العراق: موسم هجرة الأقليات
١٥ مارس ٢٠١٣طالت يد الإرهاب المسيحيين في العراق في هجمات متكررة ودامية في السنوات العشر الأخيرة، وأدت هذه الهجمات إلى مقتل أكثر من 900 مسيحي وإصابة نحو ستة آلاف بجروح وتدمير أكثر من ستين كنيسة. ويقول بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق لويس ساكو "كانت هناك 300 كنيسة في العراق ولم يبق منها سوى 57، وحتى المتبقية فهي معرضة للاستهداف".
أخر العمليات الإرهابية التي طالت كنائس المسيحيين كانت في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2010 حين اقتحم عدد من المسلحين كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك الواقعة في منطقة الكرادة وسط بغداد وقتلوا 44 من المصلين بالإضافة إلى كاهنين وستة من عناصر الأمن. وتبنى تنظيم "دولة العراق الإسلامية" التابع لتنظيم القاعدة، الهجوم الذي نفذ خلال القداس و حكم على ثلاثة أشخاص مرتبطين بالتنظيم بالإعدام اثر إدانتهم بالتورط في الهجوم.
ساهمت هذه الهجمات وخصوصا جريمة سيدة النجاة في دفع المسيحيين الذي كانوا يشكلون 5 % من إعداد السكان نحو الهجرة إلى الخارج.
ازدياد البطالة وفقدان الأمن
فقدان الأمن ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه المسيحيين في العراق وإنما هنالك عدة مشاكل اجتماعية واقتصادية يعانون منها. في لقاء مع مراسل وكالىة الانباء الفرنسية في بغداد قال راعي كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك القس بيوس قاشا إن "أوضاع المسيحيين منذ 2003 وحتى الآن تتجه نحو الضياع"، مشددا على أن "أهم أسباب المعاناة هي الظروف الأمنية والبطالة" التي تقارب الـ 11 بالمائة وفقا للإحصاءات الرسمية لعام 2011 وتزيد عن 35 بالمائة بحسب أرقام غير رسمية. ويتابع قاشا "كانت لدينا 1300 عائلة في كنسيتنا، ولم يبق اليوم سوى 400 إلى 500 عائلة فقط".
وزيرة الهجرة والمهجرين السابقة باسكال وردا أوضحت من جهتها إن "كثير من الشباب المسيحيين يريدون الهجرة وعندما اسألهم لماذا، يقولون لي وفري لنا العمل لنعيش والأمن لنبقى. هنا اصمت واعجز عن الإجابة".
نزوح داخلي وهجرة إلى الخارج
منظمة حمورابي لحقوق الإنسان نشرت تقريرا أكدت فيه نزوح 325 ألف مسيحي من منازلهم إلى مناطق أخرى داخل العراق في السنوات الأخيرة، فيما أشار رئيس المنظمة وليم وردا إلى أن "السنوات العشر الأخيرة كانت الأسوأ على مسيحيي العراق لأنها شهدت اكبر حالة نزوح وهجرة لهم في تاريخ العراق"، مؤكدا إن عدد المسيحيين انخفض من حوالي مليون و400 ألف في 2003 إلى قرابة نصف مليون حاليا، ما يعني هجرة أكثر من ثلثيهم إلى خارج البلد.
أما في مدينة البصرة الجنوبية فقال عماد عزيز احد مسؤولي الكنيسة الكلدانية في المدينة إنه لم يبق في البصرة سوى 450 عائلة مسيحية بعد أن كان عددها 1150 عائلة في سنة 2003.
مسيحيو الشرق الأوسط الأكثر تضررا من "ثورات الربيع العربي"
لا يرتبط قلق المسيحيين في العراق بما يحدث في بلدهم فقط وإنما يثير مخاوفهم تصدر الإسلاميين المشهد السياسي في عدد من هذه الدول العربية، وكذلك بوادر صراع كبير بين السنة والشيعة.
راعي خورنة مار يوسف في بغداد الأب سعد سيروب حنا قال لوكالة فرانس برس إن "السنوات القادمة ستكون صعبة جدا على الجماعات المسيحية في الشرق الأوسط والعالم العربي، إذ أن الجميع أمام تحد يكمن في مدى المحافظة على هذه الجماعات وصون حقوقها وخصوصيات دياناتها وتقاليدها".
وأوضح الأب سعد سيروب حنا "لا اعرف كم من النضج متوفر لدى قادتنا وسياسيينا وأصحاب ثورات الربيع العربي حتى يتفهموا هذا التحدي ويجعلوه ممرا لخير وبناء الوطن".
ويتوزع المسيحيون على محافظات بغداد ونينوى وكركوك، وكذلك دهوك وأربيل في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، وتتواجد أعداد محدودة منهم في محافظة البصرة في جنوب العراق، وهم يقيمون مع باقي مكونات المجتمع علاقات طيبة تمتد إلى مئات السنين، ويمثلهم وزير واحد في الحكومة العراقية وخمسة نواب في البرلمان المؤلف من 325 نائبا. كما يشغل ممثلون عنهم ثلاثة مقاعد في مجالس محافظات بغداد ونينوى والبصرة. وتشير وثائق تاريخية إلى أن المسيحيين كانوا من الأوائل الذين عاشوا في العراق، وبحسب الأب سعد سيروب حنا فان المسيحيين موجودون في بلاد ما بين النهرين منذ نهاية القرن الأول ميلادي وبداية القرن الثاني.
ز أ ب / م.م/ أ ف ب