العمل من المنزل: نافذة للتجسس الاقتصادي؟
٢٧ مارس ٢٠٢١خلال جائحة كورونا أصبح العمل والدراسة من المنزل جزءاً من الحياة اليومية. هذا يترتب عليه وجود جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي متصل بالإنترنت، مع عدد من الأجهزة المساعدة أيضاً. البيانات المتعلقة بالعمل والدراسة والترفيه باتت تمر عبر شبكة إنترنت واحدة.
هذا الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة، بحسب رولاند فايل، مدير شركة "دالماير سيستمز" لأمن المعلومات في ميونيخ: "ربما يكون لديك طفلان أو ثلاثة يستخدمون الإنترنت من خلال أجهزتهم. كل جهاز إلكتروني هو بوابة للاختراق". هذه الأجهزة ربما تتسبب في اختراق يصل إلى النظام الداخلي للشركات.
في بداية الجائحة، لم يأخذ كثير من الشركات ذلك على محمل الجد، إذ يقول فايل: "لقد اعتبره الكثيرون من الضرورات من أجل تمكين الناس من العمل من منازلهم .. نحن نرى الوضع الآن بتمييز أكبر".
نظام إنذار لتدفق البيانات
الوصول إلى بيانات حساسة من المنزل يمنح الجواسيس الاقتصاديين فرصاً جديدة للوصول إلى أسرار الشركات. لكن الطرق التقليدية للوصول إلى تلك البيانات، مثل اقتحام أجهزة الشركة في مقرها، ما تزال تلعب دوراً كبيراً، ذلك أن قدراً أكبر من البيانات يُحفظ الآن بشكل رقمي. تأمين الأنظمة المساعدة على ذلك يجب أن يحظى بأقصى أولوية، طبقاً لفولكر فاغنر، المسؤول عن قطاع الأمن في عملاق الصناعات الكيميائية الألماني "بي إيه إس إف"، ويرأس تحالف الأمن في الاقتصاد.
يسوق فاغنر مثالاً على ذلك بأدوات تراقب تدفق البيانات بشكل أوتوماتيكي: "هنالك أنظمة إنذار ذكية تكشف عن أي أنماط غير مألوفة في حركة البيانات". تطلق تلك الأنظمة صافرة الإنذار عندما يتم تحميل حجم كبير للغاية من البيانات، أو عندما يتم الوصول إلى قاعدة بيانات الأبحاث في الشركة في أوقات غير مألوفة وبشكل متكرر.
100 مليار يورو سنوياً من الخسائر
ويشير فاغنر إلى أن الجواسيس الاقتصاديين يركزون على ثلاثة قطاعات: الأول هو البحث والتطوير، لأن تكلفته المرتفعة تجعله أكثر جذباً للجواسيسالباحثين عن "تقصير" وقت تطوير منتجاتهم. القطاع الثاني هو قطاع الوصفات وتركيب المنتجات، وهو قطاع لا يتوفر إلا لدى قدر ضئيل من الشركات "مثل لقاحات فيروس كورونا، على سبيل المثال". القطاع الثالث هو الخبرات الألمانية في التصنيع والإنتاج، وهي جذابة للغاية للجواسيس.
وبحسب إحصاءات الجمعية الرقمية "بيتكوم"، يتسبب التجسس الاقتصادي وسرقة البيانات وتخريب الشركات الألمانية بخسائر تقدّر بنحو مائة مليار يورو سنوياً. وبينما تعدّ الشركات الكبرى محصنة أكثر من هذه الهجمات، إلا أن الشركات المتوسطة والناشئة هي الأكثر عرضة للضرر. حول ذلك يقول ميشائيل كيلشلينغ، الباحث في معهد ماكس بلانك لأبحاث الجريمة والأمن والقانون: "كلما كانت الشركة أضعف اقتصادياً، كلما كانت قدرتها على مقاومة الهجمات الإلكترونية أقل، وكلما كانت الهجمات ضدها أنجح".
المتدرب قد يكون جاسوساً
ويضيف كيلشلينغ أن التجسس الاقتصادي له عدة لاعبين، سواءً من ترسلهم الشركات المنافسة، أو عاملين في الشركة يتعرضون للابتزاز، أو موظفين سابقين يسعون للانتقام. وقد يكونون أحياناً متدربين في قسم الأبحاث أو صحفيين أو زواراً في معرض.
كما تزايدت حالات التجسس الاقتصادي التي تقف وراءها أجهزة مخابرات أجنبية. ويتابع كيلشلينغ بالقول: "هذا الأمر لا يقتصر على الدول المعروفة بذلك، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية. يجب أن نوسّع رؤيتنا. موظفو الجمارك في الولايات المتحدة يقومون بفحص أجهزة الكمبيوتر المحمول على الحدود الأمريكية. كما أنظر بشغف شديد إلى مدرسة الحرب الاقتصادية، التي تشرف عليها الحكومة الفرنسية، وتقوم من خلالها بتدريب الموظفين الحكوميين".
حرب تقنية باردة
يقول توماس هالدنفانغ، رئيس هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية)، إن التجسس الاقتصادي تحد ذو أهمية متزايدة بالنسبة للاقتصاد الألماني، مضيفاً: "نحن نعلم أن العديد من الدول تستخدم أجهزة مخابراتها من أجل تحقيق النمو في بعض النشاطات الاقتصادية". ومن أجل تحقيق ذلك، تستند تلك المخابرات أكثر إلى تجنيد موظفين ألمان لأهدافها بدلاً من الدفع بعملائها.
ويشير رئيس جهاز المخابرات الداخلية الألماني إلى أنه في الوقت الراهن، باتت التقنيات الحديثة والكفاءة في العمل أهم مفاتيح القوة الاقتصادية والسيادة والنفوذ للدول: "هناك صورة باتت تتكون حول حرب تقنية باردة، تدور رحاها في دوائر نفوذ تقنية". أحد أوجه هذه الحرب، مثلاً، هو النقاش حول توسيع شبكة الجيل الخامس من الإنترنت المحمول ودور شركة "هواوي" الصينية في ذلك.
حالياً، يركز جهاز حماية الدستور على مراقبة الشركات ومعاهد البحث والسلطات المنخرطة في محاربة فيروس كورونا المستجد. فهذه المؤسسات باتت أهدافاً جذابة، كما برهن على ذلك الهجوم الإلكتروني على أنظمة سلطة الأدوية الأوروبية في ديسمبر/ كانون الأول، والذي يُعتقد أن قراصنة إنترنت روسيين كانوا يقفون وراءه.
قليلون من يتقدمون بشكوى
يرى القائمون على جهاز حماية الدستور أن من بين أهم واجباتهم هو منع حالات التجسس الاقتصادي قبل وقوعها، وذلك من خلال رفع الوعي وتقديم المشورة. كما أنهم مستعدون للتحقيق في حال تعرض شركة ما لاختراق. لكن غالبية المتضررين من تلك الهجمات يترددون في تقديم شكاوي، ويفضلون عدم الحديث عن تلك الهجمات، بحسب ما يعتقد الباحث في علم الجريمة، ميشائيل كيلشلينغ، وذلك خوفاً من تضرر سمعة الشركة.
ويضيف كيلشلينغ: "الأمر يتعلق بصورة الشركة وكونها غير قادرة على ضمان أمنها بنفسها، ولهذا قد تخسر سمعتها لدى زبائنها". كما أن شركات أخرى تخشى أن تؤدي التحقيقات إلى تعطيل سير العمل: "من يريد عملاء جهاز حماية الدستور في مقر عمله، والذين من الممكن أن يقرروا أخذ كل أجهزة الكمبيوتر لفحصها".
زابينه كينكارتز/ ي.أ