الفياغرا ومشتقاتها: العرب على "سرير" ساخن
١٣ ديسمبر ٢٠١٤لم يخطر للكثيرين أن عقار فياغرا، الذى طرحته شركة "فايزر" العالمية للأدوية عام 1991 لعلاج احتقان الأوردة الدموية في الصدر، سوف يفشل في مهمته الأساسية وينجح فى إكسابهم قدرة إضافية لممارسة العملية الجنسية وزيادة الانتصاب. فبعد تجارب سريرية أجرتها "فايزر" حتى عام 1998، ذاع صيت هذا العقار وانتشر كعصا سحرية أعادت الأمل إلى ملايين الرجال الذين يعانون من الضعف الجنسي، وأعانتهم على استمرار حياتهم الزوجية.
لكن العقار، وبعد أكثر من عقدين، تحول من مجرد علاج يؤخذ عند الحاجة وتحت إشراف طبي، إلى عقار سهل المنال يستخدمه كثيرون من دون رقابة غير مبالين بآثار جانبية وأضرار قد تلحق بهم جراء الاستخدام العشوائي، والتى قد تصل إلى الوفاة.
بين السماح والمنع
تسمح الكثير من الدول العربية بالترخيص لشركات الأدوية بإنتاج وتوزيع العقاقير المنشطة جنسياً، ومنها مصر ولبنان واليمن، لكن البعض الآخر، مثل تونس، يعتبر تلك العقاقير "محرمة" ولا يسمح بتداولها، مما يدفع المواطنين للجوء إلى العقاقير المهربة وغير المضمونة.
وتمنع تونس منذ عشرات السنين تصنيع أو استيراد المنشطات الجنسية أو ترويجها، سواء الفياغرا أو غيرها من الأدوية الأخرى، وهو ما يثير استغراب الكثيرين إذ أن مثل هذه الأدوية تُصنع وتُروج في أغلب البلدان المتطورة. وعللت جهات مسؤولة بعد الثورة أن قرار حظر بيع الفياغرا بشكل قانوني في الأسواق التونسية اتخذه بشكل مباشر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي رغم ترخيصه في العالم من إدارة الغذاء والأدوية الأمريكية منذ 11 عاما.
وطيلة السنوات الماضية كانت السلطات التونسية تبرر هذا المنع بـ"الأسباب الصحية"، في ظل ما يقال عن تأثير المنشطات السيء على سلامة القلب والشرايين .
ويقول آخرون إن الأسباب هي "أخلاقية" بحتة، على خلفية الخوف من استعمالها من دون أي موجبات أو دوافع مرضية (خلل أو ضعف جنسي)، وهو ما قد يحفزهم على ممارسة الجنس خارج إطار الزواج ويزيد من انتشار جرائم الاغتصاب والزنا.
لكن هذه المبررات لم تكن واقعية في نظر البعض كالسيد عبد المجيد الذي يعتبر العقار دواء شافيا شأنه شأن سائر المقويات الأخرى التي تباع في الصيدليات التونسية.
ويتواصل في مناطق تونسية عدة ترويج المنشطات الجنسية بشكل عشوائي في السوق السوداء بعد تهريبها من الخارج. بينما يدعو أطباء مختصون في أمراض الخلل الجنسي الحكومة إلى السماح بتداولها بعد أن أصبحوا يجدون صعوبات كبرى في علاج مرضاهم من دون الاستجابة لنداءاتهم، إذ يرى الدكتور توفيق بن حمودة أن حالات الضعف الجنسي لدى الرجال وخاصة حالة عدم القدرة على الانتصاب يستحيل علاجها في غياب منشطات جنسية تجدد الخلايا العصبية المسؤولة عن العملية الجنسية وتحييها وتنشطها. ويرجع تزايد حالات الانتحار لدى الرجال وتنامي نسب الطلاق وجرائم القتل في تونس إلى الحالة النفسية اليائسة لمفتقدي هذه الادوية المنشطة الممنوع تداولها ببلادهم.
ويتداول بعض وسائل الإعلام هذه الأيام إمكانية إعادة تسويق الفياغرا رسميا في تونس بعد سنوات من الحظر ومع بلوغ نسبة العجز الجنسي لدى الرجال إلى 40 بالمائة، وبالحديث مع الملحق الاعلامي بوزارة الصحة التونسية وبمصالح الصيدلية المركزية نفا الطرفان أي نية لإعادة تسويق الفياغرا في تونس في الوقت الحالي على الأقل.
وصحيح أن وزارة الصحة فى مصر تسمح ببيع المنشطات الجنسية في الصيدليات، إلا أن هذا لم يمنع استخدامها عشوائيا ولجوء البعض إلى أدوية مقلدة بسبب رخص ثمنها، رغم ما ينطوى عليه ذلك من آثار سلبية. لذا قررت الوزارة منتصف شهر أبريل/ نيسان الماضي خفض سعر عقار فياغرا بنسبة 60%، ليصل سعر القرص إلى 10 جنيهات (1.6 دولار) بدلا من 27 جنيهًا حاليًا (4.3 دولار).
جاء القرار كخطوة تعاونية بين شركة فايزر المنتجة ووزارة الصحة لمكافحة الأدوية المغشوشة والمقلدة والمجهولة المنشأ، ونظرًا للوضع الاقتصادي للمواطن المصري في ظل الظروف الراهنة، ولتقليل إقبال البعض على عقاقير الترامادول المخدرة الذين يعتقدون أنه يزيد من القدرة الجنسية، فى حين نفى أطباء مصريون علاقتها بذلك.
وعلى غرار مصر، لا يمانع لبنان من تداول المنشطات الجنسية، وهو ما أدى إلى تزايد الاقبال عليها، من مختلف الأعمار.
شهادات حية
وكشف الصيدلي اللبناني محمد بيضون أن "نسبة بيع المنشطات الجنسية تتراوح بين 40 و 70 في المئة شهريا، أي نبيع هذه المنشطات تقريبا كل يوم. والأصناف الأكثر مبيعا هي: فياغرا وسيالس وليفترا"، لافتا إلى أن "المرضى يطلبون الدواء من دون وصفة طبية بناء على نصيحة الجيران أو الأصدقاء. ونحن كصيادلة نسألهم عما إذا كانوا يشكون من أمراض الضغط أو السكري فلا نبيعهم. أما إذا كانوا لا يعانون من مشاكل صحية فنعطيهم الدواء وننصحهم باتباع التعليمات، ولكن يبقى ذلك على مسؤوليتهم الخاصة".
وقال صيدلي رفض ذكر اسمه، إنهم يبيعون نحو 30 إلى 50 حبة من كل نوع من المنشطات وقد تصل إلى مئة حبة في الشهر من النوع الواحد"، مشيرا إلى أنه يوجد 20 إلى 30 نوعا ".
ويقول علي وهو في العقد الرابع من عمره إنه يعاني عجزا جنسيا سبّب له اضطرابات نفسية عديدة أبرزها الاحباط والقنوط والكآبة وفقدان الثقة بطاقته الجنسية، ما أدى إلى تشويه اعتباره الذاتي وإلى مشاكل زوجية ومهنية واجتماعية أثرت على حياته. ويبرّر لجوءه إلى المنشطات الجنسية بالسعي إلى إرضاء ذاته أولا ثم الشريك، غير آبه بالانعكاسات الصحية الجانبية. ويؤكد أن هذه المنشطات لم تؤذه يوما.
أما جوزيف ابن السادسة والستين فيشرح كيف أنه كان يعاني من داء السكري وتصلّب الشرايين، إلا أنه يتناول المنشطات الجنسية على الرغم من أنها تسبب له أحيانا ألما كبيرا وارتفاعا في ضغط الدم.
ويؤكد أن هذه المنشطات تعيد له الثقة بنفسه وهو يختار منها الأنواع التي يصفها له أصدقاؤه ولا يتردد في تغيير النوع إن كانت نتائجه مرضية أكثر.
وأسوة بحبوب الصداع، يقبل الناس فى مصر على شراء المنشطات على أنواعها من الصيدليات من دون وصفات طبية،. فقد أدى تصريح وزارة الصحة للصيدليات بتداولها إلى تزايد الإقبال عليها، حتى عند فئة الشباب، وفق الصيدلي حمدي خليل.
أما الصيدلي أحمد حمدان فيقول "يوميا يأتي إلي الكثير من الناس يطلبون تلك العقاقير على أنواعها، سواء فياغرا أو سنافى أو سيالس، ومعظمهم من الشباب فوق سن الخامسة والعشرين، من دون أي خجل". ويؤكد أن هذه العقاقير ليست على جدول المخدرات، لذا يتم تداولها كثيرا، ومن دون رقابة. ويضيف: "يأتيني أشخاص فوق سن الأربعين، وبعضهم يطلب منى أن أرشح له نوعا بعينه، ولكن قليلا منهم من يخبرني مثلا أنه يعانى من مرض السكر أو الضغط، أو القلب، وهنا يأتى دورى لأبين له آثارها الجانبية".
وفى تونس يُقبل كثيرون، خصوصا الشبان، على استهلاك المنشطات رغم عدم إصابتهم بأي خلل جنسي وأحياناً من دون التقيد بالتعليمات التي عادة ما يُسديها الأطباء، ومنها مثلا ضرورة وجود فاصل زمني مُعين (حسب حالة المريض) بين تناول حبة التنشيط وممارسة العملية الجنسية حسب الجمعية التونسية للبحوث الجنسية والخلل الجنسي.
ورغم أن أغلب الحبوب تحمل اسم ماركة عالمية معروفة، إلا أن شكوكا كثيرة تحوم حول مَصدرها الحقيقي وصلاحيتها وسلامتها الصحية وأيضا حول البلد الذي تم تهريبه منها إلى تونس.
وقال شهود عيان إن بعض الأشخاص يروجون هذه الحبوب في أحياء شعبية وراقية مقابل 4 دولارات للحبة الواحدة.
الوضع لا يختلف كثيرا في اليمن، حيث تعتبر غالبية الناس أن الصيدلية ما هي إلا سوبر ماركت أو بقاله يمكن أن تشتري منها ما تريد ومن دون وصفة طبية. هذا المفهوم حول المنشطات الجنسية إلى بضاعة تباع وفقا للطلب، إذ يقول الصيدلي عمر العودي إن المنشطات الجنسية لاقت رواجا في اليمن وإن 99% من المنشطات تعطى في اليمن دون وصفات طبية. ويضيف: "يقبل عليها الرجال، خصوصا من متوسطي الأعمار، وأكثر أيام الاستهلاك يوم الخميس حيث يطلبها الزبائن باستحياء، ونحن نزودهم بها لأنه لا يوجد ما يحرم أو يمنع ذلك" .
استخدام عشوائي ونهاية مأساوية
يؤدي الاستخدام العشوائى للمنشطات الجنسية إلى مخاطر عدة، قد تصل إلى الوفاة. إذ يؤكد الدكتور عبدالرحيم أحمد عبدالرحيم، استشارى القلب والأوعية الدموية فى القاهرة، أنها قد تسبب مشاكل صحية للأشخاص الذين يعانون ارتفاعا في ضغط الدم. ويلفت إلى أن لدى بعض الأشخاص حساسية من الدواء، ومن الممكن أن تتسبب المادة الفعالة فى عقاقير فياغرا بمشاكل صحية لهم. أما مرضى القلب فيجب أن يمتنعوا تماما عن تناولها، خصوصا الذين يتناولون عقار "نيتروغلسرين".
ويقول الدكتور محمد نصر، استشارى جراحة القلب في معهد القلب القومى المصري، إن عقار فياغرا علاجي بالأساس، فهو يستخدم عادة لعلاج مرضى القلب بهدف توسيع الشرايين الرفيعة فى الرئتين، ولتحسين ضغط الشريان الرئوى، لكن غالبية الناس يقبلون عليه لتحسين الأداء الجنسي.
ويقول نصر، لا توجد أضرار تذكر لتعاطي الفياغرا لدى الأشخاص الذين لا يعانون من الأمراض المزمنة، لكن الإفراط فى تناول تلك العقاقير قد يأتي بآثار عكسية.
ويتفق معه الدكتور حسام الخبيرى، أستاذ جراحة القلب في معهد القومي للقلب بمصر، مؤكدا أن عقار فياغرا آمن للذين لا يعانون من أمراض مزمنة. وتحدث عن الآثار المحتملة لتعاطيه، مثل احتقان الأنف وصعوبة التنفس والصداع وآلام الرأس. لكن الخبيري يحذر الذين يعانون من قصور فى الشريان التاجي أو يعانون من آلام الذبحة الصدرية، من تعاطى الفياغرا والمنشطات الجنسية عموماً، لأنها قد تتسبب فى مشاكل صحية خطيرة، لأن هؤلاء المرضى يعالجون بأدوية تحتوى على مركبات "النيترات Nitrate " العضوية مثل "أنغسيد Angised ، أيزورديل Isordil ، دينيترا Dinitra ، أيزوماك Isomack، "، وخلافه، وهذا يتعارض مع عقار الفياغرا والمنشطات الجنسية الأخرى، ويتسبب في آثار كيمائية قد تؤدي إلى الوفاة.
و أكد الصيدلي اللبناني محمد بيضون "أن الفياغرا يزيد مثلا دقات القلب بشكل كبير، ومن الممكن أن يؤدي إلى غثيان وألم شديد في الرأس، وهناك من لا تناسبهم أنواع محددة من هذه المنشطات. أما الجرعة فتختلف حسب العمر، إذ يكفي مقدار نصف حبة لمن هم بعمر 30 إلى 35 سنة، وحبة واحدة لمن هم بين 50 إلى 60 سنة".
وقال بيضون إن "أحدهم بعمر الثلاثين تناول حبة فياغرا كاملة، ما سبّب له التقيؤ وألما في الرأس، فأوقف المنشط وتناول دواء للصداع".
وبدوره يقول الدكتور محمد بلبل، الاختصاصي في أمراض المسالك البولية فى بيروت، إن المنشطات الجنسية غيّرت منذ ظهور فياغرا عام 1998 وجهة التاريخ، "حيث كانت أول دواء علمي عرف بتحسين وحدة الانتصاب وحلّ تلك المشكلة العضوية الهرمونية النفسية"، متحدثا عن "منشطات PDE5 التي يتعدى استعمالها كل الأعمار من الكبار إلى متوسطي العمر فالشباب الذين يتوخون منها غرض التجربة، فيتم شراء هذه المنشطات من دون أي وصفة طبية".
وشدد بلبل على "أهمية أن تستخدم المنشطات الدواء فقط وفق وصفة طبية وبطريقة معينة وتحت إشراف طبي، خصوصا في ظل وجود مشاكل الضغط أو القلب، التي قد تؤثر على المريض. فهناك من يستخدمها بناء على وصفة طبية وهناك من يتبع نصيحة الجيران أو الأصدقاء ويشتريها انطلاقا من تجاربهم، علما أنها لا يجب أن تستخدم إلا في حالات معينة بعد دراسة وضع المريض".
من جانبه يقول الصيدلي اليمني عمر العودي في صنعاء إن "أحد الرجال البالغ من العمر 65 عاما والمتزوج حديثا بامرأة تصغره بثلاثين عاما، اضطر إلى تناول هذه المنشطات، ولأنه يعاني من مرض القلب وارتفاع ضغط الدم ومن دون وعي بالعواقب، تناول جرعة ليلة عرسه تسببت فى وفاته" .
هذه إحدى القصص التي تعكس كارثة تعاطي المنشطات الجنسية التي يقبل عليها اليمنيون، حتى باتت تحتل المرتبة الأولى في التصنيع الدوائي في اليمن وفقا لبيانات وزارة الصناعة والتجارة اليمنية .
ولأن تناول القات يخلف شعورا وهميا بالنشوة الجنسية، يكتشف المتعاطي حالة من الوهم والفتور الجنسي، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى سرعة قذف يعقبه شعور بالفشل الجنسي، ما يجعل متعاطي القات يتجه نحو تناول المنشطات الجنسية على مختلف أنواعها وفقا للدراسة التي أجرها عام 2010 استشاري أمراض المخ والأعصاب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور حسني الجوشعي.
أنور الزبيدي يحكي قصته قائلا: "لا أقبل على المنشطات الجنسية كثيرا لأنني اكتشفت أنها تؤثر على صحتى، لذا قللت استخدامها إلى أبعد الحدود، واتجهت نحو استخدام بعض الوصفات الطبيعية كالعسل والمكسرات ".
وبغض النظر عن فعالية الوصفات الطبيعية، يبقى القاسم المشترك بين كثير من شعوب الدول العربية هو الاستخدام العشوائي للمنشطات الجنسية، والتي قد يعقبها كوارث صحية لا تحمد عقباها.
عمر الحياني، جيهان الذايع، محمد السيد علي، سارة مطر