العصا والجزرة - سياسة أوروبا الجديدة لوقف الهجرة من إفريقيا
٧ يونيو ٢٠١٦لم يفلح الاتفاق الأوروبي التركي لوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين في صد موجة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فبمجرد أن بدأ سريان هذا الاتفاق الذي لم يكن التوصل إليه بالأمر السهل، حتى بدأت مئات جثث اللاجئين والمهاجرين تطفو على مياه سواحل الجهة الشرقية للبحر المتوسط، وقد وصفت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأشهر الأولى من هذا العام بأنها أشهر "دامية بحق اللاجئين"، وأكد وليام سبيندلر المتحدث باسم المفوض أن نحو 206 آلاف شخص قاموا برحلة العبور المحفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا هذا العام. مشيرا إلى إن 2814 مهاجر ولاجئا لقوا حتفهم أثناء محاولة عبور البحر المتوسط منذ مطلع هذا العام.
يأتي هذا فيما كشفت المفوضية الأوروبية على خطة جديدة لمواجهة تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط وخصوصا القادمين من إفريقيا التي جاء منها معظم الذين قاموا برحلة العبور الخطيرة إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة.
كل المؤشرات تذهب في اتجاه البحث عن شركاء خارج القارة الأوربية، على غرار الشريك التركي، لاسيما بين دول شمال إفريقيا التي باتت المنطلق الرئيسي لقوارب الموت ودول جنوب الصحراء المنبع الأساسي للمهاجرين الاقتصاديين. لكن، ما مدى نجاح هذه الخطة؟ وإلى أي مدى يمكن الأخذ بعين الاعتبار مسألة حقوق الإنسان التي لم تأخذ حقها الكافي في الاتفاق الأوروبي التركي؟
سياسة العصا والجزرة
مع تسارع موجة الهجرة عبر قوارب الموت المنطلقة من دول شمال إفريقيا كليبيا تحاول المفوضية الأوربية تمهيد الأرضية لإبرام اتفاقيات مع دول افريقية وأخرى عربية لمعالجة "الأسباب العميقة" للهجرة وذلك قبل انعقاد قمة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المقررة في نهاية حزيران/يونيو في بروكسل والتي ينتظر أن تتخذ قرارات جديدة في مواجهة أزمة الهجرة.
المقاربة الأوربية لمعالجة هذه الأزمة تنطلق هذه المرة من منظور اقتصادي بحت، بحسب مراقبين داخل أروقة الاتحاد الأوروبي. فخبراء المفوضية الأوربية يركزون هذه المرة على دول جنوب الصحراء الكبرى، أي على السينغال والنيجر، ونيجيريا وحتى إثيوبيا، بالإضافة إلى دول شمال إفريقيا كليبيا وتونس، مؤكدين أن موضوع الهجرة بات ضمن أولويات السياسة الأوربية، الأمر الذي يرى فيه الكاتب المتخصص في شؤون الهجرة وسيم إبراهيم، على انه تحول في السياسة الأوربية التي باتت قائمة على مبدأ العصى والجزرة.
ويضيف في حوار مع DW عربية أن هذا التوجه مبني على "إرغام تلك الدول على التعاون في الحد من تدفق المهاجرين وتقديم كل التسهيلات لإعادتهم (المهاجرين) إلى أوطانهم مقابل تقديم الدعم الاقتصادي والاستثماري وحتى الأمني لهم"، ويؤكد وسيم ابراهيم أن عدم انخراط تلك الدول في التوجه الأوربي الجديد "سيعرضهم إلى عواقب اقتصادية، فأوروبا كقوة اقتصادية قادرة على التأثير بالسلب أو الإيجاب في اقتصاديات المنطقة".
وكان ماريو جيرو وزير الدولة الايطالي المكلف بالشؤون الإفريقية أوضح في منتصف أيار/مايو انه يتعين وضع "معاهدة أوروبية افريقية كبرى تشمل استثمارات سخية" للحد من ظاهرة الهجرة الاقتصادية، منتقدا في الوقت نفسه المبلغ الذي أقرته قمة فاليتا بهذا الشأن والمقدر ب 1.8 مليار يورو، قائلا إن هذا المبلغ لا يمكن أن يحقق أهداف الاتحاد الأوروبي.
حسابات خيالية تصطدم بالواقع
لكن يبدو أن الأرقام التي تحدث عنها ديميتريس افراموبولوس مفوض شؤون الهجرة بالاتحاد الأوروبي تفوق بكثير تلك المعلنة في قمة فاليتا، فبحسب صحيفة "دي فيلت الألمانية"، فقد أكد افراموبولوس أن الاتحاد الأوروبي سيدرس خطة استثمارية طويلة الأمد مع تلك الدول الإفريقية والشرق أوسطية المذكورة وقد تصل إلى نحو 31 مليار يورو، وستقوم المفوضية الأوربية بتوفير 3.1 مليار يورو منها قبل عام 2020، وأشار افراموبولوس أن هذه الخطة قد تتوسع إلى أكثر من 60 مليار يورو في حال إشراك كل دول الاتحاد الأوروبي والشركات الاقتصادية والاستثمارية الخاصة.
هذه الأرقام الخيالية قد تدفع دول المنشأ ودول العبور إلى التعاون مع الاتحاد الأوربي، بحسب الأستاذ غسان ابراهيم، رئيس تحرير الشبكة العربية العالمية ومقرها لندن، لكن القضية الأهم، بحسب رأيه، تبقى في كيفية استغلال تلك الأموال في إحداث حركة اقتصادية تنعكس على المواطن البسيط، مشيرا إلى تفشي الفساد نتيجة عدم الشفافية وغياب الديمقراطية في معظم تلك الدول. ويتساءل غسان ابراهيم في حوار مع DW عربية، "كيف سيتم اجبار دولة كليبيا، التي تغيب فيها مؤسسات الدولة، على الوفاء بتعهداتها، وكيف سيتم التوفيق بين طموحات اوروبا للجم تدفق اللاجئين وضرورة الالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين؟"
بين البراغماتية و"الأحلام المثالية"
"ما بات مؤكد الآن أن الاتحاد الأوروبي أصبح ينظر إلى الاتفاق المبرم بينه وبين تركيا بشأن الهجرة على انه اتفاق مثالي، بالرغم من انتقادات المنظمات الحقوقية له"، يقول الكاتب وسيم ابراهيم. ويضيف أن خبراء ومسؤولي المفوضية الأوربية لم يطرحوا مسألة حقوق الإنسان لدى تقديمهم لفكرة التعاون الأوروبي الإفريقي المتعلقة بالهجرة. كما يشير إلى ما صرح به رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك حينما دعا إلى التخلي عن "الأحلام المثالية" لتعزيز التكامل الأوروبي ودرء الأخطار المحدقة بالاتحاد، في إشارة إلى تصاعد اليمين المتطرف بسبب موجة الهجرة واللجوء. ومن هنا فإن "الاتحاد الأوروبي تيقن أن السياسات المثالية المتعلقة بحقوق الإنسان لم تعد تنتج سياسات ناجحة"، ويتساءل وسيم ابراهيم "كم راعى الاتحاد الأوربي مسألة حقوق الإنسان والحريات حينما ابرم اتفاق الهجرة مع تركي؟.
في ذات السياق يقول الأستاذ غسان إبراهيم، إن "الاتحاد الأوروبي يحاول إيجاد حلول وبسرعة لقضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية، والتي باتت تشكل معضلة أمنية قبل كل شيء". مشيرا إلى التحذيرات الأمنية التي أطلقتها العديد من أجهزة الأمن الأوروبية والتي تؤكد أن عناصر إرهابية تسللت ضمن أفواج اللاجئين، "الأمر الذي يدفع بالقادة السياسيين في دول الاتحاد إلى انتهاج سياسة أكثر تشددا مع المهاجرين واللاجئين بعيدا عن المبادئ حقوق الإنسان".