الكتاب المطبوع يقف أمام تحديات العصر الإلكتروني الجديد
٢٢ يوليو ٢٠١١على الرغم من زيادة حضور الكتب الالكترونية ، إلا أنه لا يمكن الحديث الآن عن أزمة حقيقية في سوق الكتاب المطبوع، عن هذا يقول لوتس كيتمان، المدير التنفيذي لدار روفولت المشهورة: "يختلف النصف الأول من هذا العام عن الحال في النصف الثاني من العام الماضي بشكل واضح". وتعد دار روفولت للنشر أحد أشهر دور النشر الأدبية الرائدة في ألمانيا، إلى جانب دور اخرى مثل فيشر وهانزر وزوركامب، والتي يقصدها كتاب مشهورون مثل دانييل كيلمان ومارتين فالزر وباول آوستر وجون أوبديكه وجونثان فرانتسن لنشر أعمالهم.
تقاطب في سوق الكتاب المعرفي
إن جهود دور النشر لاستقطاب اهتمام القراء ليس في الخريف أو أوقات رأس السنة، بل وفي الربيع أيضاً، لم تعد تحقق نجاحات كبيرة، على الرغم من إقامة معرض لايبزيغ للكتاب والأسعار المناسبة لجمهور القراء. ويضع الجميع الآن آمالهم على حركة البيع في فصل الخريف مجدداً، ففي النصف الأول من هذا العام تراجعت مبيعات دار روفولت للنشر بما نسبته 2 إلى 3 بالمائة من التوقعات، كما يقول كيتمان، الذي لا يرغب في تقديم أرقام دقيقة. وفي السنوات الماضية تعرض سوق الكتاب الألماني لخسائر، كان الجزء الأعظم منها في مجال الكتب المعرفية والمتخصصة التي تتناول أوضاعاً راهنة. وبحسب كيتمان، فإن القراء يلجأون إلى الإنترنت والمجلات والصحف والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى للإطلاع على الأحداث والمجريات السياسية.
أما الكتب المتخصصة في المواضيع المحببة والشهيرة،على النقيض من ذلك، فمازالت تحقق مبيعات كبيرة، كما يقول المدير التنفيذي لدار نشر روفولت، مشيراً إلى كتاب الطبيب وفنان الكاباريه الألماني إيكارت فون هيرشهاوزن "الكبد ينمو بوظائفه"، والذي يحتوي على العديد من الرؤى والملاحظات الكوميدية. فخلال عامين ونصف تم بيع قرابة 2.5 مليون نسخة. لكن مثل هذه الكتب تصدر في الغالب في سلاسل كتب الجيب الرخيصة الثمن، وهامش الربح فيها محدود للغاية.
الكتاب وعصر الإنترنت
أثرت الإنترنت بشكل كبير على سوق الكتاب عموماً، فقد تراجع دور النصوص العلمية المطبوعة اليوم كثيراً. "كلما تطورت المعرفة بسرعة، وهذا الأمر يُلحظ في كتب العلوم الطبيعية في أوضح أشكاله، كلما كان ذلك في صالح الكتب غير المطبوعة"، كما يقول ميشائيل مينارد من اتحاد بورصة سوق الكتاب الألماني. ويضيف مينارد بالقول: "أما فيما يتعلق بكتب التعليقات المفصلة والدراسات الأدبية، فإن هذا التطور يدور بوتيرة أبطئ".
وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الأعمال الأدبية، فمازالت دور الكتاب الالكتروني في ألمانيا في هذا المجال أقل من دوره في نتاجات المعارف الأخرى. ولكن يجب على سوق الكتاب أن يستعد لهذه التغييرات المستمرة، كما تؤكد صاحبة إحدى مكتبات مدينة هامبورغ الألمانية أورزولا توللر. وتقول إنها سبق أن ارتكبت أحد الأخطاء الفادحة، مضيفة بالقول: "حين بدأت التجارة عن طريق الإنترنت، قال الجميع: كلا، يجب ألا نهتم لهذا، فالزبائن يفضلون أن يقصدوا المكتبة. وكان هذا خطأ كبيراً". فتجارة الكتب عن طريق الإنترنت في ازدهار مستمر، "وأصبح موقع آمازون ماركة مشهورة"، كما تقول توللر، التي تضيف أن الكثير من الأشخاص لم يعودوا يفكرون حتى في السؤال عن الكتب التي يرغبون في اقتنائها في المكتبة". على الرغم من أن الخدمات في المكتبات الألمانية تتضمن إرسال الكتاب المطلوب بالبريد مجاناً، كما أن تغليفه بورق الهدايا من الخدمات المجانية أيضاً، مقارنة بموقع آمازون، الذي يفرض أجراً على ذلك.
مجابهة أم هروب؟
إن سوق الكتاب التقليدي ضيع فرصة الترويج لخدماته "بشكل هجومي"، لأن رد فعله على المتغيرات الهيكلية في سوق الكتاب أتى متأخراً للغاية. فالموقف الرافض للكثير من العاملين في هذا المجال على التقدم التكنولوجي أساء إلى هذا القطاع بشكل كبير. وبدلاً من الوقوف بوجه هذه التغيرات كان على العاملين في قطاع الكتاب المطبوع التلاؤم معها، كما فعل الكثير من العاملين في مجال الصناعات الالكترونية. إذ أن الأمر لم يعد يتعلق الآن بسلعة ملموسة، أو بورق مطبوع، لأن بائعي كتب المستقبل هم بائعو بيانات أيضاً. وستكون وظيفتهم في عدم استغناء الزبائن عن دورهم كمرشدين، وكمرشدين في مجال الكتاب الالكتروني أيضاً.
اهتمامات أوقات الفراغ
وبينما يفضل الكثير من ممثلي دور النشر وبائعي الكتب وصف الأزمة الحالية في سوق الكتاب على أنها ركود، تتحدث الأرقام بلغة أكثر وضوحاً. فمبيعات ربيع 2011 كانت بمجملها أقل بنسبة 1.3 بالمائة عن مثيلاتها من الفترة نفسها من العام الماضي. وإذا ما ألتفت المرء إلى أن سوق الكتاب شهد تراجعاً في الأرباح عموماً عام 2010، فإن هذه الأرقام تشير إلى تراجع مطرد.
من خلال شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، ومن خلال الهواتف الذكية والكومبيوترات اللوحية تغيرت اهتمامات الأشخاص لقضاء وقت الفراغ، فقد تراجع عدد من يرغب في قضاء هذا الوقت في القراءة، كما يقول ميشائيل مينارد، الذي يضيف قائلاً: "متوسط عدد الكتب التي يقرأها الألمان لا يتجاوز 12 كتاباً سنوياً، بينما كان هذا الرقم يصل إلى 12.6 عام 2005". وإذا ما قارنا هذا الرقم بالمبيعات السنوية لسوق الكتاب الألماني، التي تبلغ 9 مليارات يورو، فإن هذا يعني أن تأثيرات ذلك هائلة الحجم، فهذا التراجع يعني خسارة 400 مليون يورو سنوياً.
قراء نهمون وعزوف عن القراءة
وإذا ما قارنا نتيجة استطلاع الرأي، الذي أُجري عام 2007 عن سلوكيات القراءة، يتضح أن أكثر من نصف المجتمع الألماني أقل قراءة من الماضي أو لا يقرأون تماماً. أما النصف الآخر فيقول إنه مازال يقرأ مثلما كان الحال عليه في الماضي أو ربما أكثر.
إن الكتاب المطبوع لن يختفي إذاً من السوق. لكن على الرغم من ذلك يجب على تجارة الكتب التقليدية أن تأخذ في الاعتبار أنها ستفقد أهميتها على المدى البعيد ويجب عليها هنا أن تحتل مجالات جديدة في الوقت المناسب، كما بدأت تفعل الكثير من المكتبات، التي أخذت تعرض أيضاً القرطاسية والأدوات المكتبة والهدايا. لكن بشكل خاص يحب على بائعي الكتب الانفتاح على تجارة الكتاب الالكتروني، وإلا لتأثرت مبيعاتهم، كما حدث حين بدأ موقع آمازون وكتابات الإنترنت الأخرى.
هايده زولتاو/ عماد غانم
مراجعة:هبة الله إسماعيل