الغجر المسلمون في بلغاريا: معاناة مضاعفة
١٣ سبتمبر ٢٠١٣"أخيرا وفي ألمانيا تمّت معاملتي كإنسان"، يقول هذا الشاب ذو الشعر الداكن والذي قدم نفسه على أنه أحمد. وتابع بالقول "لم يعاملونني على أنني غجري من الرومن"؛ ففي مسقط رأسه في مدينة بزاردجيك جنوب بلغاريا يُمنع الشاب من دخول بعض المقاهي العامة، أو حتى الحفلات الخاصة التي تقام على أطراف المدينة، بل ومحظور عليه حتى الاقتراب من مكانها، لكن في "ألمانيا أحصل على خدمات في كل مكان"، يضيف الشاب مبتسما.
أحمد يجلس إلى جدار مسجد صغير في مدينة بزاردجيك برفقة مجموعة من الرومن الغجر. جميعهم بلحى كثيفة، والشباب منهم يلبسون قمصانا طويلة، أو سراويل جينز ضيقة. ينوي أحمد وعدد من رفاقه العودة إلى ألمانيا للعمل في المدن الكبرى في أشغال الطلاء والبناء أو لدى شركات نقل الأثاث أو غيرها من تلك الأعمال "الموجودة بكثرة في ألمانيا" على حد قوله، مشيرا "أما هنا(بلغاريا) فلا يوجد عمل للرومن"، وهو ما تؤكده منظمة حقوقية في مدينة بزاردجيك التي قدمت أرقاما تفيد أن سبعين بالمائة من الغجر الرومن بدون عمل.
وقت الصلاة
أعتذر أحمد عن الحديث للتوجه إلى الصلاة. خلع حذاءه والتحق بالمصلين الآخرين من أبناء جلدته أي من الغجر الرومن الذين يعانون من تهميش المجتمع لهم. وهم يعيشون في بزاردجيك كغيرها من مدن بلغاريا الكبرى في غيتوهات، تركها البلغار أنفسهم بعد سقوط المعسكر الاشتراكي.
وأكثر الطائفات الدينية تضررا، المسلمون الذين أجبروا على تغيير أسمائهم الإسلامية أثناء الحكم الشيوعي، كما أوضحت يوليا ميتودييفا عن لجنة هيلزينكي المدافعة عن حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنهم "مُنعوا أيضا من ختان أبنائهم، تماما كما هددوا بعدم الحصول على العمل في حال دخلوا الجوامع".
وبعد سقوط المعسكر الشرقي، أعيد إحياء الإسلام في بلغاريا ، وذلك في فترة "عاد فيها أيضا الدين إلى الحياة"، تقول الحقوقية ميتودييفا. لكن "نظرة الريبة تجاه المسلمين لا زالت قوية إلى اليوم. كما أن هناك عداء من قبل المؤسسات ووسائل الإعلام تجاه المسلمين في هذا البلد. في وقت يسعى فيه المسلمون إلى ممارسة شعائرهم الدينية"، حسب ميتودييفا.
بيد أن الأجهزة الاستخباراتية ترى الأمور بشكل مختلف، فهي تتهم عددا من الأئمة بمن فيهم إمام الحي الذي يسكن فيه أحمد في بزاردجيك بترويج أفكار سلفية متطرفة، بل وإنه ينشر الإرهاب ويحصل على أموال من المملكة العربية السعودية. مفتي بلغاريا أحمد أحمدوف يرفض هذه الاتهامات بقوة، موضحا "لا يمكننا أن نشغل أشخاصا، لم يحصلوا على التكوين العلمي الكافي، ولا يعرفون كيف يمارس الدين في هذا البلد".
توجهات متطرفة في الخارج؟
عند وصولنا إلى جامع آخر، حيث يعمل الإمام أحمد موسى المتهم في عدة قضايا منها الإرهاب، رحب بنا الأخير ومد يده إلى المترجم فقط، باعتبار أن من يقوم بالتحقيق الصحفي هي امرأة، وهو لا يضع يده في يد امرأة. وبعد أن قدم للطاقم الصحفي القهوة وحلوة البقلاوة، أوضح الإمام أن زهاء أربعين ألف غجري من الرومن يقطنون الحي، منهم الكاثوليك والمسلمون والملحدون. أما أتباعه، فعددهم نحو 600 شخص، وهو عدد في ازدياد حسب الإمام، خاصة بعد اتهامه من قبل السلطات. لكن أيضا بعد أن وجد بعضهم الطريق إلى "الإسلام الحقيقي"، على حد وصفه. فهم لم "يكونوا كافرين تماما حين غادروا البلاد، ولم يكونوا أيضا مؤمنين حقا. لكنهم وجدوا في الخارج بعض المسلمين الذين ساعدوهم إلى التوجه إلى الطريق القويم".
"الإيمان غيّر الحيّ"، يقول أحمد موسى. لقد كانت المخدرات والمشروبات الكحولية هي المسيطرة، كما أن أطفالا بعمر 12 عاما تزوجوا وأنجبوا أطفالا. "كل شيء تغير" اليوم!. لكن ماذا عن التطرف المتهم به من قبل السلطات الأمنية؟ الإمام يرد "لا أحد هنا يمكنه أن يصبح متطرفا. هذا أمر مستبعد. لربما هناك متطرفون في ألمانيا وتركيا يعودون، ولكن هنا في الحي لا أحد متطرف!". واعتبر الإمام أن جميع الاتهامات الموجهة ضده هي لدواع سياسية، فالمسؤولون يخافون الإسلام، وهو يؤمن أن القضية لن تكون نزيهة، ومع ذلك لا يخاف من الأحكام التي قد تصدر في حقه، فـ"النبي محمد عانى هو الآخر بسبب دينه"، على حد تعبيره.