العلمانيون زرعوا والإسلاميون حصدوا
٢٤ فبراير ٢٠١٢غيّر العراق نظامه الديكتاتوري بمساندة ودعم تحالف دولي قادته الولايات المتحدة. بعد أعوام وجدت تجربته التي عاداها المحيط العربي والإقليمي صداها في التجارب التي صارت تعرف بالربيع العربي والتي اجتاحت المنطقة.
الملفت للنظر أن كل هذه التجارب أثبتت وتثبت فقدان الأحزاب العلمانية لمواقعها أمام أحزاب الإسلام السياسي. والملاحظة الجديرة بالاهتمام أن الأحزاب الإسلامية وصلت إلى السلطة عن طريق انتخابات ديمقراطية شفافة تمت بإشراف منظمات مجتمع مدني ودولية. الشارع منح أصواته للأحزاب الدينية، وخرجت الأحزاب العلمانية بجميع أشكالها ( قومية، ماركسية، ليبرالية) من العملية السياسية في المنطقة خاسرة. هذه الحقيقة تثير أسئلة عن سبب فشل الأحزاب العلمانية، لدرجة أن العلمانية أضحت صفة ذميمة تشبه الشتيمة يتجنبها حتى الساسة .
يتساءل المراقب في النهاية: كيف خسرت الأحزاب العلمانية جمهورها؟ ولماذا لم تستوعب الأحزاب العلمانية العربية والإقليمية مفهوم الديمقراطية وهي الممارسة الغربية اللصيقة بالعلمانية؟ وهل يحتمل أن تعود الأحزاب العلمانية إلى واجهة المشهد السياسي في المستقبل المنظور؟
"حرمان الشعوب من القرار ألجأها إلى الأحزاب الدينية"
حوار أول الكلام في منبر العراق اليوم من DW عربية حاول أن يستكشف ملامح ما يجري في المنطقة خارج مظلة العلمانية. شارك في الحوار من لندن الكاتب والأكاديمي د. نبيل ياسين مشيرا إلى "أن عدم امتلاك الأحزاب العلمانية لقادة وزعامات له سبب تاريخي يعود إلى 50 عاما، فقد هيمنت التيارات القومية على السلطة عبر انقلابات عسكرية وطرحت شعارات غوغائية ليس لها من سبيل للتحقيق على ارض الواقع، لكن المنطقة كلها شهدت منذ سبعينات القرن الماضي صعود تيارات دينية إسلامية ومسيحية ويهودية، بمعنى أن هناك صراعا دينيا في المنطقة ساهمت فيه الصراعات والحرب الباردة وعمقه غياب توزيع الثروات واستئثار السلطات به، وبالتالي أصبحت المجتمعات معزولة تماما عن القرارات السياسية التي تخص حياتها مما ألجأها إلى الدين باعتباره الحل الوحيد بما يحمله من آمال غيبية وصور روحانية تريح الناس".
"لم يكن في المنطقة أحزاب ليبرالية بل أحزاب شمولية"
ويذهب أغلب المدافعين عن الأحزاب الدينية إلى القول إن الشعوب العربية جربت الأحزاب اليسارية وجربت الأحزاب القومية وأصيبت بخيبة أمل من أداء هذه الأحزاب فلجأت إلى الأحزاب الدينية على سبيل التجربة. لكن د. نبيل ياسين يرد على هذا الطرح بالقول "المنطقة العربية لم تشهد أصلا وجود تيارات ليبرالية علمانية لا على المستوى الثقافي ولا على المستوى السياسي. بل شهدت أحزابا شمولية تصنف على أساس أنها علمانية، ومنها حزب البعث والحزب الشيوعي وأحزاب قومية أخرى لا علاقة لها بالدين ولكنها ليست علمانية".
وبيّن ياسين أن الأحزاب المشار إليها لا علاقة لها بالدين ولكن لا يمكن وصفها بالعلمانية لأنها "لا تفكر بطريقة ليبرالية، فتقيد الحريات، وهذا ما فعلته هذه الأحزاب فقد قيدت الحريات، إنها أحزاب إيديولوجية" وهو ما يناقض مبادئ الفكر العلماني "بل إن هذه الأحزاب قادت على مدى عقود حملة عارمة أضعفت العلمانية وسحقت مفكريها وقادتها".
ويرى الإسلاميون بشكل عام أنهم قد تحملوا العبء الأكبر من ظلم الأحزاب الشمولية المؤدلجة، فقد سجنوا وشردوا وصفي آلاف من ناشطيهم على أيدي أجهزة أمن السلطات الشمولية التي مضت ابعد من ذلك فرحّلت وأبعدت ونفت أسرا برمتها لمجرد انها كانت تتمسك بالخط الديني، وهو ما ذهب إليه الكاتب وإلاعلامي قاسم المرشدي، الذي شارك في الحوار من مدينة زيورخ بسويسرا مبينا أن"الإسلاميين عانوا ما عانت منه بقية شرائح المجتمع في الدول التي شهدت الربيع العربي ونجحت ثوراتهم في تونس ومصر واليمن. الأحزاب الإسلامية كانت منظمة، وتجربة الأخوان المسلمين في مصر هي خير دليل، فقد أشعل الشباب الثورة من خلال صفحات الفيس بوك والتويتر عبر الانترنيت، ولكن ثمارها ذهبت إلى حد إقامة الآذان تجت قبة البرلمان المصري أثناء انعقاد جلساته، فيما يناقش البرلمانيون الجدد إن كان ضحايا واقعة ملعب بورسعيد شهداء أم قتلى!".
المستقبل للأحزاب العلمانية
في العراق، وبعد فشلهم في جمع أصوات كافية في الانتخابات راهن كثير من الليبراليين على جولات انتخابية أخرى، وقاسمهم هذا الرأي كثير من شباب حركة 6 ابريل في مصر الذين أشعلوا فتيل الثورة وفشلوا في حصد أُكُلها، كما يشاركهم في هذا الاعتقاد شباب ثورة تونس الذين أسقطت تظاهراتهم السلمية زين العابدين بن علي في مجتمع أرسى مشهده السياسي الحبيب بورقيبة على قيم الليبرالية العلمانية.
الاعلامي قاسم المرشدي ذهب بدوره إلى نفس الرأي مشيرا إلى "أن الدول التي شهدت ثورات ما زالت تعيش مناخها ستشهد تغييرا في السنوات القادمة، بعد أن تستقر الأوضاع فيها، وسيذهب الناس إلى التصويت للدولة المدنية التي لا يقودها الإسلاميون، بل يقودها الليبراليون الذين يحترمون الدين والقانون. وعندنا نموذج مهاتير محمد في ماليزيا، والتجربة التركية، والتجربة الإيرانية أمثلة على ذلك، وحتى التجربة العراقية حين صوت الشعب للإسلاميين في البرلمان الأول، لكن في التجربة الثانية لم يحصل المجلس الأعلى- وهو حزب إسلامي- على نسبة أصوات جيدة".
واقترب نبيل ياسين من هذا الرأي مشيرا إلى أن المنطقة بحاجة للعلمانية لأن "الإسلاميين حين يصلون إلى السلطة سيضعون في طليعة أهدافهم التضييق على الحريات وتقليص المساحات الصغيرة لممارسة الحريات الاجتماعية، فيذهبون إلى فرض النقاب وفرض الحجاب والفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية والجامعات" . وبيّن ياسين أن العلمانية ليست ضد الأديان، بل هي مستقلة عنها ولا تقف بالضد منها، والإسلاميون يمارسون التضليل حين يعرفون العلمانية بأنها كفر وإلحاد، وقد أفشلوا مشروع جمال الدين الأفغاني الإصلاحي منذ القرن التاسع عشر بهذا النوع من الدعاوى.
وفي مجال المقارنة بين تجارب الشعوب، أشار نبيل ياسين إلى"أن الدستور الأمريكي العلماني يستهل ديباجته بعبارة إأيمانية مفادها أن الحرية هبة من الله وعلينا الحفاظ على هذه الهبة، وهذا يؤيد أن العلمانية لا تقوم على إنكار وجود الله ولا تعادي الأديان، بل إنها تحترم الأديان وتوفر لها الحماية وتسمح لها بإقامة طقوسها".
"الناخبون والمرشحون للبرلمان لم يعوا قواعد الديمقراطية"
تباينت آراء المستمعين بخصوص اتجاهات الحوار، فقد اعترض الصحفي خليل خباز من الموصل على ما ذهب إليه كل المشاركين مشيرا إلى "أن الأحزاب القومية العربية كانت مستهدفة من قبل أذناب الرأسمالية الأمريكية عبر تحالف بين الغرب المعادي للقومية والدين مع ما يسمى بالأحزاب الإسلامية في طليعتها الإخوان المسلمون، ولو قرأنا تاريخ هذه الأحزاب لشهدنا الدور الكبير الذي لعبته الأحزاب الإسلامية في تثبيت دولة إسرائيل على مدى 60 عاما ودورها في إفشال تجربة الأحزاب القومية التي حررت شعوب المنطقة من الاستعمار".
فيما ذهب ماجد من البصرة إلى أن"الناخبين والمرشحين للبرلمان لم يعوا قواعد اللعبة الديمقراطية، وما ذكره قاسم المرشدي بشأن الأصوات التي خسرها المجلس الإسلامي الأعلى أرد عليه بالقول أن ناخبي المجلس الأعلى انصرفوا عنه، لكنهم منحوا أصواتهم إلى تيار ديني آخر، هو التيار الصدري، بعد ذلك انضوا كثير من الساسة العلمانيين تحت خيمة ائتلاف دولة القانون الذي يقوده حزب الدعوة وهو حزب ديني ".
ملهم الملائكة
مراجعة: عارف جابو