العراق- صراع أصحاب النفوذ حول حكومة التكنوقراط وآفاق الحل
٧ أبريل ٢٠١٦المعركة التي يخوضها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع البرلمان، لم تنته بمجرد تقديمه أسماء التشكيلة الحكومية الجديدة، إذ يشير المشهد العام إلى معركة سياسية داخلية، قد تغير المعادلة في العراق، الذي يعاني أصلا من تجاذبات القوى والكتل السياسية فيه.
مبادرة العبادي أيدها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وفي المقابل هدد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، عمار الحكيم، بالعمل على إسقاطها. كما يواجه العبادي انسحابات من قائمة المرشحين الوزارية التي وضعها، والتي كان أخرها انسحاب علي علاوي من وزارة المالية، وانسحاب المرشح لوزارة النفط نزار دوسكي، لأسباب تتعلق بعدم تنسيق العبادي المسبق مع الفصائل الكردية.
وكان العبادي قد قدم للبرلمان العراقي الخميس (31 آذار/مارس 2016) قائمة تضم 14 اسما من التكنوقراط، في خطوة تهدف لتخليص الوزارات العراقية من براثن نخبة سياسية، استغلت نظام الحصص العرقية والطائفية، حسب قول العبادي لوكالات الأنباء.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة أحدثت معارضة كبيرة للعبادي من داخل الأحزاب السياسية العراقية، والتي رأت فيها تعديا على حصصها الوزارية، وإضعافا لسلطاتها.
تسلط الأحزاب على الدولة
وفي حوار مع DW عربية قال الإعلامي والكاتب العراقي كريم بدر إن العبادي "يحاول بهذه الخطوة الحد من سلطة الأحزاب التي باتت تهدد سلامة الدولة." وأوضح الإعلامي العراقي، الذي يعيش في هولندا أن "القضاء على الفساد، ومكافحة السرقات، تستلزم التخلص من تسلط الأحزاب على مسارات الدولة." ووصف بدر الدولة العراقية بأنها أصبحت "منتهكة" من قبل الأحزاب السياسية، وهو ما يستوجب دعم خطوات العبادي، حسب تعبيره. وتابع كريم بدر: "انهيار مؤسسات الدولة، ومنها الجيش العراقي، وسقوط الموصل بأيدي تنظيمات إرهابية، كل هذا يظهر مدى الفساد الموجود في الدولة. ويستلزم ذلك تحركا جديا من العبادي، ومن المواطنين في العراق من أجل فرض واقع جديد، ومن أجل إنهاء سلطة الأحزاب الفاشلة، التي أصابت الدولة بالفساد، وأفقرت الناس."
ورغم أن العراق لديه واحد من أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم؛ يعاني أبناؤه البطالة وانقطاع الكهرباء وسوء الخدمات العامة. وقد زاد ذلك من مشاعر الاستياء من الفئة الحاكمة، وتنهال عليها الاتهامات بتبديد الإيرادات، التي تحققت خلال نحو عشر سنوات، شهدت ارتفاعا في أسعار النفط. ويجئ العراق في المرتبة الـ161 من بين 168 دولة على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد.
"مشكلة العراق أخلاقية"
من جهته يرى الكاتب والمحلل العراقي عبد الخالق حسين في حوار مع DW عربية أن المشكلة التي يواجهها العراق هي "أخلاقية" بالدرجة الأولى، وقال: "إن تضخم العملة العراقية، والفساد الذي كان قائما في عهد صدام، أدى إلى انتشار الرشاوى داخل المجتمع. ورغم زيادة الرواتب بشكل كبير فيما بعد، وتحسن الحالة الاقتصادية؛ بقي الفساد منتشرا بين الناس."
ويرى الباحث العراقي المقيم في لندن أن فكرة تشكيل حكومة التكنوقراط المستقلة فكرة جميلة جداً من الناحية النظرية. لكن يعيبها أنها "غير عملية"، كما يقول. فحكومة التكنوقراط إذا ما أريد لها النجاح يجب أن تحظى بقبول البرلمان ودعمه وإلا فإن هذا يعني "إنقلابا على الديمقراطية"، والمشكلة الأخرى التي يراها الباحث هي "وجود وتعريف الجهة المخولة باختيار هؤلاء التكنوقراط."
ويبدو أن المشهد يزداد تعقيدا، فعلاوة على ذلك لا يزال العراق مثقلا بالدمار، الذي خلفه احتلال تنظيم "داعش" لبعض مدنه. كما أن الجيش العراقي يستعد حاليا لخوض معركة ضخمة من أجل استعادة الموصل من التنظيم الإرهابي. ويتوقع مشرعون ومحللون أن يرفض البرلمان ما يصل إلى نصف عدد المرشحين بالقائمة. لكن هذا لن يمثل مشكلة كبرى للعبادي؛ ما دام سيكون لديه في النهاية عدد كاف من الخبراء المستقلين سياسيا.
الحل في توافق حزبي تكنوقراطي
من جهته أكد الصحفي والمحلل السياسي سربست بامرني، في حوار مع DW عربية، أن عدم قدرة الأحزاب على قيادة الدولة هو أمر طبيعي؛ لكونها أحزاباً ذات صبغة دينية، ولا تستطيع مواكبة التجربة المدنية. ويرى بامرني أن مبادرة العبادي لن تستطيع أن تفرض نفسها، وأضاف أن العبادي لم يشاور بقية الأحزاب بأسماء القائمة المرشحة للوزارة. وتابع الصحفي المقيم في ألمانيا "لو فشل العبادي في تشكيل الوزارة، فهناك مبادرة من عمار الحكيم من أجل حجب الثقة عن رئيس الوزراء العراقي."
ونفى بامرني أن يكون هنالك تسلطا من القيادة الكردية، من أجل فرض أسماء معينة، وقال إن الأحزاب السياسية الكردية اجتمعت سابقا في السليمانية، واتفقت على كيفية مخاطبة الحكومة المركزية، وانسحاب وزير النفط كان دليلا على عدم التنسيق.
أما عبد الخالق حسين فيؤكد من جهته "أن المشكلة العراقية لا تتمثل في نقص الخبرة لدى الوزراء المقصرين في واجباتهم، وإنما تكمن في نقص الإخلاص الوطني، وغياب الضمير المهني، وعدم الالتزام بالقوانين، والصراع والمنافسة الشرسة بين الكتل السياسية المشاركة في السلطة، فبعض تك الكتل شارك أصلاً من أجل شل عمل الحكومة."
ولذلك يرى حسين أن الحل لا يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب، وإنما في تشكيل حكومة "الأغلبية البرلمانية" من الكتل المتقاربة والمنسجمة في مواقفها السياسية. على أن تختار كل كتلة الأفضل من عندها من التكنوقراط للوزارة التي صارت من حصتها. ولا بأس من شمولها بعدد من التكنوقراط المستقلين، من ذوي الخبرة والسمعة الحسنة، حسب عبدالخالق حسين.