العراق: عقوبة الإعدام لمثليي الجنس؟
٧ سبتمبر ٢٠٢٣يبدو رائد المالكي، النائب في البرلمان العراقي، واثقا من الأمر: فهو يعتبر الحياة الجنسية التي تنحرف عن التقاليد السائدة خطرا على بلاده أيضا. ولذلك من المهم "حماية وحدة المجتمع العراقي من الانحرافات والدعوات الجنسية الشاذة التي ابتلي بها العالم"، على حد تعبير المالكي. هكذا برر، وفق تقارير صحفية، الطلب القانوني الذي قدمه إلى مجلس النواب العراقي في منتصف أغسطس/آب الماضي. يهدف الطلب إلى استكمال ما يسمى "قانون مكافحة البغاء"، ليشمل ظاهرة لا علاقة لها بالبغاء: أي الأشكال المختلفة للجنس والحب ما عدا الجنس في إطار الزواج بين الرجل والمرأة.
وفي حال إقرار مشروع القانون، الذي تمت قراءته الأولى الشهر الماضي، فسيتم فرض "عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد" لأي شخص أقام علاقة جنسية مثلية. كما يستهدف القانون النساء المتحولات جنسيا. وينص القانون على عقوبة السجن لمدة تصل حتى ثلاث سنوات أو غرامة تصل إلى ما يعادل حوالي 7100 يورو لكل من "تشبّه بالنساء". يتم تعريف "التشبه بالنساء" على أنه "وضع المكياج أو ارتداء الملابس النسائية" أو "التصرف كامرأة" في الأماكن العامة.
ووفقا لدراسة أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن مشروع القانون يساوي العلاقات الجنسية المثلية مع "الشذوذ الجنسي". وهي "العلاقات الجنسية المتكررة بين أفراد من نفس الجنس". كما ينص مشروع القانون على معاقبة "الترويج للمثلية الجنسية" بالسجن لمدة سبع سنوات وغرامة تصل إلى ما يعادل 10.600 يورو. ووفقا لهيومن رايتس ووتش، فإن القانون لا يحدد بالضبط ما هو المقصود بـ "الترويج للمثلية الجنسية".
توقيت المبادرة ليس من قبيل الصدفة
رشا يونس، المتخصصة لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، في مجال حقوق المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين في الشرق الأوسط، ترى أن توقيت طرح هذه المبادرة التشريعية ليس مصادفة. بل يرتبط الأمر بالاستياء السياسي والاجتماعي العام في البلاد والاحتجاجات الناتجة عنه. وتضيف يونس في حديثها لـ DW: "تأتي المبادرة في وقت تكافح فيه الحكومة العراقية من أجل تلبية المطالب الأساسية للمحتجين، مما يؤدي إلى مزيد من الانهيار في العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين".
وتشير رشا يونس إلى أنها "استراتيجية حكومية لاستخدام الخطاب والقوانين كسلاح ضد مجتمع الميم. والهدف هو تعبئة رأي عام، غير مطلع إلى حد كبير، ضد مجموعة مهمشة".
وتستطرد رشا يونس: لقد "نفذت مجموعات مسلحة وأفراد هجمات ضد أشخاص يُعرفون بأنهم من مجتمع الميم، على مدى عقود، من أجل (تأديب) أي انحراف عن المعايير في العراق". إن عشوائية الهجمات وحدوثها في كثير من الأحيان علنا وفي وضح النهار، تشهد على مناخ الإفلات من العقاب الذي يعيش فيه مرتكبو الجرائم. وتضيف خبيرة هيومن رايتس ووتش: إنهم يعرفون أنهم سيفلتون من العقاب. وتقول يونس لـ DW: في هذا السياق، فإن إقرار قانون يجرم المثلية الجنسية لن يؤدي سوى إلى صب الزيت على النار. إنها إهانة للأفراد الذين يحاولون بالفعل حماية أنفسهم من الجماعات المسلحة التي تطاردهم على نطاق واسع".
ويتفق أمير عاشور، مؤسس منظمة "عراق كوير" غير الحكومية، مع ذلك، ويرى أنه إذا تم إقرار مشروع القانون، فلن تواجه الحكومة العراقية والجماعات المسلحة وغيرهم ممن هاجموا المواطنين المثليين عواقب قانونية. ويضيف أن "القانون يتعارض مع القوانين العراقية والدولية التي تضمن الحماية المتساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن ميولهم الجنسية".
"الشذوذ" بدلا من "المثلية الجنسية"
وكانت الدولة قد انقلبت في بداية شهر أغسطس/ آب بالفعل على مجتمع الميم. ففي الثامن من أغسطس/آب الفائت 2023 أصدرت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية توجيها يلزم وسائل الإعلام في البلاد باستبدال مصطلح "المثلية الجنسية" بمصطلح "الشذوذ الجنسي". الإستراتيجية الشعبوية - المتمثلة في اتخاذ المثليين ككبش فداء، وسط مناخ من عدم الرضا السياسي والاجتماعي من جهة، والنفور من التأثيرات الغربية - يبدو أنها ناجحة. ففي سياق الاحتجاجات ضد حرق القرآن في السويد هذا الصيف، أشعل المتظاهرون أيضا راية مجتمع الميم. وفي مناسبات أخرى تم دهسها عمدا بازدراء.
وفي منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق، يريد أعضاء البرلمان المحلي اتخاذ إجراءات ضد مجتمع الميم. ففي سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2022، قدموا "مشروع قانون يحظر الترويج للمثلية الجنسية". وينص في أحد مواده على معاقبة كل من يدافع عن حقوق المثليين.
وأخيرا، في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، نشر رجل الدين الشيعي المؤثر مقتدى الصدر بيانا على تويتر دعا فيه إلى "توحيد جهود المؤمنين والمؤمنات حول العالم لمحاربة" مجتمع الميم. وأضاف أن ذلك يجب أن يتم "ليس بالعنف أو القتل أو التهديد، بل بالتثقيف والوعي والأساليب المنطقية والأخلاقية".
انتشار المشاعر المعادية للمثليين
وتتكرر باستمرار حالات يبلغ فيها متضررون عن أعمال عنف، مميتة أحيانا، ضد مجتمع الميم. وفي العام الماضي مثلا، قال عراقي متحول جنسيا يبلغ من العمر 43 عاما لمجلة رصيف 22 التي تهتم أيضا بأحوال مجتمع الميم في الشرق الأوسط: "عندما أسمع عن مقتل شاب في العراق بسبب ميوله الجنسية، أشعر بالحزن الشديد والخوف في نفس الوقت". ويضيف: "أعلم أنني في خطر دائم وأنه ليس لدي خيار سوى الفرار أو انتظار الموت. يجب أن يكون كل إنسان آمنا وحرا في اختيار ما يريد في حياته".
ورغم أن الشرق الأوسط يعرف منذ قرون المثلية، التي لها تقليد قديم هناك غالبا ما يتم إنكاره اليوم، فلم يتم "استيراد" المثلية الجنسية بأي حال من الأحوال من الغرب. ومع ذلك، فإن مسودة القانون التي تتم مناقشتها الآن في البرلمان تلتقي مع مزاج واسع النطاق مناهض للمثلية الجنسية في العراق وفي دول أخرى في المنطقة، وغالبا ما يكون ممزوجا بالاستياء المناهض للغرب. فبحسب "مؤشر المساواة" (Equaldex)، الذي يركز على حقوق مجتمع الميم، اعتبر، في عام 2022، ما يقرب من 56 بالمئة من العراقيين أن المثلية الجنسية غير مقبولة. ومثلهم تقريبا لا يستطيع أن يتخيلوا السكن بجوار جيران مثليين. ةفي السابق كانت الأرقام أسوأ من ذلك: في عام 2014، اعتبر ما يقرب من 84 في المئة المثلية الجنسية غير مقبولة. ورفض حوالي 80 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع العيش بجانب جيران مثليين.
وبشكل عام، وبالنظر إلى معايير مثل الرقابة والتمييز والقبول الاجتماعي للأشخاص المثليين، يصنف مؤشر المساواة/ Equaldex العراق في المرتبة 151، من أصل 197 دولة.
"الحفاظ على الأسرة" كهدف أعلى
يرتكز النفور من جميع أشكال المثلية والعبور الجنسي بشكل أساسي على الوعي الجماعي للعائلات العربية، كما كتب الكاتب عمرو القاضي، الذي يعيش الآن في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في مقال لمجموعة "هذا العربي حر الجنس".
"أنت لست أنت، أنت أنا"، هكذا قالت له والدته عندما كان في الخامسة عشرة من عمره وأراد ارتداء جوارب وردية، كما كتب في مقاله. ويضيف المؤلف بأنه لا يستطيع التحدث باسم جميع العائلات العربية، و"لكن في المجتمع العراقي الذي نشأت فيه، يرى الأهل أن أطفالهم امتداد لأنفسهم - وليس كأفراد مستقلين لهم رغباتهم وأحلامهم الخاصة، يرونهم كمنتجات ثانوية للجينات العراقية التي هدفها الوحيد هو تأمين استمرار الأسرة". وهذا هو السبب في أن التوجهات الجنسية التي لا تتوافق مع معايير العلاقات بين الجنسين ولا يكون هدفها الإنجاب واستمرار العائلة، فإن مصيرها الحظر غالبا.
وبشكل عام، فإن التطورات في العراق ليست مفاجئة للأسف، كما ترى تيا براون، رئيسة مؤسسة الكرامة الإنسانية، التي تدافع عن حقوق الأقليات. وهي بالتالي غير مقبولة. وتنتقد براون بشكل خاص عقوبة الإعدام لمثليي الجنس. وتشدد على أنه من الواضح أنها "عقوبة غير ملائمة وقاسية، على سلوك يحصل بالتوافق (بين طرفين)، وتحميه حقوق الإنسان".
كيرستن كنيب/ف.ي