الفرنسيون يصوتون في انتخابات برلمانية حاسمة لمستقبل فرنسا
٧ يوليو ٢٠٢٤يتوجه الفرنسيون اليوم الأحد (السابع من يوليو / تموز 2024) إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات تشريعية تاريخية قد توصل اليمين المتطرف إلى السلطة أو تنتج جمعية وطنية خارجة عن السيطرة، لكنها ستبدل بالتأكيد المشهد السياسي في البلد.
وتلزم فرنسا منذ مساء الجمعة فترة صمت انتخابي وضعت حدا للحملات ويحظر خلالها نشر استطلاعات للرأي جديدة، فدخلت فرنسا حالة أشبه بهدنة وسط أجواء مشحونة اتسمت بالشتائم والتعديات الجسدية على مرشحين ومعلقي لافتات وأطلقت خطابا عنصريا ومعاديا للسامية.
ويحق لـ 49,3 مليون شخص الإدلاء بأصواتهم. وتفتح مراكز الاقتراع في الساعة الثامنة صباحاً (6,00 ت غ) في فرنسا القارية، وكان التصويت في عدد من أقاليم ما وراء البحار الفرنسية قد بدأ بالفعل بعدما صوت الناخبون في أرخبيل سان بيار إيه ميكلون في شمال المحيط الأطلسي وغويانا والأنتيل وبولينيزيا وكاليدونيا الجديدة في جنوب المحيط الهادئ. وتستمر عمليات التصويت في المدن الكبرى حتى الساعة 18,00 ت غ، وتصدر عندئذٍ التقديرات الأولية.
وعكست عدة استطلاعات للرأي صدرت نتائجها الجمعة اشتداد المنافسة بين الكتل الثلاث: حزب التجمع الوطني وحلفاؤه في أقصى اليمين، وتحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" في اليسار، ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون من يمين الوسط. وأدخل ماكرون فرنسا في المجهول بإعلانهالمفاجئ في التاسع من حزيران/يونيو حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، بعد فشل تكتله في الانتخابات الأوروبية.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى حصول اليمين المتطرف على 170 إلى 210 مقاعد في الجمعية الوطنية الجديدة، بعيدا عن الغالبية المطلقة المحددة بـ289 نائبا، تتبعه "الجبهة الشعبية الجديدة" مع 155 إلى 185 مقعدًا، ثم معسكر ماكرون الذي يُرجَّح حصوله على ما بين 95 و125 مقعدًا. غير أن واضعي الاستطلاعات يلتزمون الحذر - إذ من المتوقع أن تكون المشاركة مرتفعة جدا، لا بل ربما الأعلى منذ 25 عاما، من غير أن يُعرف لصالح أي طرف ستصب.
وسعيا لقطع الطريق أمام التجمع الوطني، انسحب أكثر من مئتي مرشح من اليسار والوسط من دوائر كانت ستشهد سباقا بين ثلاثة مرشحين في الدورة الثانية، لتعزز حظوظ خصوم التجمع الوطني. لكن هل يتبع الناخبون منطق الأطراف السياسية التي يؤيدونها؟ "هذا غير مضمون إطلاقا، خلافاً لما يتردد"، وفق ما يرى النائب الأوروبي الذي تصدر قائمة الاشتراكيين في الانتخابات الأوروبية رافاييل غلوكسمان. من جانبه حذر رئيس الوزراء غابريال أتال -الذي يقود حملة المعسكر الرئاسي- من أن "الخطر اليوم هو غالبية يسيطر عليها اليمين المتطرف"، مضيفاً: سيكون هذا مشروعا كارثيا.
من جهتها نددت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن بمناورات "حزب واحد" يجمع "الذين يريدون البقاء في السلطة بخلاف إرادة الشعب"، وإنْ كسبت لوبن رهانها وحصلت على غالبية كافية فسيتولى رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا (عمره 28 عاما)-الذي يحمل برنامجا معاديا بشدة للهجرة- رئاسة أول حكومة من اليمين المتطرف تعرفها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. وأثارت هذه الفرضية قلق دول أوروبية كبرى أخرى شريكة لفرنسا، أبدت مخاوف من تولي حزب مشكك في المؤسسات الأوروبية -ومعروف بتقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- إدارة بلد يعتبر من الأعضاء الأساسيين في الاتحاد الأوروبي.
وبرز حزب التجمع الوطني كأكبر قوة في الجولة الأولى من التصويت التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، متقدما على التحالف اليساري الجديد ومعسكر الوسط للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي جاء في المركز الثالث.
تتوقع استطلاعات الرأي أن يفوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بأكبر عدد من الأصوات، لكنه من المرجح أن لا يتمكن من تحقيق الأغلبية. وقد تؤدي مثل هذه النتيجة إلى برلمان معلق وفوضوي، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشدة على سلطة الرئيس إيمانويل ماكرون. وبالمثل إذا فاز حزب التجمع الوطني القومي المشكك في الاتحاد الأوروبي بأغلبية فقد يجد الرئيس نفسه مجبرا على "تعايش" صعب.
فمن شأن حصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على أغلبية أن يجبر ماكرون على الدخول في "تعايش" محرج مع بارديلا كرئيس للوزراء، في ظل صراعات دستورية شائكة وتساؤلات على الساحة الدولية حول من يتحدث حقا باسم فرنسا. وإذا حُرم حزب التجمع الوطني من الأغلبية ورفض تشكيل الحكومة، فستجد فرنسا المعاصرة نفسها في منطقة مجهولة. وسيكون بناء التحالف صعبا على أي من الكتل نظرا للاختلافات السياسية بينها.
وعرف المشهد السياسي الفرنسي تبدلا كبيرا عام 2017 مع فوز ماكرون بالرئاسة، هازما الأحزاب التقليدية. لكنه باتخاذه قرار حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى هذه الانتخابات ليلة التاسع من يونيو / حزيران 2024 في أعقاب وسط صعود اليمين المتطرف وفوزه في الانتخابات الأوروبية، فهو قام برهان فاشل لا يغفره له أنصاره أنفسهم. ويحتاج معسكر الرئيس إلى تحالف واسع يضم قسما من اليسار وكذلك اليمين المعادي للتجمع الوطني، ليمارس الحكم. لكن على أي برنامج يمكن أن يتفق مثل هذا التحالف الذي وصفه خبراء سياسيون بأنه "مزيج مستحيل من التناقضات"؟
في مواجهة هذا الغموض أعلن أتال أن حكومته مستعدة لضمان استمرارية الدولة "طالما أن ذلك ضروري" وتولي تصريف الأعمال بانتظار تشكيل حكومة جديدة، في وقت تستضيف باريس دورة الألعاب الأولمبية بعد ثلاثة أسابيع. وفي مواجهة تجاوزات محتملة مساء الأحد سيتم نشر 30 ألف عنصر من الشرطة، خمسة آلاف منهم في باريس وحدها.
ع.م/ (أ ف ب ، رويترز ، د ب أ)