العراق وسوريا: أزمة عابرة للحدود
١ مارس ٢٠١٣السفارة الأميركية في بغداد حذرت هذا الأسبوع من أن تنظيم القاعدة وجماعات أخرى مرتبطة به يحاولون "نقل الأموال والمقاتلين" إلى جميع دول المنطقة، وبينها العراق وسوريا. بل إن إعلانات ما يسمى بدولة العراق الإسلامية بدأت تتحدث بوضوح عن صولات وهجمات تستهدف المكون الأكبر في البلد، وهو ما يهدد بقيام حرب طائفية جديدة.
هذه المرة المخاوف صارت أكثر واقعية، فالأزمة الدموية في سوريا بدأت تتمدد الى العراق شرقا والى لبنان غربا، وهذا يهدد بتفاقم الوضع في ظل تظاهرات مستمرة في مناطق غرب العراق منذ شهرين، وقد تحولت مطالبها إلى مطالب طائفية .
أنشا الجيش الحر في غرب البلاد، ومقابل ذلك وفي موازاته وكرد فعل عليه أعلن تشكيل جيش المختار.
الصحفي الألماني شتيفان بوخن في حديث إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية، اعتبر أن هذه التطورات الخطيرة تؤكد أن خارطة جديدة ترسم للمنطقة كما قال معلقا على الوضع في ضوء زيارات متكررة قام بها لسوريا.
" من يرسم خارطة المنطقة اليوم هي الولايات المتحدة وإسرائيل"
في نفس الاتجاه تحدث الباحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية نزار السامرائي إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية مشيرا إلى أن المنطقة تشهد رسما جديدا للحدود بإرادة الدول الكبرى لتحقيق سايكس بيكو جديدة وفق مقص آخر، إلا أنه عاد ليؤكد أن ما يجري في المنطقة لا يطابق بالضرورة حسابات الدول الكبرى ثم كرر القول بأن" من يرسم خارطة المنطقة اليوم هي الإرادة الدولية ملتقية في الولايات المتحدة وإسرائيل".
وفي معرض تعليقه على الحرب الجارية في سوريا اعتبر السامرائي أن إسرائيل ليست موافقة على سقوط نظام بشار الأسد وهذا يفسر صموده لمدة سنتين واستمرار تماسكه.
" غرب العراق وشرق سوريا سنية فأين الحديث عن هلال شيعي؟"
لكن الناشط السياسي السوري عارف جابو مسؤول العلاقات العامة في المركز الكردي للدراسات والاستشارات القانونية "ياسا" وقد شارك في الحوار من أستوديو دي دبليو في بون لم يتفق مع مجمل هذه التصورات، وتناول بالتحليل معطيات ما يجري على الأرض في ضوء حقائق تفرضها الجغرافية مشيرا إلى أن ما جرى على تسميته الهلال الشيعي الممتد من إيران عبر العراق وسوريا وصولا إلى لبنان أمر غير واقعي وغير صحيح من الناحيتين الجغرافية و الديموغرافية " لأن مناطق غرب العراق وشرق سوريا سكانها ليسوا من الشيعة، فكيف سيكتمل الهلال المشار إليه، هل ستجرى عمليات تطهير عرقي لملايين الناس لغرض السيطرة على هذا الجزء من العراق وسوريا؟".
وتساءل جابو ، كيف يمكن وصل الهلال الشيعي المفترض مع لبنان، فمناطق حمص ودمشق المحاددة للبنان ليست شيعية؟
"التقسيم فرضية لا أساس لها على الإطلاق"
الناشط السياسي العراقي صادق الموسوي أكد ل DW عربية أن ما يجري في سوريا كان منذ البداية متلازما مع ما يجري في مناطق غرب العراق.
ويتساءل المراقب أن كان هذا الكلام قد يعني أن غرب العراق قد ينضم إلى شرق سوريا ليشكلا دولة سنية، مقابل دولة شيعية في جنوب العراق وفي غرب سوريا ولبنان، فيما قد يشهد الأكراد قيام دولة تضم أقاليم الكرد في الشتات فيتحقق حلمهم بكردستان الكبرى.
لكن الكاتب والباحث زار السامرائي اعتبر مجمل المشروع خياليا لأنه قائم على فرضية أن العراقيين والسوريين راضون عن تقسيم بلديهم إلى دول أخرى متسائلا " من قال أن العراقيين في المنطقة الغربية يمدون أيديهم لتقسيم سوريا أو تقسيم العراق؟ هذه فرضية لا أساس لها على الإطلاق" .
واعتبر السامرائي أن الحديث عن مثل هذه المشاريع هو مجرد حديث إعلامي يقصد منه القول أن تنظيم القاعدة هو الذي يسعى إلى هذا، في حين أن " تنظيم القاعدة لا يؤمن أصلا بالكيانات القائمة حاليا".
"استغرب من دفاع العرب عن حدود سايكس بيكو"
يذكر أن مناطق غرب العراق وشرق السورية تشترك في الأنساب القبلية والزيجات المتبادلة وتجمعها مصالح تجارية وزراعية متشابكة منذ قرون طويلة، و قد تكون هذه هي الأرضية المناسبة لتطوير مشاريع سياسية جديدة، والى ذلك أشار الناشط عارف جابو، مبنيا أن سكان دير الزور السورية المقابلة لمحافظة الانبار معروفون في سوريا بأنهم عراقيو الهوى، وليس سرا أنهم كانوا يؤيدون صدام حسين ويدافعون عنه بحماس، وخلص إلى القول إن إمكانية تحقق دولة تجمع سكان الجانبين في ظل الأوضاع الراهنة موجودة ويسيرة.
وتساءل الناشط السياسي السوري عارف جابو عن سبب الاستهجان الكبير الذي يبديه كثير من الناس إزاء قضية إعادة رسم خرائط المنطقة، و"كلنا نعلم أن هذه الخرائط وضعت بموجب اتفاقية سايكس بيكو التي يقول اغلب العرب أنها جرت ضد إرادة الشعوب، واليوم حيث توشك بلدان جديدة إن تظهر ليعاد رسم المنطقة، نسمع أصوات نفس من أدانوا سايكس بيكو يدافعون عنها ويتمسكون بحدودها".
ويطرح احتمال قيام دولة سنية غرب العراق وشرق سوريا، أسئلة حول موارد هذه الدولة، ويرى الصحفي الألماني المتخصص بشؤون المنطقة شتيفان بوخن أن الموارد ستكون سببا لصراع جديد، لكن الباحث والكاتب نزار السامرائي اعتبر أن الحديث عن الموارد فيه كثير من الدعاية السياسية ولا يستند إلى معطيات الأرض، مبينا أن ارض الانبار تضم اكبر حقل غاز طبيعي مخزون غير مستثمر في العراق ، في إشارة إلى أن هذا المخزون سيكون مصدرا للثروة في المنطقة الغربية إذا انقسم البلد. وعاد السامرائي ليدافع عن تغيرات في الخارطة العربية رابطا دفاعه بشرط أن تقود التغيرات إلى الوحدة العربية، ومبديا في نفس الوقت اعتراضه على تغيير الحدود والخرائط لإنتاج دويلات ، ومعتبرا أن ليبيا المنقسمة الآن كانت على طول تاريخها الحديث دولة اتحاد، وليس دولة وحدة، ولا يصح القياس عليها.
"التحالف الشيعي مع إيران حتمية جيو سياسية"
عند الحديث عن مشروع دول سنية مقابل دول شيعية ، تكون إيران عنصرا حاسما في تقرير الموقف، والى ذلك أشار الناشط السياسي صادق الموسوي مبينا أن" إيران قوة كبرى مؤثرة في المنطقة و أن التحالف الشيعي العربي مع إيران أضحى اليوم حتمية تاريخية و جيو سياسية" .
ولا يفوت أي مطلع على شؤون المنطقة ملاحظة شكل التحالفات بصبغتها الطائفية التي تسود الساحة اليوم لدرجة أن الحديث متداول ومتواتر عن حقيقة أن السعودية وقطر وتركيا تعدم الطائفية السنية ، فيما تدعم إيران الطائفة الشيعية حيثما كانت، ورأى الناشط السياسي عارف جابو، أن هذا الموضوع لم يعد من المسكوت عنه، بل أصبح واقعا سياسيا قائما بالفعل وعلى الجميع التعامل معه كحقيقة.
اتصالات المستمعين في الغالب ذهبت إلى رفض فكرة قيام دولة شيعية مقابل دولة سنية تمتد من غرب البلد إلى شرق سوريا.