العراق تربة خصبة للاستثمارات الأمريكية والبريطانية
يعتبر العراق أرضاً خصبة للاستثمارات الأجنبية وخاصة الأوروبية والأمريكية منها. فبعد انتهاء الحرب هناك قبل حوالي عامين، تسابقت الشركات الأجنبية على توقيع عقود العمل بهدف إعادة إعمار العراق. وفي السنوات الأخيرة تدفقت مئات مليارات الدولارات على العراق، واستطاعت الكثير من الشركات الأمريكية، تثبيت أقدامها في هذا البلد الغني بالذهب الأسود. لكن السؤال يبقى عالقاً: ترى بماذا عادت هذه الأموال على العراق وشعبه؟ ففي دراسة نشرتها المنظمة البريطانية غير الحكومية كوربوريت ووتش Corporate Watch بالتعاون مع صحيفة إندبندنت The Independent اليومية، يلاحظ المرء أن الشعب العراقي مازال يعاني فيه من الفقر والجوع في الوقت الذي تحصد فيه الشركات الأجنبية غنائم إعادة الاعمار.
مبالغ مالية ضخمة
وتشير الدراسة إلى أن 61 شركة بريطانية حصلت على عقود بقيمة تزيد عن 1.5 مليار يورو منذ الإطاحة بنظام صدام حسين وحتى اليوم، هذا بالإضافة إلى دخول 113 مليون يورو إلى خزينة المملكة المتحدة كضرائب لعوائد العاملين بالشركات البريطانية في العراق، بينما تحصل الولايات المتحدة الأمريكية على أكثر من تسعة أضعاف هذا المبلغ. ليس هذا فحسب، بل أن العراقيين يدفعون حوالي 240 مليون يورو للشركات البريطانية المساهمة في مشاريع إعادة إعمار بلدهم. ويذكر أن شركة أميك Amec البريطانية قد حصلت على نصيب الأسد من عروض الاعمار هذه، إذ وقعت على عقود بقيمة 725 مليون يورو. وحسب تقرير لمركز سلامة المعلومات العامة الأمريكي Center for Public Integrity فإن شركة المقاولات الهندسية الأمريكية Halliburton Corporation وحدها قد حصلت حتى منتصف عام 2004 على عروض بقيمة عشرة مليارات يورو. ويفيد التقرير أيضا بأن الشركات البريطانية تسيطر على أكثر شركات الأمن والأمان التي تعود في معظمها لقادة سابقين في الجيش البريطاني، إضافة إلى ملكية وزيري دفاع سابقين لشركتين من هذا القبيل، وتشير الدراسة أيضاً إلى أن ما بين 20 و 30 ألف عراقي يعملون لصالح مثل هذه الشركات.
صناعة الأفكار السياسية
في الوقت الذي تقوم فيه الشركات الأمريكية على إعادة البناء وتطوير البنية التحتية، تتولى الشركات البريطانية مهمة تقديم النصائح والإرشادات السياسية، بهدف "محاولة تسيير البلد على خط سياسي منفتح ومتحرر، الأمر الذي قد يسهل عمل الشركات الخاصة في هذا البلد"، حسب قول لوكاس كريستيدولو من منظمة كوربروريت ووتش، الذي يؤكد على أن الكثير من الشركات الأجنبية الخاصة قد ضمنت بهذه الطريقة مستقبلا استثمارياً في العراق. على صعيد آخر لا يعتقد هينّر فورتغ من مؤسسة أبحاث الشرق في مدينة هامبورغ الألمانية والخبير في الشؤون العراقية أن الشركات البريطانية قادرة في الوقت القريب على تغيير الوضع السياسي القائم أو حتى السياسات الاقتصادية للعراق، ويقول فورتغ: "إن القرارات السياسية الهامة يتم اتخاذها من قبل الرئيس العراقي جلال طالباني أو رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري خلف أبواب مغلقة. والأمريكيون هم وحدهم المطلعون بشكل رئيسي على اتخاذ هذه القرارات." من جهة أخرى فإن وجود 130 ألف جندي أمريكي مقابل 8 آلاف جندي بريطاني والذين سيغادرون العراق حتى عام 2007، سيعمل على استفادة الشركات الأمريكية من العقود الاقتصادية الموقعة بشكل رئيسي، حسب ما أضاف فورتغ.
ثقة أكبر بالأجانب؟
ويؤمن كريستيدولو بعدم صحة حجة إعطاء عقود الاعمار للشركات البريطانية والأمريكية لتسريع إنجاز مهمة إعادة الاعمار، مضيفا أن "نقابة عمال البترول العراقية تضم في عضويتها أكثر من 28 ألف شخص، وهم قادرون على إعادة تشغيل الكثير من معامل البترول العراقية وبسعر أقل، نظرا لمعرفتهم وخبرتهم الشخصية لطبيعة المصافي والعمل بها، هذا إضافة إلى قدرتهم على الاستفادة من المصافي التي لم يتم تشغيلها أصلاً منذ فترة طويلة. بالاضافة إلى أنهم قاموا بهذا العمل بعد حربي العراق السابقتين." ويشير الخبير البريطاني إلى أن الشركات الأجنبية تفتقر في معظم الأحيان إلى مثل هذه الخبرات والقدرات. وفي هذا السياق يبرر فورتغ عدم قبول الشركات الأجنبية للمنافسة من قبل النقابات العراقية بأن الأخيرة كانت تعمل في السابق تحت لواء نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.