الكاتب سيد قشوع: "أرفض تقديس الهوية العربية أو اليهودية"
١١ أبريل ٢٠١١سيد قشوع مؤلف وصحفي عربي فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية، ولد في عام 1975 وترعرع في قرية الطيرة العربية في إسرائيل. إلى جانب كتاباته الصحفية في جريدة هآرتس الإسرائيلية، نشر سيد قشوع في السنوات الأخيرة ثلاث روايات كتبها باللغة العبرية، يتناول فيها حياة ومشاكل السكان العرب في إسرائيل والصراعات الداخلية والخارجية بين القوميات والعقليات وطرق المعيشة المختلفة في المجتمع الإسرائيلي.
حظيت روايات قشوع باهتمام محلي ودولي واسعين وترجمت إلى عدة لغات أوروبية. آخر رواية له صدرت مؤخراً تحت عنوان "ضمير المخاطب"، وتُرجمت أيضاً إلى الألمانية ورشحت أيضاً للفوز بجائزة "سابير"الأدبية الإسرائيلية المرموقة.
دويتشه فيله التقت المؤلف قشوع وأجرت معه حواراً، فيما يلي نصه:
دويتشه فيله: سيد قشوع، في روايتك التي صدرت مؤخراً بعنوان "ضمير المخاطب"، التي كتبتها باللغة العبرية، تناقش وتعرض نزاع الهوية الداخلي لدى شخصيات عربية من السكان العرب في إسرائيل. لماذا تهيمن هذه القضية على أعمالك الأدبية؟
سيد قشوع: أنا أتناول مسألة الهوية في كتاباتي دائماً. فحتى تعريف السكان العرب "تقنياً" كمصطلح وتحديد هويتهم القومية هو بحد ذاته مشكلة، كونهم فلسطينيون يحملون الجنسية الإسرائيلية. ولكنني أعتقد أنني في رواياتي لا أركز فقط على مشكلة الهوية فقط، بل أحاول أيضاً مناقشة مشكلة "تقديس" الهوية، أي تقديس الهوية الفلسطينية لدى السكان العرب في إسرائيل وأيضاً تقديس الهوية اليهودية، فعلى سبيل المثال جزء من رواية "ضمير المخاطب" يسرد قصة "أمير لهب"، وهو طالب عربي يدرس الخدمة الاجتماعية، وفي داخله صراع بين هويته العربية وهويته الإسرائيلية. ولكنني أسرد هذه القصة بنوع من السخرية، متسائلاً إذا ما كان تغيير أمير لاسمه العربي إلى اسم يهودي (يوناتان) قد يجعله فعلاً مواطناً يتقبله المجتمع الإسرائيلي.
ما هي المشاكل التي يعاني منه السكان العرب في إسرائيل بشكل عام من ناحية تحديد هويتهم القومية؟
أنا لا أعتقد أن العرب في إسرائيل، أو من يفضلون أن يسموا "بالفلسطينيين داخل إسرائيل"، لديهم مشكلة في تحديد هويتهم القومية. بل بالعكس؛ أحد الأشياء الجيدة اليوم هو أن العرب لا يحتاجون إلى التفكير ملياً في هذا الموضوع أو أخذه على محمل الجد. فالأمر واضح جداً، هناك أقلية عربية وهناك أغلبية إسرائيلية، وهناك أيضا الحكومة الإسرائيلية التي تذكر المواطن العربي يومياً بأنه عربي.
المشكلة بالأحرى هي عدم قدرة هذه الأقلية العربية على إظهار انتمائها للقومية العربية. فمثلاً، قد تم سن قانون جديد في إسرائيل مؤخراً ينّص على أن الدولة لن تدعم المؤسسات، عربية كانت أم إسرائيلية، التي تحيي ذكرى "النكبة". وفي اليوم ذاته تم سن قانون جديد يسمح للقرى الإسرائيلية والتجمعات السكنية أن تختار هي السكان الذين يريدون العيش فيها، ولكنني أتوقع أن المقصود من وراء هذا القانون هو إعطاء الحق للقرى الإسرائيلية برفض العرب، الذين يريدون العيش في هذه المجمعات السكنية الإسرائيلية.
أنت تقول أن الحكومة الإسرائيلية حالياً تحاول أن تطمس الهوية العربية لدى السكان العرب وتذكيرهم بأنهم لا ينتمون بشكل كلي إلى دولة لإسرائيل مثل السكان اليهود. ولكن في رواية "ضمير المخاطب" هناك أيضاً شخصية المحامي العربي الذي يعاني من نزاع داخلي بين العودة إلى العادات والتقاليد العربية المحافِظة ومفاهيم تقليدية للتربية والزواج والجنس، وما بين الحضارة اليهودية العصرية التي أثرت عليها الحضارة الأوروبية إلى حد كبير. هل هذا النزاع بين هذين التصورين موجود فعلاً داخل المجتمع العربي في دولة إسرائيل؟
أنا لا أشاركك الرأي في أن الصراع داخل شخصية المحامي هو صراع بين هويته العربية القروية وبين الحضارة الأوروبية الإسرائيلية الحديثة. إذا كان هناك صراع لدى شخصية المحامي فإن هذا الصراع يكمن بالأحرى في الصراع بين العقلية القروية وعقلية المدينة، كونه انتقل للعيش من القرية إلى المدينة. وهذا صراع موجود في حسب اعتقادي في كل الدول العربية. وهو صراع بين الحداثة وبين التصورات القبلية، إذا صح التعبير.
الانتقال من القرية إلى المدينة والتصرف بطريقة تختلف عما هو متوقع من الفرد في القرية، يشكل مشكلة كبيرة، ويُنظر إلى هذا التصرف وكأنه نوع من "الأسرلة"، للأسف. وذلك لأن الحضارة المهيمنة في البلاد هي الحضارة الأوروبية الغربية. فالصراع لدى شخصية المحامي هو ما بين رغبته بأن يكون ليبراليا تقدميا، وما بين ما يحدث عندما يأتي الأمر إلى حياته الشخصية ويكتشف رسالة، يعتقد أنها رسالة حب كتبتها زوجته إلى رجل آخر. فالمحامي إذاً في نزاع بين القيم التي تربى عليها وبين طريقة التفكير العصرية. هذا الصراع إذا هو صراع بين العقليات، وليس بين حضارة إسرائيلية وعربية.
أعمالك ترجمت من العبرية إلى لغات أوروبية عديدة كالإنجليزية والألمانية. كيف تفسر هذا الاهتمام بالمعالجة الأدبية للمشاكل الاجتماعية والنفسية في رواياتك؟
أنا بصراحة أتأمل أن لا تكون الدول، التي تترجم أعمالي، مهتمة فقط بقضايا الفلسطينيين في داخل إسرائيل أو في الشرق الأوسط بشكل عام. حسب اعتقادي هناك طبعاً اهتمام عام في هذه القضية في العالم. ولكنني أرجو أن يكون هناك اهتمام بالقصص، التي أؤلفها وأن لا يُنظر إلى رواياتي على أنها دراسات اجتماعية أو تاريخية. فأنا أؤلف القصص. وبشكل عام فإن رواياتي وكتاباتي الصحفية تحتوي على مضمون سياسي، ولكن هذه السياسة هي سياسة الحياة اليومية. فمن الصعب فصل السياسة عن الحياة اليومية.
ولأن الأقلية العربية في إسرائيل مضطَهدة جداً، تجعل السياسة تصبح جزءاً من الحياة العادية لهذه الأقلية. وأنا أتوقع أن ما دفع دور النشر الأجنبية إلى نشر رواياتي في البدء هو كوني مؤلف عربي من منطقة يهتم العالم بها، ولكنني أتمنى في الدرجة الأولى أيضاً أن يكونوا قد نشروا كتبي لأنهم أُعجبوا بالقصص التي أسردها.
أنت تنتقد في كتبك السياسة الإسرائيلية نقداً لاذعاً، ولكن كتبك في الوقت تجد قراءاً كثيرين من الإسرائيليين اليهود وليس فقط العرب. كما أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية قالت مؤخراً أن رواية "ضمير المخاطب" هي أفضل رواية لك حتى الآن. هل ترى أن هذا الأمر لا يتناقض مع المناخ اليميني المسيطر حالياً على الحكومة الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي بشكل عام؟
نحن لا نستطيع أن ندّعي أن كتابي الأخير حظي بنجاح هائل، فقد بيع منه 50 ألف نسخة، وهو للوهلة الأولى رقم كبير، ولكنه يظل رقماً محدوداً. أنا أعتقد أن ليس لدى الإسرائيليين أي مشكلة مع النقد الذاتي، فهم ينتقدون ذاتهم في البرامج التلفزيونية الساخرة أو برامج أخرى. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كان بمقدور كتاب مثل كتابي أن يُحدث تغييراً في طريقة التفكير؟ أنا أعتقد أن الإجابة هنا هي "كلا". لا أعتقد أن القراءة تغير الأفكار.
وأنا أتمنى جداً أن يكون القراء قد اشتروا الكتاب بحثاً عن رواية شيقة، لأن الرواية حصلت على نقد جيد واهتمام كبير في الصحف المحلية. من الممكن أن يكون لدى القراء الإسرائيليين الرغبة بأن يتعرفوا أكثر من خلال قراءة كتبي على المجتمع العربي في إسرائيل، ومن الممكن أن يكون لهذا سببان: فمن القراء من يريد التمسك بآرائه وأحكامه المسبقة، ومنهم من يريد فعلاً البحث عن حل لهذه المشكلة.
إذا نظرنا إلى التيارات اليسارية حالياً في إسرائيل، فإننا ندرك أن اليسار الإسرائيلي يمر في أزمة لم يشهدها من قبل. ولأول مرة يتم سن قوانين في إسرائيل، لا يمكن تفسيرها إلا بأنها فاشية وعنصرية. وذلك في وقت يوافق فيه 70 بالمائة من الإسرائيليين على خطط وزير خارجيتهم أفيغدور ليبرمان، التي ترمي إلى ضم مناطق واسعة يقطنها العرب في داخل إسرائيل ( المثلث والجليل وغيرها) إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. لهذا أنا لا أدري كيف أفسر نجاح روايتي في ظل هذه التطورات. أعتقد أن هذا الأمر ليس له علاقة بالسياسة بتاتاً.
أنت تعرض في رواية "ضمير المخاطب" نوعين من تأقلم السكان العرب في إسرائيل، فهناك المحامي، الذي يعاني من صراع داخلي بين العقلية القروية من جهة والعقلية المدنية ومواكبة الحياة الحديثة من جهة أخرى، وهناك شخصية أمير،الشاب العربي الذي ينتحل شخصية إسرائيلي يهودي ويحاول إخفاء هويته العربية. ما هو في رأيك، بعيداً عن السخرية، النموذج المناسب للتعايش بين العرب، مسلمين ومسيحيين، والإسرائيليين اليهود؟
إذا كان هناك في الأصل أي أجندة سياسية لكتاباتي، فإنها ستكون الديمقراطية الأساسية، وهي أصلاً نوع من الخيال وبعيدة كل البعد عن الواقع. أنا لست رجل سياسة، وإن كان هناك سياسة أدعمها فإنها ستكون سياسة الدولة الواحدة المبنية على مبدأ المساواة بين الفلسطينيين واليهود، بغض النظر عن الدين، فالهوية الدينية هي أمر أنا غير معني به. ممكن أن تكون هذه الدولة حسب تصوري في إطار دولة واحدة ذات قوميتين، ولكن الديمقراطية والمساواة بين القوميات والأديان والأجناس هي أساس أي دولة ديمقراطية. وأنا لم أعد أومن بحل الدولتين، فسياسة الاستيطان الإسرائيلية تثبت أن هذا الحل لم يعد واقعياً. والذي أقصده هنا هو أن الدولة الواحدة يجب أن تقوم على أساس المساواة المطلقة في كل مناحي الحياة.
أجرى الحوار: نادر الصراص
مراجعة: لؤي المدهون