"الفترة الانتقالية ستساعد العراقيين على إدارة بلادهم دون تدخل أجنبي"
٢٧ نوفمبر ٢٠٠٨بعد جدل كبير ومفاوضات ماراثونية استغرقت شهوراً، أقر البرلمان العراقي اليوم الخميس (27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008) الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة بأغلبية الأصوات. ويصف المراقبون هذه الخطوة بأنها تمهد الطريق لاستعادة العراق لسيادته واستقلاليته، فالاتفاقية الأمنية تقضي بتحديد نهاية عام 2011 موعداً نهائياً لانسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية. وبموجب الاتفاقية يتولى جهازا الشرطة والجيش العراقيين مسؤولية نشر الأمن تدريجياً في أجزاء العراق.
وحصلت الاتفاقية على إجماع الكتل البرلمانية الثلاث الكبرى، وهي الائتلاف العراقي الموحد الشيعية والتحالف الكردستاني وجبهة التوافق السنية، إذ صوت 144 نائبا من أصل 198 بالموافقة، في حين صوت 35 نائبا ضد الاتفاقية. وأعرب أعضاء الكتلة الصدرية في البرلمان عن احتجاجهم الشديد خلال عملية التصويت، حيث رفعوا لافتات، كُتب عليها "كلا للاتفاقية". ومن المُقرر إجراء استفتاء شعبي حول الاتفاقية بتاريخ لا يتجاوز 30 تموز/يوليو القادم، وستكون بالتالي للشعب العراقي الكلمة الفاصلة.
من جهته هنأ الرئيس الأميركي جورج بوش العراقيين عقب إقرار البرلمان الاتفاقية. وقال بوش في هذا السياق إن عملية التصويت تؤكد على تطور الديمقراطية في العراق وتعكس تنامي قدراته الذاتية على ضمان أمنه.
"انسحاب أمريكي عام 2011 أمر واقعي"
وفيما يتعلق بالجدل الذي صاحب الاتفاقية وبمدى واقعية الموعد الذي تحدده الاتفاقية الأمنية مع واشنطن لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، قال الخبير الألماني في الشؤون العراقية غيدو شتاينبيرغ، في لقاء مع موقعنا، إن تحديد نهاية عام 2011 يعد "موعدا واقعيا جدا" لتحديد الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من العراق. وعلل الخبير الألماني ذلك بأن الحكومة العراقية ما تزال غير قادرة على السيطرة على الوضع الأمني المتدهور في البلاد، وأن باستطاعتها خلال السنوات الثلاثة القادمة إنشاء أجهزة شرطة وأمن وأن تظهر استقلاليتها في إدارة البلاد. وأشار شتاينبيرغ في الوقت نفسه أن رفض البرلمان العراقي لهذه الاتفاقية كان سيكون من "الأخطاء الفادحة"، ذلك أن الانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من البلاد لا يخدم مصلحة العراق والعراقيين.
مهمات عسكرية تدريبية أم قواعد دائمة؟
أما عن مخاوف بعض الأطراف السياسية في العراق ودول الجوار من أن الاتفاقية الأمنية تمهّد الطريق لإنشاء قواعد عسكرية أمريكية دائمة في العراق، قال شتاينبيرغ، إن تلك الخطط تتنافى مع تصريحات الرئيس المنتخب الجديد باراك أوباما، الذي كان قد أكّد أكثر من مرة عزمه سحب قوات بلاده من العراق. غير أن الخبير الألماني أشار في الوقت نفسه إلى أن الجيش الأمريكي ربما خطط لإجراء مهمات عسكرية تدريبية في العراق بعد عام 2011، وبالتالي فإن الحضور العسكري الأمريكي في البلاد سيكون بسيطا، بحسب شتاينبيرغ، الذي استبعد نية الولايات المتحدة إنشاء قواعد عسكرية كبيرة في العراق خلال فترة رئاسة باراك أوباما.
تحفظ دول الجوار ومخاوف مزدوجة
ويعزو شتاينبيرغ المواقف الرافضة للاتفاقية العراقية الأمريكية في دول الجوار إلى عدد من الدوافع السياسية والأمنية الداخلية والخارجية. وأشار إلى أن المواقف المتحفظة في كل من قطر والسعودية والكويت تعتبر في الواقع غطاء لرفضها لحكومة نوري المالكي.
وفي هذا السياق أكد الخبير الألماني أن رفض هذه الدول الحليفة للولايات المتحدة والتي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية يكمن وراءه مخاوف من أن تعزز الاتفاقية الأمنية مع الولايات من قوة حكومة عراقية يُسيطر عليها الشيعة والأكراد بشكل رئيس، وبالتالي يمكن أن تتحول حكومة المالكي، ذات الغالبية الشيعية إلى امتداد للسياسة الإيرانية، الأمر الذي ترى فيه هذه الحكومات تهديدا لاستقرارها.
أما فيما يتعلق بموقف سوريا وإيران من الاتفاقية أشار شتاينبيرغ إلى مخاوف دمشق وطهران مبعثها التواجد العسكري الأمريكي في العراق وما يشكل من تهديد على نظاميهما.
الموافقة رهينة المكاسب الحزبية
ويعزو الخبير في الشؤون العراقية الجدل الكبير الذي صاحب عملية التصويت ومطالبة بعض الأحزاب والكتل بمكاسب حزبية قبل الموافقة على الاتفاقية الأمنية مع واشنطن إلى مخاوفهم من أن تعزز هذه الاتفاقية من قوة حكومة نوري المالكي. أما عن تصويت الكتلة الصدرية ضد الاتفاقية، فيقول شتاينبيرغ بأنه يعكس رفضها لمبدأ التواجد العسكري الأمريكي في العراق في حد ذاته، وخاصة وأنها كانت أعلنت عنه من قبل أكثر من مرة.
ومن جهته حذر الخبير الألماني في الشؤون العراقية فالتر زومرفيلد من استمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق لمدة أطول من الفترة الانتقالية المحددة بنهاية عام 2011 قد يجر البلاد إلى مزيد من العنف. وأشار زومرفيلد، الذي زار العراق مرات عديدة، إلى أن العراقيين شعب يرفض الاحتلال الأجنبي، وبالتالي فإن الفترة الانتقالية ستمهد للعراقيين لتولي إدارة بلادهم دون تدخل أجنبي.