"الفيدرالية السورية" – تهويل إعلامي أم خطة منسقة؟
١ مارس ٢٠١٦أثار الحديث الروسي عن خيار "الفيدرالية" كحل لإنهاء الحرب الدائرة في سوريا الكثير من الأسئلة عن مضمون هذا الخيار وتوقيت طرحه، وإن بدا هذا الخيار كورقة تلوح بها موسكو لوأد أي تحرك امريكي في إطار ما بات يوصف بالخطة الأمريكية البديلة، التي لم يعرف مضمونها بعد.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف عن خيار "الجمهورية الفيدرالية" ربط هذا الخيار بشروط عديدة، وأن يكون كنتيجة للمحادثات والنقاشات المتعلقة بشكل نظام الدولة المستقبلية في سوريا، وأن يحفظ وحدة سوريا وعلمانيتها واستقلالها. وقال ريابكوف إن موسكو "لن تعترض أيضا على أي نموذج آخر لسوريا شريطة ألا يكون من إملاء شخص على بعد آلاف الكيلومترات من سوريا."
مجرد فكرة أم خطة
لكن هل حديث الروس عن اليفدرالية في سوريا نابع من خطة مدروسة أم أنها فكرة ألقيت لجس النبض؟، خاصة في ظل حديث الطرف الأمريكي عن "خطة بديلة" في حال إن لم تكن موسكو ودمشق جادتين في التفاوض على تحول سياسي في البلاد التي تمزقها الحرب منذ خمس سنوات.
يوري فينين، كبير الباحثين بمعهد العلاقات الدولية في موسكو، يقول إن ما أشار إليه ريابكوف عن خيار "الجمهورية الفيدرالية" في سوريا "ما هي إلا فكرة من بين الأفكار التي يتم تداولها"، ويضيف أن "هذه الفكرة، وان كانت مجرد تصريح إعلامي فقط، إلا أنها الأقرب إلى الواقع السياسي والديموغرافي الذي تشكل في ظل الأزمة السورية المستمرة منذ سنوات" مؤكدا أن طرح هذه الفكرة في الوقت الحالي "يمكن أن يفتح الباب أمام اقتراحات أخرى سيتم مناقشتها في المفاوضات المرتقبة في جنيف".
الروس يعلمون أن سوريا لن تعود إلى ما قبل 2011، كما يؤكد الدكتور محمد حسن، الباحث الكردي والمتخصص في القانون الدستوري، والذي يضيف أن الروس "يريدون الحفاظ على قواعدهم على الساحل السوري ولذلك فإن افضل حل لهم هو الحفاظ على الاسد في منطقة الساحل ودمشق على الأقل، وهذا النظام سيضمن لهم ذلك نوعا ما ... ولكن لا أجزم أن يكون الروس قد اتخذوا قرارا نهائيا بشأن الفدرالية. فإذا ما تغيرت معالم السيطرة على الأرض لصالح النظام السوري بشكل كبير فسوف يروجون لنظام اللامركزية الادارية ، اذا ما ضمنوا بقاء النظام السوري في السلطة".
هل من مباركة أمريكية؟
لكن يبدو أن المقترح الروسي لم يأتي من فراغ، فحتى وزير الخارجية الأمريكي قد لوح بسيناريو اشد خطورة من الفيدرالية، حينما قال أمام الكونغرس "ربما فات الأوان لإبقاء سوريا موحدة" في حال فشل العملية السياسية، ملوحا بما وصفها ب"الخطة البديلة"، التي قالت موسكو إنها لا تعلم شيئا عنها. ويقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور راتب شعبو، إن "خطة "ب" (أي البديلة) هي غير واضحة المعالم، وكل ما قيل عنها أنها تتضمن تدخلاً عسكرياً برياً من قوات غير أمريكية، ولكن لها طابع إسلامي. والواقع أن تدخل هذه القوات سوف يكون ضرورياً لمساندة الحل الفيدرالي في حال تقريره". وكانت السعودية قد أعلنت مرارا وتكرارا أنها مستعدة لتدخل بري في سوريا، بل أكدت أن وزراء دفاع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بحثوا قبل نحو أسبوعين إمكانية التوغل لكنهم لم يتخذوا قرارا بشأنه بعد.
فهل يعني هذا أن الفكرة الروسية المطروحة بشأن الفدرالية في سوريا جاءت نتيجة التفاهمات الأمريكية الروسية التي ظهرت جليا في الأشهر الأخيرة؟ الدكتور محمد حسن، يرى في مقابلة مع DWعربية، أن "أمريكا سلمت في الوقت الحالي أمر سوريا للروس، وإن كان الأمر نسبيا". مؤكدا أنه "إذا تم طرح فكرة الفيدرالية فسوف يكون بموافقة أمريكية، حيث إنها لن تعترض على مثل هذا الموضوع، طالما كانت مصالح حلفائهم محفوظة" ، في إشارة إلى القوى الكردية، حليفة واشنطن، في الحرب على "داعش" بسوريا.
الهدنة وخطوط الفيدرالية
وعلى الأرض، مازال اتفاق وقف الأعمال العدائية ساريا في سوريا رغم هشاشته، في ظل اتهامات متبادلة بين أطراف الصراع بشأن خرق تلك الهدنة، فيما يسعى المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي مستورا إلى إعادة بعث مفاوضات جنيف المتعثرة في السابع من مارس/ آذار. دي ميستورا صرح قبل الهدنة وقبل تعليق مفاوضات جنيف3، التي لم تبدأ عملياً، أن جنيف 3 هو الفرصة الأخيرة للسوريين. وقبل الهدنة كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد قال إن مضي الوقت يجعل من التقسيم أمراً مطروحاً، "الحديث عن التقسيم والتلويح به ليس أمرا جديداً"، كما يقول الدكتور راتب شعبو، والذي أكد في مقابلة مع dwعربية أن "الهدنة القائمة حالية تعني الفشل في الحسم، ولو كان أي من الأطراف المتصارعة يمتلك أدنى شعور بأنه قادر على الحسم لما وافق على الهدنة. هذا يعني أن تخوم الهدنة هي تخوم موازين القوى، وعليها يمكن أن تترسم خطوط الفيدرالية".
لكن هذه الخطوط قد تشعل صراعا آخر في المنطقة، فالوضع في سوريا شائك ومعقد أكثر من أي وقت مضى، كما بات من الصعب إرضاء اللاعبين والمؤثرين في الأزمة السورية ، كما يقول الدكتور محمد حسن، ويضيف أن "تركيا لن تقبل بتشكيل كيان كردي في سوريا، كما حصل في العراق، واستدرك أن " الواقع سوف يفرض نفسه كما حصل في كردستان العراق"، كما عبر عن اعتقاده انه "ليس باستطاعة تركيا ان توقف هذا المشروع خاصة إذا تم تبنيه من قبل الأمريكان والأوربيين وهو أمر غير مستبعد".
الفكرة الروسية باتت تضم العديد من العناصر التي تجعلها فكرة قابلة للتنفيذ على الأرض، كما يقول الكتور راتب شعبو، اذ أن هناك "العديد من القوى العسكرية على الأرض وكل منها يمتلك حيزاً جغرافياً وارتباطاً دولياً وجمهوراً. يضاف إلى عجز الأطراف الداخلية عن الحسم، واكتفاء الأطراف الخارجية بتحقيق الحسم لأحد أطراف الصراع. إن ذلك هو الطريق المفضي إلى الفيدرالية التي لا تشبه في حقيقتها فيدرالية روسيا أو أميريكا بل فيدرالية العراق، أي أنها شكل من التقسيم، ليس للحكومة المركزية فيه القوة الكافية لشد "الولايات" إليها بشكل متماسك".