العمالة الخارجية: ضرورة اقتصادية ولكن بأي ثمن؟
أكثر من 2000 طبيب عراقي يعملون في مستشفيات بريطانيا وحدها. فالعقود الثلاثة الماضية وحدها شهدت نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلي خارج العراق بحثا عن ملاذ آمن ولقمة عيش كريمة. ويشكل المهاجرون ثلثي عدد السكان في العديد من الدول مثل والإمارات العربية المتحدة وقطر. كما أن جالية كبيرة جدا من المغاربة والجزائريين والتونسيين تقدر بالملايين تعيش اليوم في فرنسا وألمانيا وايطاليا. وفي دراسة أجريت في وقت سابق من قبل المفوضية الأوروبية تبين أن 8 من كل عشرة أشخاص في البلدان النامية يرغبون بترك أوطانهم والهجرة إلى الدول الصناعية المتقدمة والغنية. ومع أن ترك أصحاب الكفاءات لأوطانهم يشكل خسارة للبلدان النامية، إلا أن ذلك يجلب ميزات اقتصادية للدول المعنية. هذا ما خلص إليه تقرير للبنك الدولي صدر مؤخرا وورد فيه أن المبالغ المالية التي يقوم المهاجرون بتحويلها إلى أوطانهم هي ضرورة اقتصادية واجتماعية على قدر كبير من الأهمية.
200 مليار دولار تحويلات هذا العام
قال موريس شيف، أحد المشاركين في صياغة تقرير البنك الدولي آنف الذكر: "لا شك أن تحويلات المهاجرين النقدية إلى بلدانهم ساهمت بشكل كبير في التخفيف من حدة الفقر. وهذا يكتسب أهمية كبيرة جدا، لا سيما إذا ما عرفنا أن حوالي 200 مليون شخص يعيشون ويعملون في دول هي ليست مسقط رأسهم." وأشار شيف أيضا إلى أن حجم المبالغ المحولة هذا العام إلى مواطن المهاجرين الأصلية يبلغ 200 مليار دولار أمريكي، وهذا يشكل ضعفي المبالغ المقدمة من الدول الصناعية الغنية إلى النامية على شكل مساعدات تنموية. وأضاف شيف قائلا: "معظم هذه الأموال يتم استثمارها في قضايا التعليم والصحة والبناء وإنشاء مصانع أو شركات جديدة." وكانت المكسيك قد تصدرت في عام 2004 قائمة الدول التي يرسل إليها المهاجرون أموالا حيث بلغت نحو 16 مليار دولار سنويا، تلتها الهند بنحو 9.9 مليار دولار سنوياً والفلبين بنحو 8.5 مليار دولار سنوياً. واحتلت الولايات المتحدة مركز الصدارة في قائمة الدول التي يرسل المهاجرون منها أموالا إلى بلدانهم، بنحو 28 مليار دولار سنويا، تلتها السعودية بنحو 15 مليار دولار سنويا. ويرسل المهاجرون في بلجيكا وألمانيا وسويسرا إلى أوطانهم نحو 8 مليارات دولار سنوياً.
ميزات اقتصادية ولكن ما الثمن؟
بالرغم من الميزات الاقتصادية الكبيرة المترتبة على تحويلات المهاجرين النقدية إلى بلدانهم، يبقى السؤال الذي يثير اهتمام دول العالم هو عن الضرر الذي يلحقه فقدان الكفاءات ببرامجها التنموية. هجرة الكفاءات أو ما يعرف أحيانا بـ "هجرة العقول" أو "هجرة الأدمغة"، وهو مصطلح أطلق أول مرة في الخمسينيات على الكفاءات المهاجرة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تعني انتقال أهم رأسمال اقتصادي للبلد ألا وهو الرأسمال البشري المثقف. ونظرا لاستقرار الغالبية العظمى من هذه الكفاءات في مجتمعاتها الجديدة، تصبح الهجرة بذلك خسارة وكارثة اقتصادية وتقنية واجتماعية فادحة علي الدول النامية. وتشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة إلى أن الوطن العربية يساهم بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، حيث يشكل الأطباء 50 بالمائة منهم، والمهندسين 23 بالمائة والعلماء 15 بالمائة. كما أشارات الدراسات أيضا أن 54 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم. وقد بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول في عقد السبعينات حوالي 11 مليار دولار.
وخلاصة القول أن هجرة الأدمغة تؤدي إلى تأمين مليارات من العملة الصعبة في البلدان الأصلية للمهاجرين وتساهم في تحسين الوضع الاجتماعي للعائلات الفقيرة بالذات، إلا أن بعد هذه الكفاءات عن مواطنها الأصلية يعني أيضا توسيع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. والخطورة التي تشكلها هجرة الكفاءات العربية على المخططات التنموية العربية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تتطلب إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة تمهيدا لوقفها.