الفن التشكيلي.. معارض افتراضية تواكب الحدث السوري
١٦ يناير ٢٠١٦يعد الفيسبوك من أهم مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم فئات اجتماعية وثقافية مختلفة. الفنانون التشكيليون السورين الذين لم يستسلموا لظروف الحرب واللجوء، حولوا صفحاتهم الشخصية لمعارض فنية افتراضية، يمكن للزائر التجول فيها ومشاهدة أعمالهم الفنية وتقييمها.
ريم يسوف (36 عاماً) فنانة تشكيلية سورية تقيم منذ بداية عام 2015 في فرنسا. أقامت معارض فنية فردية ومشتركة في العديد من البلدان العربية والأوروبية. وعن معايشتها الحرب في سوريا وتأثير ذلك على حياتها وأعمالها، تقول ريم في حوار مع DW عربية "كمواطنة، أنا جزء من الشارع السوري قبل أن أكون فنانة معنية بيوميات شعبي وألمه. وأمام العنف بتفاصيله، وخاصة أن الحرب ولدت من جديد صرخة طفل في داخلي بعد أن كانت أول ضحية من الأطفال ومن ثم بدأت ترجمتها في أعمالي وكانت بداية رحلتي خارج سوريا عام 2012“. وتضيف أنها استكملت العمل الفني ورسالتها الإنسانية لإيمانها بأن "الفن لا يتوقف على المادة المتاحة والمكان، وإنما فقط عند توقف قلب الفنان عن الخفقان".
ومن الفنانين الذين لم يعايشوا الحرب لمدة طويلة لكنها انعكست بشكل كبيرعلى أعمالهم، الفنان التشكيلي السوري منيف عجاج، الذي كان أستاذا للفن في معاهد فنية بسوريا، ويقول عن ذلك "عايشت الثورة لمدة سنة منذ انطلاقها ولكن لم أعايش الحرب كماهي في الوقت الراهن". انصب اهتمام عجاج على المواضيع السياسية حتى قبل الثورة، حيث كانت لوحاته مرتبطة بأحداث المنطقة كحرب العراق وسجن أبو غريب. وشارك بمعرضين في عمان عام 2008 و2009. عام 2010 أقام معرضا فرديا في دمشق بعنوان "لحظات ما قبل الفاجعة"، في مرسمه الشخصي بعيدا عن عين الرقيب، وحول ذلك يقول في حوار مع DW عربية "لم نحصل على الترخيص بإقامة المعرض وبالتالي لم نستطع طباعة أي بوستر أو إعلان أو بطاقة دعوة للمعرض. ففي سوريا لا يمكن طباعة شيء قبل الحصول على موافقة أمنية. ورغم ذلك أقمنا المعرض بدون الموافقة والدعوات كانت عن طريق الرسائل النصية القصيرة SMS".
الفنانة الشابة ليالي العواد (25 عاماً) هي فنانة تشكيلية ولدت في ألمانيا وانتقلت بعد ذلك إلى سوريا لدراسة الفنون الجميلة بدمشق. معايشتها للحرب لأكثر من ثلاث سنوات انعكست بشكل واضح على جل لوحاتها من خلال الحزن الذي يظهر على الوجوه النسائية التي أطلقت عليها اسم "أيقونات سورية"، وتقول ليالي "الحرب هي أبشع شئ يمكن للإنسان معايشته، فهي تعني الموت والحزن والتوتر والخوف".
لوحات فينة في العالم الافتراضي
يذكر منيف عجاج أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب كانت ممنوعة في سوريا حتى "انطلاق الثورة حيث سمح النظام بها لمراقبة الناس لاستخدامها ضد الثورة أيضا" ويقول إن "هذه الوسائل ساعدت في نقل ما يحدث بشكل مباشر وكان لها فعل تحريضي وخاصة في مجال الأغنية الثورية ومن ثم بقية الفنون".
في المقابل ترى الفنانة ريم يسوف أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثير ملموس على الشارع والثقافة قبل بدء ثورات الربيع العربي، ثم انتقل هذا التأثير إلى المتلقي أيضا وتذكر ريم بعض ايجابيات وسلبيات هذا التأثيرن حيث "ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تحرير الفنانين والفن من أي شروط تفرضها صالات العرض الخاصة، وجعلت عرض الأعمال يتم بطريقة متواضعة وبسيطة، كما لعبت دوراً أساسيا في التأثيرعلى الرأي العام. لكن في المقابل نجد سلبيات كانعدام معايير تحديد مستوى العمل الجيد أو السيء". وتتفق الفنانة ليالي مع رأي ريم مشيرة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدتها شخصيا في نشرأعمالها وإن "مواقع التواصل الاجتماعي تعد بمثابة صالة عرض دائمة ومتنقلة ومتاحة لكل العالم. ولكن لها سلبيات كالحرمان من متعة مشاهدة اللوحات على الواقع".
الفن والحرية
تعد صفحة "الفن والحرية" التي أسسها عام2011 فنانون سوريون، لا يزال بعضهم داخل سوريا، من أولى الصفحات المختصة بالفن التشكيلي الذي يوثق لأحداث الثورة السورية. منيف عجاج من الفنانين المشاركين في الصفحة وحول تجربته يقول "بقيت في سوريا سنة بعد اندلاع الحرب إلى أن التحقت بزوجتي في فرنسا. في هذة السنة لم أجرأ على نشر أعمالي على صفحتي الشخصية، لكن شاركت بلوحات ما قبل الثورة على صفحة: الفن والحرية" ويضيف "لكن من فرنسا حيث لا رقابة ولا سلطة، نشرت ما رسمت هنا وما رسمته في سوريا. لكن كان هناك بعض الخوف لأن الأهل والأقارب لا يزالون في سوريا".
وتشترط صفحة "الفن والحرية" مشاركة الفنانين بأسمائهم الحقيقية، مما يتطلب جرأة كبيرة من الفنان، وفي هذا السياق تقول ريم يسوف عن تجربتها الجريئة فى الصفحة " أنا لا أؤمن بالأسماء المستعارة والمبهمة. وأهمية عمل الفنان تكمن في صدقه أولا وتأثره بالوسط الاجتماعي العام ثانيا. وصفحة الفن والحرية، تعد من أولى الصفحات التي كانت جزءا من صوت الفنان السوري والعربي، خصوصا عند تراجع إمكانية التعبير في سوريا في ظل ما تمر به البلاد من تغيرات وتصاعد الصوت السياسي وتأثيره السلبي على الوضع الإنساني والثقافي".
الجمهور بين الافتراضي والواقعي
بدروها تؤكد الفنانة ليالي العوادى أن الجمهور من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعل بشكل جيد مع الأعمال المعروضة، وتقول "أفرح كثيراً بالتعليقات التي تصلني، بالأخص عندما يصل إحساسي للجمهور عن طريق اللوحة. إلا أن مواقع التواصل لا تحل محل صالات العرض التي لها نكهة ومتعة مختلفة، كما أن هناك البعض من المهتمين بالفنلا يفضلون مشاهدة الأعمال الفنية على مواقع التواصل الاجتماعي". ويشاطرها عجاج الرأي بالقول أنه لا يعتقد أن "مواقع التواصل تغني عن صالات العرض".
أما الفنان التشكيلي والناقد الفني الألماني بولنت غوندوز، فيرى أن هناك اختلاف بين عرض الأعمال على مواقع التواصل الاجتماعي وعرضها في قاعات العرض التقليدية، ويقول غوندوز لـ DW عربية "لكل منهم ايجابياته وسلبياته، فالأعمال التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي تصل لشريحة كبيرة من الجمهور، والتي لا يمكنها الوصول إلى قاعات العرض التقليدية. في المقابل فإن الجمهور يحصل على معلومات وشروحات عن الأعمال في قاعات العرض، تمكنه من تقييم العمل الفني وتصنيفه". وعن تقييمه لأعمال الفنانين السوريين يقول "يبدو أن الربيع العربي قرب فن هذه الدول إلى المشهد الفني العالمي، فضلاً عن إيلاء المزيد من الاهتمام بالفنانين السوريين على وجه الخصوص، وأصبح الفن على مستوى عال حقا". ويضيف "عموماً الفنانون العرب لديهم مهارة الخلط في أعمالهم بين الفنون التقليدية في المنطقة (على سبيل المثال الخط العربي) والأشكال الفنية الحديثة وخلق شيء جديد ومختلف تماماً".