب في دراسة اللغة العربية، فهي اللغة السائدة في البلاد حتى الآن خلافاُ للكردية التي لا يتم تدريسها. وهكذا كنت متأكدة من نجاحي بعد تخرجي الجامعي حتى في ظل نظام الأسد، فالعمل في مجال اللغة العربية مطلوب جداُ". كلمات أيلم هذه تعكس طريقة تعامل الأكراد لسنوات مع نظام الأسد وذلك بالتعايش معه بدل التمرد عليه. أما اليوم، فيرى الأكراد في الحرب الأهلية لأول مرة الفرصة في حياة يشكلونها بأنفسهم في المنطقة، خاصة على الصعيد النسوي. 35% من مجموع المقاتلين البالغ عددهم 45 ألفاً من النساء. وتعلق أيلم:" ينظر المجتمع الكردي اليوم للنساء بأعين مختلفة، فقد كن مضطهدات ومستغلات وأقل شأناً من الرجال. أما اليوم، فأمامنا الفرصة لإثبات أننا غير ذلك. وبذلك نقدم نموذجاً قيادياً لا للأكراد فحسب، بل أيضاُ لغيرنا من الإثنيات، كالمرأة العربية مثلاُ".
المستقبل بين يدي المرأة
لا تقتصر مشاركة النساء الكرديات على ما يزيد على ثلث الميليشيات الكردية فحسب، بل لهن أيضاً كوتة تبلغ 40% في أقوى الأحزاب الكردية؛ حزب الاتحاد الديمقراطي، وحق متكافئ في قيادة الحزب. وتهتم الرئيسة المشاركة للحزب، آسيا عبدالله، بالعمل السياسي والمساواة. في هذا الجانب تعلق آسيا ضاحكة في إشارة إلى ما لا يطيب للرجال سماعه، بالقول" أصبحنا نحن النساء نموذجاً، فأصبحنا مسيطرات في بعض المجالات حتى أن الرجال اصبحوا يطالبون بكوتة خاصة لهم". حتى أن أحد نواب المجلس الأعلى للأكراد والممثل السياسي للمنطقة الذي كان يجلس بجانبها ضحك من تعليقها هذا قبل أن يلجأ إلى الصمت.
يذكر أن رئيس حزب العمال الكردستاني (PKK) ورهين السجن منذ أكثر من 15 عاماً، عبدالله أوجلان، من أهم الداعين للحكم الذاتي و تحرير المرأة، حيث أمضى أوجلان 10 عاماً من حياته في المهجر وبالذات في سوريا. ولازالت صوره معلقة في غرف المعيشة ولقبه "آبو" على جدران المنازل. ويستمر الأكراد في كفاحهم لنيل حكمهم الذاتي على مناطقهم آملين تحقيق مكاسب من الحرب الأهلية السورية ـ هذا إذا ما كفت البلدان المجاورة أيديها عنهم.