الغموض ما يزال يكتنف اختيار ولي العهد السعودي
٢٧ أكتوبر ٢٠١١ودعت المملكة العربية السعودية ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي كان أحد الأركان الهامة في الدولة السعودية وعاصر كل تطوراتها، منذ توحيد المملكة في ثلاثينات القرن الماضي على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن. وتولى سلطان منذ تلك الفترة وحتى رحيله الكثير من المناصب الهامة، لعب خلالها دوراً بارزاً في تكوين وتوسيع الجهاز الإداري الخاص بالدولة السعودية.
وما يزال الغموض يكتنف عملية اختيار ولى العهد داخل العائلة المالكة. فمنذ تأسيس المملكة العربية السعودية جرى العرف أن تكون الخلافة لأحد أبناء الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة الذي توفي عام 1953. وحتى الآن أصبح خمسة أخوة ملوكا، ونحو 20 ما يزالون على قيد الحياة، والكثير منهم تجاوزوا الثمانين عاما. مما يجعل فرص تولى بعضهم العرش ضعيفة نظراً لتقادمهم في السن.
تشكيل هيئة البيعة
كانت عملية انتقال الخلافة من الملك الراحل فهد إلى الملك الحالي عبد الله عام 2005 سلسة، لكن كان هناك أزمات في فترات سابقة. حيث خلعت الأسرة ثاني ملوك السعودية، الملك سعود عام 1964 عندما اعتبرته غير كفء بعد صراع على السلطة مع أخيه غير الشقيق فيصل. وفي عام 1975 قتل الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود الملك فيصل لأسباب غير معروفة حتى الآن.
على ما يبدو دفع هذا التاريخ المليء بالصراعات داخل العائلة المالكة الملك عبد الله منذ خمس سنوات إلى تشكيل هيئة البيعة للإشراف على عملية الخلافة وتنظيمها وللحفاظ على الانتقال الهادئ والسلس للسلطة بين أفراد العائلة الملكية.
ويوضح المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي نظام البيعة منذ تشكيل الهيئة قائلاً: "أصدر الملك عبد الله عام 2006 قراراً بتشكيل هيئة البيعة التي يرأسها الأمير مشعل بن عبد العزيز (مواليد 1926). وللهيئة ممثل عن كل فرع من آل سعود من أبناء الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة. إلى جانب من ما يزالون على قيد الحياة من أبنائه. ويشمل هذا أيضا الأحفاد الذين يمثلون الملوك والأمراء الذين توفوا بالفعل أو حالاتهم الصحية ليست جيدة بشكل يسمح بمشاركتهم."
أما الخطوة التالية ففي حالة وفاة ولى العهد أو تولى ملك جديد للعرش يرشح الملك اسما أو اثنين أو ثلاثة ليصبح وليا للعهد، وتصوت هيئة البيعة للموافقة على اختياره، أو تختار أحد مرشحيه لكن، وكما يؤكد العقيلي، "ثقة الملك ورؤيته لها دور كبير في هذا الشأن وهى العامل الأكثر ترجيحاً."
نظام البيعة لم يطبق بعد
رغم أن الملك عبد الله شكل هيئة البيعة منذ بضعة أعوام إلا أن سليمان العقيلي يلفت النظر إلى أن نظام هيئة البيعة ينص على تطبيقه في الملك القادم وولى العهد القادم. ويقول العقيلي "لذلك لا يعرف حتي الآن ما إذا كان تعيين ولى عهد جديد في ظل الملك عبد الله سيحال إلى هيئة البيعة أم لا، ولذلك فالأمر بالنسبة للمراقبين في الرياض غير واضح تماماً، لكن الملك عبد الله أصدر قراراً بتعيين وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانيا،ً وفي التقاليد السعودية النائب الثاني يكون المرشح الأقوى لمنصب ولى العهد، حسب الأعراف داخل الأسرة المالكة."
مقومات ترشيح ولي العهد
يصف سليمان العقيلي الأمير نايف قائلاً: "حسب الأعراف السعودية تعتمد مقومات ترشيح ولي للعهد على الصلاح والكفاءة السياسية والإدارية، ويضاف إليها أحياناً العمر. لكن الكفاءة تتقدم الآن على عامل السن. والأمير نايف بن عبد العزيز أثبت طوال السنوات الماضية أنه عنصر من العناصر الأساسية داخل الحكم السعودي وأنه رجل دولة كبير يقوم برسم الكثير من الخطوط الأساسية للسياسة السعودية على المستوى الداخلي والخارجي، وكان له نجاحات كبيرة جدا في مكافحة الإرهاب داخل المملكة وخارجها من خلال التعاون مع المجتمع الدولي في هذا المجال."
ولد الأمير نايف عام 1933 في مدينة الطائف، وعين حاكما لمدينة الرياض عندما كان في العشرين من عمره، واستمر في ذلك المنصب لعامين متتالين. أصبح في عام 1970 نائبا لوزير الداخلية، وشغل منصب وزير الداخلية منذ عام 1975. تميز عهده في وزارة الداخلية بالقوة حيث قمع بشكل دموي الجماعات الإسلامية التي استولت على الحرم المكي عام 1979، وخاض منذ التسعينات معارك قوية ضد تنظيم القاعدة. وتعرض في عام 2009 لمحاولة اغتيال نفذها أحد أعضاء تنظيم القاعدة.
"لا حاجة لوجود النساء في مجلس الشورى"
في السنوات الأخيرة تحركت وزارة الداخلية ضد الإسلاميين المتطرفين والنشطاء التقدميين على حد سواء، الأمر الذي عرضها للكثير من الانتقادات من مجموعات ومنظمات حقوق الإنسان في العالم. كما صرح الأمير للصحفيين في مناسبات سابقة أنه لا يرى أي حاجة البتة لإجراء انتخابات لمجلس الشورى في البلاد، كما لا يرى أن هناك داعٍيا أيضا لوجود نساء في المجلس الذي يضم 150 عضوا يُعيَّنون جميعهم تعيينا.
استمرار الإصلاح
لكن رغم ذلك شهدت السعودية في السنوات الأخيرة مجموعة من القرارات الإصلاحية التي أقرها الملك عبد الله، بداية من إحياء دور المجالس البلدية وجعلها بالانتخاب، وصولا إلى دخول المرأة إلى مجلس الشورى كما أعلن الملك عبد الله دخولها كناخبة ومرشحة في الانتخابات البلدية. وكما يرى العقيلي "يسير الإصلاح السعودي بخطى بطيئة لكنها ثابتة ومتوازنة تحافظ على التوازنات الاجتماعية داخل المجتمع السعودي، لأن المجتمع السعودي محافظ وربما لا يتقبل التغيرات ذات الطابع السريع أو الانقلابي. لكن القيادة السياسية تعمل على الإصلاح السياسي والتغيري، بما يتناسب مع الثقافة الخاصة للدولة والمجتمع حتي لا يكون هناك ردات فعل سلبية ربما تأتى بنتائج غير ملائمة للتغير في المملكة."
أحمد ناجي
مراجعة: منى صالح