الكاتب أحمد منصور: نحتاج إلى إسلام ألماني
٥ مايو ٢٠١٦يعتبر الخبير النفسي والكاتب أحمد منصور من أكثر الشخصيات المعروفة إعلاميا وأكثرهم حضورا على شاشات التلفزة في ألمانيا عندما يكون الحديث عن الإسلام والتطرف وسبل مواجهة ظاهرة ميول بعض الشباب للفكر السلفي المتطرف في ألمانيا وأوروبا. نظرته النقدية لهذه الظاهرة الخطيرة والسبل التي يطرحها لمواجهتها جعلت منه هدفا للمتطرفين السلفيين واليمنيين على السواء، ما دفعت الجهات المختصة بوضع منصور تحت حماية الشرطة بين الحين والأخر. نال العديد من الجوائز التقديرية المرموقة في ألمانيا وأوروبا، وكان آخرها جائزة كارل فون أوسيتسكي. وبالمناسبة أجرتDW لقاء معه لتحاوره بشأن ملف السلفيين وصورة الإسلام في ألمانيا وأوروبا.
: DWالسيد أحمد منصور، لقد سبق وأن حصلت على العديد من الجوائز، بينها جائزة يوزيف ميندلسزون من برلمان برلين. ماذا تعني لك جائزة كارل فون أوسييتسكي للتاريخ المعاصر والسياسة التي منحتك إياها مدينة أولدنبورغ؟
أحمد منصور:جائزة يوزيف مندلسزون كانت بالطبع حدثا رائعا في حياتي وحياة العاملين معي. لكن الآن بحصولي على اعتراف خارج برلين، هذا يعطيني الشعور بأنني وضعت قدمَيْ في ألمانيا.
أنت مطلوب كثيرا لدى وسائل الإعلام الألمانية نظرا لتحليلاتك حول التطرف الإسلامي، وهذا جعلك تصبح شخصية بارزة في الحياة العامة. وأنت تتلقى تهديدات من قبل إسلاميين وأيضا يمينيين متطرفين وتتلقى أحيانا حماية أمنية. ما هو تأثير هذا عليك، هل يمكنك مواصلة عملك بدون انزعاج؟
عندما أكون في مدرسة أو في تظاهرة بإمكاني تناسي هذا الأمر جيدا. التهديد للأسف جزء من ذلك. ولذلك أنا أعتبر هذه الجائزة أيضا كاعتراف ضد الكراهية. هذا النوع من الأمسيات والتظاهرات يبين أن غالبية الناس في هذه البلاد تفكر مثلي وتجد عملي جيدا.
حاليا يدور من جديد جدل ساخن في ألمانيا حول المساجد وتمويلها واللغة المتداولة فيها. رئيس الكتلة النيابية لأحزاب الاتحاد المسيحي فولكر كاودر طالب بمراقبة حكومية للمساجد. هل تعتبرون هذا إجراء صحيحا؟
لا، ليس بهذا التعميم. المساجد التي فيها خطاب متشدد تخضع في كل الأحوال لمراقبة الاستخبارات الداخلية. نحن بحاجة إلى إسلام ألماني وأوروبي. ليس من واجب الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي أو الخضر إجراء نقاشات إسلامية داخلية، بل هي مهمة المسلمين ليجد الإسلام مكانة له في ألمانيا، لاسيما للشباب. وإذا اعتُمدت اللغة الألمانية داخل المساجد، فإن ذلك سيكون أفضل بالنسبة إلى الشباب من الوضع الراهن. التوجهات الراديكالية تحدث، لأن السلفيين هم الوحيدين الذين يتحدثون الألمانية ويعرفون لغة الشباب. لكن لا يحق لنا هنا الاعتقاد بأن الأمر يتعلق فقط بالشباب. هناك أناس، بينهم متقدمون في السن وعمال سابقون يذهبون إلى المساجد، ومن حقهم الاستماع إلى لغتهم وقضاياهم. وعليه لا يحق لنا تعميم المسألة بهذا الشكل.
أنا مع إسلام في ألمانيا مستقل عن الخارج، مستقل عن تركيا وعن العربية السعودية. ولكن هذا لن يتحقق بسن قوانين وليس بطلبات عامة وغيرمميزة. يجب أن يحصل نقاش إسلامي داخلي في ألمانيا. تبسيط الأمور أو تعميمها، هذا لا ينفعنا في شيء.
أي دور يمكن للاتحادات الإسلامية أن تلعبه؟
السياسة تعطي للاتحادات الإسلامية سلطة أكبر مما تملك في الحقيقة، لأن تلك الاتحادات لا تمثل جميع المسلمين. وأعتقد أن الوضع اليوم تغير مقارنة مع ما كان عليه قبل أربع أو خمس سنوات. لكنني أرغب في وجود اتحادات ونوادي تابعة لمساجد ومسلمين يفعلون أكثر وأن لا يكتفوا بالقول "هذا ليس له علاقة بالإسلام". يجب الكشف عن بدائل للشباب ينشرون فهما إسلاميا يقف بلا شرط خلف القانون الأساسي. المشوار مازال طويلا أمامنا لتحقيق هذه الأمور.
هذا الإصلاح الجذري في إدراك المسلمين تطالبون به أيضا في كتابكم "جيل الله". هل اكتشفتم بعض التطورات الايجابية؟
قبل خمس سنوات كان السلفيون يترددون بدون مانع على كثير من المساجد، وتمت دعوتهم كخطباء لامعين. واليوم نشهد أن غالبية المساجد تنظر بريبة لهؤلاء الراديكاليين. وتُبذل جهود أكبر لتنبيه الشباب بمخاطر التوجه الراديكالي، لكن هذا ليس كافيا. إدراك الإسلام لدى الكثير من الناس في هذه البلاد والذي يلقى التمثيل في كثير من المساجد يساهم في إيجاد الركائز التي يبني عليها الراديكاليون إيديولوجياتهم. ولذلك أعتقد أننا بحاجة إلى إصلاح لتمثيل إسلام لا علاقة له بالراديكاليين.
لماذا لا ننجح في تحميس بعض الناس من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين للحرية والديمقراطية؟
عدة عوامل تعلب دورا في هذا الإطار، من بينها الشعور بعدم الانتماء، الترويج لشعور "نحن وأنتم" في المدارس وحتى داخل غالبية المجتمع.
باستثناء الدين، ما هي الأشياء التي يمكن أن يكون لها دور في تحديد الهوية بالنسبة إلى الشباب المسلمين؟
يمكن أن يكون الدين، مادام الأخير لا يدفع إلى الراديكالية. لكن يجب أن تكون هناك إمكانية للتوفيق مع الحرية والديمقراطية. تحفيز الهوية يتأتى بوجه خاص من خلال تشجيع الشعور بالانتماء إلى ألمانيا وأوروبا، شعور بالانتماء إلى مجموعة. وقد يكون ذلك الحرية والديمقراطية والقانون الأساسي، هناك عدة إمكانيات. وهناك الكثير من الشباب السعداء بالحياة هنا والتطور وتقوية إمكانياتهم.
لماذا ينجح بعض الأئمة الراديكاليون في الوصول إلى بعض الشباب وتحويلهم إلى سلفيين؟
هؤلاء الناس يصلون إلى الشباب، لأنهم يقدمون لهم عروضا، يعطوهم مهمة وإمكانية الانتماء إلى نخبة. هؤلاء الخطباء لا يوجدون فقط داخل المساجد وينتظرون الشباب، بل يعرفون أماكنهم ويذهبون إليهم. هم يعتنون بالشباب ويتجاوبون معهم. هم موجودون عبر الإنترنيت وأمام المدارس وأمام دور القمار، وفي الأماكن التي يلعب فيها الشباب الكرة. العاملون الاجتماعيون لدينا ومدارسنا وآباؤنا يجب أن يكون بمقدورهم أيضا فهم هؤلاء الشباب وتقديم عروض لهم. وطالما أن السلفيين وحدهم ناشطون في هذا المجال، فإن مزيدا من الأشخاص سيعتنقون الراديكالية.
أنت طبيب نفسي وتدير منذ 2007 مشروعا في برلين ينشط فيه شباب من أجل المساواة. ما مدى نجاح هذا المشروع؟
كنا نطمح لنصبح حركة، وأعتقد بأننا وُفقنا في ذلك. أشرنا في المشروع إلى أن بنى المجتمع الذكوري تدفع إلى قمع الحياة الجنسية وإلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وهذا لا يتوافق مع مجتمعنا الديمقراطي الحر. بدأنا بثلاثة وأربعة أفراد وأصبحنا اليوم مائة. نظمنا الآلاف من ورش العمل داخل مدارس وعرضنا بعض البدائل على شباب. الموضوع لقي اهتمام المدرسين وموظفي الشرطة والعاملين الاجتماعيين والتلاميذ وفي المسجد، وهذا يبين أهمية هذا العمل.
تم منحك جائزة أوسييتسكي تكريما لجهودك من أجل حقوق الإنسان وأيضا التسامح. وبعد الاعتداءات في باريس وبروكسيل أشرت باستمرار إلى محدودية التسامح. أين تضعون تلك الحدود؟
الظلم لا يجب التسامح أبدا معه. التسامح يعني التنوع، واعتبار الناس المختلفين جزءا من هذا المجتمع. لكن لا أقبل بالتسامح باسم الدين أو حرية الرأي مع أصوليين. وأعتقد أيضا بأنني كمدرس أو سياسي لا يجب علي قبول أن لا تشارك بنت مسلمة في دورة السباحة. أعتقد أن ذلك ليس تسامحا، بل نوعا من العنصرية، لأنني أقبل أن تتعلم هذه البنت أقل من أخرى غير مسلمة.
أحمد منصور وُلد عام 1976 في قرية قريبة من تل أبيب التي هاجر منها إلى برلين في عام 2004 . جائزة كارل فون أوسييتسكي (1889 ـ 1938) تذكر بالصحفي والناشط من أجل السلم كارل فون أوسييتسيكي، وتمنحها مدينة أولدنبورغ مرة في كل سنتين لمكافئة أعمال لمقاومة النازية وتخدم التقاليد الديمقراطية وتهتم بقضايا الحاضر.