الكرة الألمانية تصلح ما أفسدته السياسة
٦ يوليو ٢٠٠٦ها هو العيد الرياضي -المونديال- يهيمن على الحياة اليومية لسكان المعمورة على اختلاف ثقافاتهم وأمزجتهم وعاداتهم، خاصة عندما نراهم يتحلقون حول شاشات العرض في صورة تؤكد أنّ كرة القدم أصبحت حقلا مغناطيسيا على المستطيل الأخضر يجذب الصغار والكبار على حد سواء، لأن الحماس والاندفاع وحبس الأنفاس أمام شاشات التلفزة يجمع الناس ويوحدهم. ويأتي المونديال وقد توشحت البلدان بساطا جميلا من أعلام الزينة وصور نجوم أبطال المستديرة وأعلام الدول المشاركة القريبة على قلوب الناس. فالمحال التجارية وشرفات المنازل والساحات العامة تبدو وكأنها عروس تتهيأ للزفاف وقد بدت في أجمل حلة وأزهى منظر، ليبدو العالم ملونا بالسلام والمحبة بعيدا عن كل أشكال الهموم والحروب. إنّها بحق ألوان جميلة لفرحة عظيمة تجعل المرء يشعر بنشوة سحر المستديرة ومدى أسرها لعقول الناس وقلوبهم.
ومع جمال هذا العرس العالمي، إلا أنّ حظوظ المنتخبات المشاركة في المونديال تفاوتت من حيث التمجيد والاحتفاء في العالم العربي. نظرة عامة على مستوى الشعبية التي تتمتع بها المنتخبات المشاركة في مونديال ألمانيا 2006 تؤكد أنّ المنتخب الألماني يحظى بشعبية واسعة في جنّة العشق العربي الرياضي. فالزائر مثلا إلى بيروت أو دمشق يلمس هذا الحب للمنتخب الألماني والمعرفة الدقيقة بتركيبة المنتخب من لاعبين وأساليب اللعب وكأنّك أمام مجتمع اصطبغ كله وتلون بالمونديال فكرا وروحا. ولذا يمكن القول أنّ كرة القدم أصبحت ملهمة الجماهير وملحمة العصر دون منازع.
"كرة القدم...لغة العالم"
وفي مصر لا تختلف الصورة عن سوريا، إذ يحظى المنتخب الألماني بالأفضلية وبشعبية واسعة. وفي مقابلة تلفونية لموقعنا مع يورخن باخمان، مدير المركز الإعلامي الألماني في القاهرة، أشار السيد باخمان فيها إلى أنّ سبب شعبية المنتخب الألماني يعود إلى طبيعة الكرة الألمانية التي تعتمد اللعب الهجومي والسريع وأنّ العوامل السياسية لا تلعب دورا في هذا الأمر:" فالرياضة هي الرياضة"، على حد قول باخمان. وفي السياق نفسه أضاف باخمان:"ألمانيا تربطها بمصر علاقات وثيقة "، الأمر الذي يدفع بتعزيز خطوات التواصل هذه. وأشار إلى أنّ "مصر هي بطل إفريقيا وأنّ الشعب المصري يهوى الرياضة وحقق منتخباته العديد من الإنجازات والبطولات، الأمر الذي يجد له تمثيلا في المنتخب الألماني."
ولتفعيل التواصل مع عشاق المستديرة أقامت السفارة الألمانية وبالتعاون مع معهد غوتة لوحة عرض الكترونية كبيرة تعد الأكبر في القاهرة- كما أوضح باخمان- التف حولها أكثر من 500 شخص في مباراة ألمانيا الأخيرة. وعند سؤال موقعنا للسيد باخمان عن حجم عدد المشاهدين المتوقع حضورهم لمباراة ألمانيا مع ايطاليا أوضح بأنّ "المكان لن يتسع لهؤلاء وكلهم أمل بأن تفوز ألمانيا في هذه المباراة". يذكر أنّ لغة التعليق على المباراة من الشاشة الكبيرة هي باللغة العربية، رغبة في تعميق جسور التواصل بين الشعوب وذلك بواسطة شعار "كرة القدم...لغة العالم"
المنتخب الألماني والأراضي الفلسطينية
وعلى الرغم من سوء الحال وتردي الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية إلا أنّ المونديال استطاع أن يخترق جدران الحزن وأسوار المعاناة، ليجد الناس فيه مجالا للترويح عن نفوسهم وللتخفيف عن همومهم في مشهد تختلط به صور الفرحة بالكرة الألمانية ومشاهد المعاناة اليومية. وفي اتصال لموقعنا مع محمد الحاج، طالب في جامعة النجاح في مدينة نابلس:"على الرغم من صعوبة الحال، إلا أننا نتابع المونديال وفريقنا المفضل هو ألمانيا وذلك لأسلوب لعبهم الجميل". ومن ناحية أخرى، وفي مقابلة تلفونية أخرى مع مسلم أبو مقدم، الرئيس السابق للجنة المنتخبات في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ومدرب أحد الأندية المحلية، أشار السيد أبو مقدم إلى أنه:"بالإضافة إلى أسلوب لعب الماكينة الألمانية فإنّ المواقف السياسية المميزة للحكومة الألمانية وموقفها من حرب العراق قد ساهمتا في جعل المنتخب الألماني أكثر شعبية"، مضيفا أن "الوجود الألماني في الأراضي الفلسطينية من خلال مؤسسات التنمية والتطوير وما يلمسه المواطن العادي من دعم للبنى التحتية يترك انطباعا جيدا لدى الناس، الأمر الذي قد ينعكس على مواقفهم الرياضية." كما أشار أبو مقدم إلى أنّ العلاقات الثقافية بين الشعبين متطورة جداً، حيث يوجد في فلسطين عدد لا بأس به من الدارسين في ألمانيا أو الذين يدرسون فيها، الأمر الذي يساهم في تعزيز شعبية المنتخب الألماني.
سر شعبية المنتخب الألماني
وما من شك أنّ عوامل متداخلة ومركبات متشابكة قد تدخل في الإجابة على هذا التساؤل المطروح. فربما تشكل طبيعة الشخصية الألمانية ومدخلاتها من حيث قوة العزيمة والإصرار على الوصول إلى الهدف، سواء اتفق المرء معها أو اختلف عند النظر إلى البعد التاريخي، إسقاطا فكريا على العقلية العربية يترجم من خلال مظاهر الاعتزاز بألمانيا سواء في صناعاتها أو في عالم الكرة فيها، فهي دولة أتقنت صناعة التميز عبر منتجاتها وإبداعاتها. وكذلك يبدو أنّ العامل السياسي والمواقف السياسية الألمانية تتسلل إلى أفئدة الناس وبالتالي تنعكس على مواقفهم. وفي هذا الصدد نشرت الصحيفة الألمانية الواسعة الانتشار "فرانكفورتر ألجماينة تسايتونج" تقريرا يؤكد وجود دور للبعد السياسي- كما عبر عن ذلك كثير من المقابلين العرب في سوريا- في سر هذه الشعبية للمنتخب الألماني، لاسيما موقف ألمانيا الرافض للحرب على العراق وكذلك عدم وجود جذور استعمارية لها. كذلك يلعب الدعم الاقتصادي وبرامج التنمية الاقتصادية دورا في جعل ألمانيا منتخبا ودولة ذات قبول شعبي قلّما تتمتع به دولة غربية أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى، فإنّ المهارة الرياضية التي يتمتع بها المنتخب الألماني من انضباط وتناغم وانسجام بين عناصر الفريق وحسن الأداء والأسلوب الهجومي جعل المشاهد العربي أكثر تعلقا بالكرة الألمانية الساحرة. وفي سؤال لصحيفة "فرانكفورتر ألجماينة تسايتونج" حول هذا الأمر، قال الأستاذ خوري من سوريا:"أنا أحب الناس الذين يبذلون مجهودا". ومن مظاهر هذه الافتخار أن خرج الناس بعد فوز ألمانيا على السويد إلى الشوارع ملوحين بالأعلام الألمانية ورافعين لافتات كتب عليها" ألمانيا...ألمانيا". وفي تعليق آخر، قال أحدهم:" الألمان يلعبون بطريقة سريعة."