القصرين ـ إرهاب الشعانبي وانكسار الأحلام بعد الثورة
١٩ سبتمبر ٢٠١٤يشير حاتم صالحي، الذي يعمل مصورا في مدينة القصرين وينشط بشكل خاص في أشرطة التوثيق بالجهة، لـDW عربية أن المدينة، وبالرغم من الأحداث الإرهابية المأساوية المتتالية التي شهدتها تعيش بشكل طبيعي. ويرى صالحي أن الحياة اليومية في الإدارات والمؤسسات والأسواق وغيرها تمضي كما في باقي المدن غير أن الطفرة الاجتماعية المتوقعة بعد الثورة لم تحصل حتى اليوم. ويضيف صالحي أن "الناس اعتادوا على القصف والعمليات الأمنية. وأغلبهم انخرط في المجهود الأمني عبر الرصد وتوفير المعلومات. الجميع يحدوهم عزم بأن يكسبوا المعركة نهائيا ضد الإرهاب".
بيد أن الأمر لا يبدو بالسهولة التي يتوقعها صالحي. فالمدينة تقع على أطراف الجبال والمرتفعات وأولها البؤرة الرئيسية للإرهاب في البلاد في جبل الشعانبي المترامي الأطراف والمتاخم للحدود الجزائرية. ليس هذا فحسب، بل يأتي الفقر المدقع الذي يحيط بالمناطق السكنية القريبة من خط المواجهة مع الإرهاب ليزيد الطين بلة، الأمر الذي يدفع الكثيرين من الشباب إلى الرضوخ للإغراءات المالية للجماعات المسلحة المتحصنة في الأحراش والغابات.
ويوضح صالحي أن امتناع الدولة عن التدخل في تلك المناطق أمر ضاعف من حالة السخط والتذمر لدى المتساكنين. وهناك الكثير من المبررات ما يدفع الناس في القصرين إلى الاحتجاج مثل تدني الخدمات. ويذكر بعضهم مثلا ما حدث في المستشفى الوحيد بالجهة عندما بقي لمدة تفوق أسبوعين من دون طبيب مختص في الأطفال لأن الطبيب الوحيد الذي يعمل بالمستشفى قدم استقالته ورحل.
ثورة غير مكتملة
شارك محمد البناني (30 عاما) الناشط في المجتمع المدني في أحداث الثورة في أواخر عام 2010 وبدايات 2011 ضد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في الصفوف الأمامية بمدينة القصرين. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات عن تلك الأحداث يرى البناني أن الثورة لم تكتمل.
في نظر البناني فإن المدينة لا تزال حتى اليوم تتعرض إلى "الهرسلة" (المضايقات). وكونها تقع على خط الواجهة في الحرب على الإرهاب فإن الإجراءات الأمنية وتواتر العمليات الإرهابية أضعف الاهتمام بالمشاكل الحقيقية التي تعاني من الجهة. وكانت حادثة مقتل فتاتين برصاص الأمن إحداهما تحمل الجنسية الألمانية بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس لدى سكان الجهة الذين يقولون إنهم باتوا يدفعون ثمن حرب ليسوا طرفا فيها.
ويقول محمد البناني في حديث لـ DW عربية إن السؤال المحوري الذي يتداول في شوارع القصرين هو ما إذا كان الإرهاب أقوى من الدولة. فالإرهاب هنا ليس على قارعة الطريق كما يصور لذلك الإعلام وإنما هو متوار عن الأنظار في الجبال والمناطق البعيدة. ولكن ما هو واضح فعليا للجميع هو أنه إذا ما توفرت الإرادة السياسية فإنه يمكن القضاء على الإرهاب.
أهالي القصرين يشعرون بـ "الحقرة"
يروي حسين بوعزيز (40 عاما)، الذي عمل مستشارا لمدة ست سنوات بمركز الولاية وعاصر فترتي ما قبل الثورة وبعدها قبل ينتقل إلى العاصمة، أن أغلب شكاوى الناس تحوم حول شعورهم بالتهميش و"الحقرة" وهو مصطلح يقصد به التمييز الاجتماعي مقارنة بأقاليم الساحل أو الشمال.
ويفيد بوعزيز في حديث مع DW عربية بأن القصرين ورغم أنها منطقة حدودية، إذ تقع على الحدود مع الجزائر، فإنها لا تتوفر على منطقة للتبادل الحر. وبدلا من ذلك يغلب على اقتصادها غير المهيكل التهريب والتجارة الموازية بينما يخير أغلب رجال الأعمال من أبناء المنطقة الاستثمار بجهة الساحل سواء بسبب الاضطراب الأمني أو تهالك البنية التحتية أو خوفا من تواتر الاحتجاجات الاجتماعية. وقلة فقط ممن بقيت تراهن على القصرين.
ومن بين هؤلاء، حاتم الصالحي الذي يوضح لـ DW عربية أنه "لم يتغير شيء منذ الثورة. المدينة تحافظ على مركزها الأخير في التنمية ونسبة البطالة على المستوى الوطني وأغلب الشباب عاطل عن العمل. وحتى المصنع القديم لصناعة الحلفاء في الجهة، الذي يعد أكبر متنفس اقتصادي، لم يوفر بعد الثورة أكثر من 100 فرصة عمل جديدة أما المصانع القليلة الباقية فأغلبها مرتبط بقطاع النسيج المشغل للفتيات".
آفاق محدودة في المدينة
وتحت وطأة الاحتجاجات الاجتماعية المتواترة سعت الدولة إلى توفير فرص إضافية للعمل عبر "نظام الحضائر" الذي يوفر مواطن شغل هامشية مثل تنظيف الشوارع وغرس الأشجار والحراسة وغيرها بمرتب شهري لا يتجاوز 150 يورو. ويقول الصالحي إن هذه الخطوة لم تحل دون استمرار هجرة أهالي القصرين نحو مدن الساحل والعاصمة وحتى الانخراط في رحلات الهجرة السرية عبر البحر نحو أوروبا.
وأينما تذهب في المدينة المتهالكة من حيث البنية التحتية فإنه لا يمكن للزائر أن يظفر بفضاءات ترفيه أو دور شباب بينما تبرز المقاهي كمتنفس وحيد للشباب أو العاطلين وحتى جبل الشعانبي الذي يضم أحد أبرز المحميات في شمال أفريقيا ومنتزها طبيعيا لأهالي الجهة تحول إلى نقمة.
وتحدث محمد البناني لـ DW عربية قائلا "الشعانبي كان بمثابة الحلم لكنه اليوم أصبح كالجسم المريض الذي نريد التخلص منه لأنه بات يهدد أبناءنا والأجيال المقبلة".