الفائزة السورية في البوبز: لا نريد أن يصبح المعتقلون مجرد عدد
٣ مايو ٢٠١٢استطاعت صفحة "الحرية للمدونة رزان غزاوي" على موقع فيسبوك أن تفوز بجائزة "أفضل حملة على الشبكات الاجتماعية" في مسابقة "دي دبليو العالمية للمدونات/ Best of the Bolgs". انطلقت هذه الصفحة على فيسبوك بعد أول اعتقال للمدونة والناشطة السورية رزان غزاوي ولم تتوقف بعد الإفراج عنها، بل استمرت في الدفاع عن جميع المعتقلين السياسيين، لتعود مرة أخرى للدفاع عن غزاوي التي اعتقلت ضمن أعضاء "المركز السوري للإعلام وحرية الرأي"، ومازالت هي وبقية الناشطين والمدونين قيد الاعتقال منذ شهر فبراير/شباط الماضي، وهو ما شجع لجنة التحكيم المسابقة على اختيارها كما يوضح عضو اللجنة المدون المصري طارق عمرو. ويضيف طارق: : "هذه الصفحة أيضاً تعد رمزاً للدفاع عن حقوق المناضلين في سوريا. كما أن هذه الحملة التي تقوم بها تعد أيضاً رمزاً لكل حملات الدفاع عن المعتقلين السياسيين سواء في سوريا أو البحرين أو مصر، ولذلك اخترناها كنوع من التكريم لهم ولدورهم في الربيع العربي".
مؤسسة الصفحة "شام"، المدونة السورية التي رفضت ذكر اسمها الحقيقي، قالت في مقابلة مع DWإنها لا تريد ارتباط اسم الصفحة بها شخصياً، ولا تريد أن يرجع الفضل لها في هذا العمل وأضافت: "نحن مجموعة من المدونين والأصدقاء، نقوم بكل ما نستطيع القيام به من حملات لدعم أصدقائنا. والأمر لم يبدأ بحملة رزان، ولكن كان هناك عدة حملات للمعتقلين وخاصة المدونين منهم، وأول حملة كانت للمدون حسين غرير، لكن حملة رزان كانت مؤثرة وكان لها صدى كبيرا، وهو ما يرجع لشخصية رزان نفسها ولكل الناشطين الذين يعرفوها وشاركوا في مظاهرات بعد اعتقالها".
"كنت أفضل ألا يكون هناك فوز ولا اعتقال"
بدأت شام في التدوين منذ عام 2008، وكانت مهتمة بقضايا حقوق الإنسان، ومن خلال التدوين تعرفت على عدد من الناشطين والمدونين السوريين ومن بينهم رزان غزاوي، وهو ما جعلها تتحمس للدفاع عنها عندما علمت بخبر اعتقالها كما توضح قائلة: " أعرف رزان وأعلم أنها لا يمكن أن تؤذي أي شخص، ولذلك فقد صدمت لخبر اعتقالها". ورغم سعادتها بالفوز بجائزة DWللمدونات، إلا أنها شعرت أيضاً بالحزن إذا قالت بهذا الخصوص: "اليوم وأنا أسمع خبر الفوز علمت أيضاً أن رزان ومجموعة شباب المركز الإعلامي ما يزالون في السجن بعد أن تم تحويلهم للقضاء العسكري. فهي في النهاية صفحة للإخبار باعتقال شخص، ونحن نكتب لنقول إن هذا الشخص ليس بيننا لأنه اعتقل. وكنت أفضل ألا تكون هناك اعتقالات ولا حملة للدفاع عنهم ولا جائزة".
ورغم ذلك، تعتقد "شام" أن هذه الحملات وما تحدثه من صدى إعلامي تساعد بشكل كبير في الدفاع عن هؤلاء الناشطين، و"التحقيق معهم بطريقة أقل عنفاً من المعتاد"، لأن السلطات في رأيها تخشى من أن تحدث ضجة إعلامية أكبر في حال "حدث لهم مكروه". ومن ناحية أخرى، ترى المدونة السورية أن لهذه الحملات دور أخلاقي تجاه هؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم ويتعرضون للاعتقال "حتى لا يتحولوا لمجرد أعداد".
تقيم شام في الولايات المتحدة الأمريكية التي انتقلت للعيش فيها مع أهلها منذ حوالي 6 سنوات، لكنها تتمنى أن تعود لسوريا "لتساعد بلادها قدر المستطاع". وتعرف شام أن أحوال الناشطين السوريين المقيمين في الخارج أفضل بكثير من أحوال الموجودين داخل سوريا، لكنها في الوقت نفسه تدرك أهمية دورها قائلة: "نحن نقدم المساعدات ونوفر الاتصالات بين الناشطين داخل سوريا، وبالتالي يمكن مثلاً ضمان توفير المساعدات لمنطقة منكوبة. ربما ما نقوم به هو مجرد نقطة في محيط، لكنه يساعد".
اختار المدون المصري طارق عمرو، عضو لجنة تحكيم المسابقة، هذه الصفحة واستطاع أن يقنع أغلبية الأعضاء بالتصويت لها للفوز بجائزة "أفضل حملة على فيسبوك". ويوضح طارق، الذي يدون منذ عام 2005، ويعمل أيضاً في موقع أصوات عالمية Global Voices، أنه قام باختيار أولي من بين 270 مدونة عربية رشحت للمسابقة، ليقوم بعدها باختيار أفضل مدونة في كل مجال، ثم يحاول الدفاع عنها أمام أعضاء هيئة التحكيم، الذين يمثلون اللغات المختلفة للمدونات المشاركة.
"خريطة التحرش الجنسي وسيلة بصرية لمواجهة المجتمع بمشكلته"
كانت المنافسة قوية بشكل عام ، خاصة للفوز بجائزة فئة "أفضل استخدام تكنولوجي للصالح العام"، والتي فازت بها "خريطة التحرش الجنسي" المصرية. ويوضح طارق أسباب اختيار هذه المدونة قائلاً: " الخريطة تستخدم التكنولوجيا لتوعية المجتمع بمشكلة موجودة بالفعل، وتسعى بهذه الطريقة للتغيير من عاداته". على هذه الخريطة يمكن لكل سيدة أو فتاة تتعرض للتحرش الجنسي أن تقوم بتوثيق هذه الحالة وأين ومتى حدثت، ليرى الناس بعد ذلك بوضوح حالات التحرش التي تحدث في كل حي من أحياء القاهرة.
ورغم أن الخريطة كانت تتنافس مع خريطة مشابهة توضح المناطق الألمانية التي تفتقر لتسهيلات للمعاقين - وهي مشكلة لا تقل أهمية في رأيه ورأي لجنة التحكيم كلها- إلا أن خارطة التحرش الجنسي فازت لأنها تعالج قضية حساسة حسب المدون المصري: "كان دفاعي عنها لإيماني بأهميتها، لأن المرأة المصرية التي تتحدث عن تعرضها للتحرش تتعرض لانتقادات ولوم المجتمع، ما يجعلها تصمت. لكن هذه الوسيلة الالكترونية وفرت لها الفرصة للتعبير دون ذكر أسمها أو التعريف بنفسها وبوسائل عديدة بينها رسائل الهاتف القصيرة". وقد فازت هذه الصفحة في رأيي لأنها وفرت الفرصة للحديث عما هو مسكون عنه. فعندما كانت المرأة تصمت، كان المجتمع ينكر وجود المشكلة، لكن هذا الحديث جعل المجتمع يرى وبشكل بصري ما يحدث".
"مصر هي وطني حالياً ولذا أريد أن تكون الحياة بها أفضل"
هذه الخارطة يقوم بها عدد من الناشطين، من بينهم ربيكا شياو، التي شاركت في إنشائها وتديرها حالياً. ربيكا القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية تقيم في مصر منذ عام 2004، جاءت إلى مصر بالصدفة أثناء دراستها للتنمية، لكنها شعرت أن مصر هي وطنها فأقامت فيها. في مقابلتها مع DWأوضحت شياو: " أتمنى أن تكون الحياة هنا جيدة، لأن مصر وطني، ولذلك فقد قمت مع مجموعة من أصدقائي منذ عام 2005 بالاهتمام بقضية التحرش الجنسي". بدأت فكرة ربيكا عندما تعرفت على تقنية "اوشاهيدي" (كلمة باللغة السواحلية بمعنى شاهد) وهي تقنية تسمح برصد حركة الشارع عن طريق خارطة تفاعلية. وحاولت إقناع عدد من المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال المرأة بهذه الفكرة، لكنها لم تلق ترحيبا كبيراً، فاختارت أن تقوم بتنفيذ الفكرة بشكل تطوعي مع مجموعة من أصدقائها. وتقول في هذا السياق: "أردت أن أبدأ المشروع لأني أؤمن بأن التغيير لا يأتي من فوق، ولكن من المواطنين، عندما يعملون معاً ويعيدون لمصر تقاليدها التي كانت تحفظ للمرأة المصرية كرامتها وتوفر لها الأمان في الشارع". أما هدف مجموعة الأصدقاء الأول فهو تحقيق التوعية المجتمعية اللازمة عن طريق التكنولوجيا. ولأن نسبة انتشار الهواتف المحمولة في مصر عالية جداً، فالفرصة كبيرة للوصول لعدد كبير من البشر عن طريق هذه التقنية.
وتعمل مجموعة الأصدقاء بشكل تطوعي، بدأت فكرة ربيكا مع ثلاث صديقات لها، ثم توسع المشروع ليشمل عشرة متطوعين، يتقابلون مرة أسبوعياً للتنسيق فيما بينهم. بالإضافة إلى ذلك هناك نحو 500 من المتطوعين بمختلف أنحاء البلاد، حسبما تؤكد ربيكا.
وقد شعر فريق العمل بالفخر لفوز خارطتهم بمسابقة أفضل المدوناتBOBs التي تنظمها DW، لأنهم يعتقدون أنها ستساعدهم في عملهم ورسالتهم لبناء مستقبل أفضل في مصر. وفي هذا الإطار تقول ربيكا: "هذا التكريم يعطينا دفعة ويشجعنا للمضي في عملنا التطوعي الذي كثيراً ما يمثل تحديا كبيرا لنا في ظل الظروف الحالية. كما أن مشاركتنا في المسابقة أتاحت لنا الفرصة للتعرف على مشاريع أخرى رائعة والتعلم منها".
سمر كرم
مراجعة:ابراهيم محمد