العمال الوافدون في الخليج .. وتستمر المعاناة
١٥ نوفمبر ٢٠١٣تقول النقابات ومنظمات حقوق الإنسان إن العمال الوافدين في دول الخليج يتقاضون أجوراً متدنية ويعملون في بيئة خطيرة ودون أي حماية قانونية، وهو أمر بات واضحاً من خلال حادثة وفاة عدد من عمال البناء في قطر، التي تقوم ببناء عدد من ملاعب كرة القدم تمهيداً لاستضافة مونديال سنة 2022. وانتقد رئيس رابطة نقابات العمال الدولية، شاران بورو، معاملة هؤلاء العمال كالعبيد.
ولا تختلف أحوال العمال الوافدين في الدول الخليجية الأخرى. ففي السعودية يعاني كثير من العمال المهاجرين، بحسب ما تقول منظمة العفو الدولية، من الاستغلال وإساءة المعاملة. بالإضافة إلى ذلك، تشن السلطات السعودية منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني حملة شعواء على العمال الذين انتهت إقاماتهم، راح ضحيتها حتى الآن اثنان من العمال، خلال مواجهات بين الشرطة والعمال في العاصمة السعودية الرياض يوم التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني.
الغريب في الأمر أن دول الخليج الغنية لا يمكنها الاستغناء عن العمالة الوافدة، التي يشكل منها جزء صغير فقط عمالة مؤهلة، كالمدراء والأطباء والمهندسين. أما الباقون فيعملون في وظائف تتطلب جهداً جسدياً كبيراً، مثل تعبيد الطرقات وبناء المباني، إلى جانب قيادة سيارات الأجرة والشاحنات ووظائف لا يرغب أبناء البلد في القيام بها. ويأتي معظم هؤلاء العمال من الفلبين والهند ونيبال ودول آسيوية وإفريقية أخرى.
مشاكل في السفر وبعده
إلى جانب هؤلاء، تعمل في دول الخليج نحو مليوني خادمة، جاؤوا إليها هرباً من البطالة والفقر في دولهم. حول هؤلاء الخادمات يقول أظفر خان، ممثل المنظمة الدولية للعمل في الدول العربية، إن "هؤلاء الأشخاص يذهبون لأن ذلك هو خيارهم الوحيد". أما البقاء في دولهم ستكون له عواقب وخيمة، حسب ما يقول خان، في حوار مع DW.
ومن أجل الحصول على تصريح بالسفر إلى الإمارات العربية المتحدة أو السعودية أو الكويت أو قطر أو البحرين، يضطر المهاجرون إلى الاستدانة من مكاتب الوساطة. وعندما يصل هؤلاء العمال إلى دول الخليج، يحجز رب العمل جوازات سفرهم. ويوضح أظفر خان ذلك بالقول: "إن الاحتفاظ بجواز السفر يشبه العبودية"، مضيفاً أنه دون جواز سفر، يمكن فرض ساعات عمل طويلة وإضافية غير مدفوعة الأجر على العمال، إضافة إلى إجبارهم على التخلي عن إجازاتهم. علاوة على ذلك، تتلقى نقابات العمال شكاوى حول ضيق المساكن وساعات عمل طويلة في ظل درجات حرارة تزيد عن الأربعين درجة مئوية. كما أن العديد من مواقع البناء ليست مؤمنة بشكل كاف ضد الحوادث.
أما المشكلة الرئيسية فتتمثل في الأجور، التي تدفع إما متأخرة أو مجتزأة، وفقاً لمارييتا دياس من جمعية حماية العمال المهاجرين في البحرين. وعادة ما يبلغ متوسط الأجور 180 يورو، الذي لا يجب أن يكفي لتأمين متطلبات الحياة اليومية في الدولة المضيفة وحسب، بل وأن يذهب جزء منه إلى العائلة التي تنتظر في الوطن الأم.
وتوضح دياس أنه عندما يتأخر رب العمل في دفع الأجر، فإن الطريق القانوني سيكون مفتوحاً لمقاضاته، "إلا أن ذلك سيأتي بمزيد من المشاكل، مثل فقدان العامل لوظيفته في أي وقت". ورغم أن البحرين تمتلك أفضل قانون عمل على مستوى المنطقة، إلا أنها تنتقد أن هذا القانون لا يتم تنفيذه في الغالب.
نظام الكفيل يقوّض حقوق العمال
ويتفق أظفر خان من منظمة العمل الدولية مع مارييتا دياس في أن قوانين العمل في دول الخليج جيدة، إلا أن ما يسمى بنظام الكفيل يتخطى الحماية التي توفرها هذه القوانين. ويتلخص هذا النظام في أن "يكفل" مواطن خليجي العامل الأجنبي طوال فترة إقامته في الدولة، ويوفر له العمل وتأشيرة الدخول. لكن في نفس الوقت، يتحكم الكفيل في العامل بشكل تام، لأنه يحتفظ بجواز سفره. ويضيف خان: "نظام الكفالة يمنح الكفيل أكبر من اللازم"، ذلك أنه قادر على إملاء شروط العمل والأجور والسكن. كما لا يمكن للعامل تغيير عمله دون موافقة الكفيل. وحتى اللحظة، لم تتكلل كل الجهود الرامية إلى إلغاء هذا النظام بالنجاح.
منذ فترة طويلة يشكل العمال الوافدون الأغلبية في دول الخليج، إذ تبلغ نسبة الأجانب في قطر والإمارات نحو 80 في المئة. أما في البحرين والكويت، فتبلغ هذه النسبة أكثر من النصف قليلاً. وفي السعودية فقط يشكل المواطنون ثلثي إجمالي السكان. ومن أجل الحفاظ على هذا التوازن، حددت المملكة للعمال المقيمين فيها بصورة غير قانونية مهلة للحصول على عمل أو مغادرة البلاد.
لذلك، قام أكثر من مليون مهاجر حتى مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني بحزم حقائبهم ومغادرة البلاد. لكن الكثير منهم ما زال باقياً في البلاد حتى دون إقامة سارية. على إثر ذلك، نفذت الشرطة السعودية عدة غارات وجمعت الآلاف منهم في معسكرات تمهيداً لطردهم خارج البلاد، الأمر الذي تسبب في مصادمات عنيفة بين الطرفين.
ويشكو أحد هؤلاء العمال في الرياض، وهو من أثيوبيا ويدعى محمد صباح شيخ سعيد، من أن الشرطة وحدها ليست الوحيدة التي تطاردهم، مضيفاً: "هناك من يطلق عليهم اسم الشباب، وهم سعوديون مسلحون يهاجمون المهاجرين ويسرقون كل ما بحوزتهم".
من جانبها، تقول الناشطة المقيمة في البحرين مارييتا دياس إن المواطنين والسلطات وأرباب العمل يعاملون العمال الوافدين وكأنهم بشر من درجة ثانية، وتعتبر أن "هذا النمط من التفكير يجب أن يتغير. يجب عليهم معاملة هؤلاء العمال بشكل أكثر إنسانية وألا ينظروا إليهم كأنهم عبيد".