العراق: الفيسبوك من وسيلة اجتماعية إلى جبهة للتصعيد الطائفي
٢٧ مايو ٢٠١٣بخطوات واثقة نحو حلمه بأن يعم السلام، شق الشاب العراقي بشار الطائي طريقه باتجاه أحد المساجد في حي الحكم وسط مدينة السماوة جنوبي العراق حاملاً إكليلاً من الورد. لم يكن الطائي وحده، بل مع مجموعة من أقرانه الذين يشاركوه الأمل في دحر تداعيات العنف الطائفي، الذي بدأ ينعكس أيضاً في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد الهجوم على ساحة اعتصام الحويجة أواخر نيسان/ أبريل الماضي.
هذا الاقتحام وما تبعه من عنف طائفي، كان له من المؤيدين والمعارضين الذي انقسموا على فريقين من مستخدمي الفيسبوك وتويتر. منهم من أثنى على القوات الأمنية لاقتحامها ساحة الاعتصام التي آوت أشخاصاً تورطوا بقتل رجال شرطة، كما تقول الحكومة، وآخرون استنكروا وأدانوا الاقتحام. حتى علت بعض الأصوات المحايدة التي دعت إلى عدم نشر أي منشورات تحمل مسميات ودعوات طائفية ومذهبية والاحتكام إلى العراق الواحد بكل أطيافه وألوانه، ومن هذه الأصوات صوت بشار الطائي.
جهود مترجمة على ارض الواقع
لقد سارع الطائي، الذي يعمل صحفياً وناشطاً مدنياً، إلى المبادرة بحملة إلكترونية على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي أطلق عليها حملة "لا للمسميات الطائفية". ولم يكتف الطائي بذلك بل سرعان ما ترجمها على أرض الواقع عندما قام بزيارة العديد من المساجد السنية والشيعية والحديث مع أئمتها ومشايخها، وحثهم على ضرورة توعية أتباعهم وزرع روح المودة في ما بينهم.
ويقول الطائي (30 عاماً)، في حديثه مع DW عربية: "قررت أن أقود حملتي مع عدد من أصدقائي من أجل أن أنقذ بلدي من فتيل حرب أهلية، ربما لو وقعت فإنها ستأكل الأخضر واليابس"، مضيفاً: "شعوري بالمسؤولية تجاه العراق هو ما دفعني إلى المبادرة وإطلاق الحملة".
ويضيف الطائي وهو ينشغل بمتابعة صفحته على الفيسبوك، والتي تضم أكثر من 500 مشترك: "أعمل جاهداً على محاربة ما تدعو له بعض الصفحات التي تحرض على العنف من خلال المقالات والصور والفيديوهات التي تنشر في طياتها. "لا نريد العودة إلى الماضي القريب"، يؤكد الطائي، وهو يكتب منشوراً يدعو إلى التسامح والألفة بين أبناء شعبه.
وشهد العراق في عامي 2006 و2007 أعمال عنف طائفية بدأت شرارتها بضرب مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء، حتى راح ضحية هذا العنف الآلاف من الأرواح التي أزهقت على خلفية الانتماء الطائفي والعشائري وغيرها من الأسباب.
أصوات داعية للسلام
المدون أيوب حسن جوير يدعو عادة أقرباءه وأصدقاءه ومعارفه على الفيسبوك إلى عدم الانجرار وراء "مخططات من يتربص شراً بالعراق"، كاشفاً بين فترة وأخرى العديد من الحقائق التي تخص أمن الشارع العراقي واستقراره. ويضيف جوير (27 عاماً) في حوار مع DW عربية: "من خلال متابعتي لمواقع التواصل الاجتماعي وجدت أن هناك العديد من أصحاب النفوس الضعيفة يروجون للأفكار الطائفية... وربما يمنون النفس أن يتناحر أبناء الشعب الواحد فيما بينهم".
"لا اعرف لماذا ينجرف الكثير خلف المواقف السياسية المتشنجة والتي غالباً ما يثيرها سياسيو العراق... حتى تنهال الكثير من التعليقات والشعارات على الفيسبوك وخاصة تلك التي تدعوا إلى تهميش ومحاربه مكون ما على حساب المكونات الأخرى"، يؤكد جوير.
ويكمل جوير، الذي قرر حذف كل صديق مشترك معه على الفيسبوك ممن يروج لإذكاء العنف في بلده، قائلا: "مسحت بعض الأصدقاء (مشتركي الفيسبوك) المتلوثين بالوباء الفكري الطائفي والعنصري". مبيناً أنه اشترك بحمله لمقاطعة شخصية صحفية وتصدى لمنشوراته التي مجدت لأفكار طائفية.
وأستغل بعض مستخدمي الفيسبوك، سهولة نشر الفيديوهات والصور عن طريق هذه الوسيلة الاجتماعية، حتى بدأ يروج لأفكاره وتوجهاته بعيدة عن روح الوحدة الوطنية، التي يحاجها العراق أكثر من أي وقت آخر، في ظل التصعيد والصدام الطائفيين اللذان تشهدهما المنطقة.
مقاومة الكترونية لدحر الطائفية
من جانبه يقول محمد عبد الله، المصور الصحفي من محافظة كركوك، والذي يدير مجموعة على الفيسبوك مهمتها مراقبة ما ينشر على الصفحات العامة: "أعمل مع أصدقائي من الصحفيين والناشطين المدنين على الحد من المنشورات التي تحرض على العنف في بلدي ومحاربتها".
ويوضح عبد الله (27 عاماً) أن مهمة مجموعته تكمن في حذف المنشورات المؤججة للعنف الطائفي، "من خلال مخاطبه إدارة الصفحة التي تضم المنشور سواء كان مقالا أو صورة أو شريط فيديو على إزالته أو حذف الصفحات برمتها من خلال الاستعانة بالمبرمجين". "تحول الفيسبوك من كونه وسيلة اجتماعية إلى وسيلة سياسية".
ويرى عبد الله خلال حديثه مع DW عربية وجود ترابطً كبير بين ما يثار من مد طائفي على الفيسبوك مع الأزمة السورية "فكلما اشتد الصراع في سوريا كلما بلغ المد الطائفي أوجه على الصفحات الاجتماعية على موقع الفيسبوك أو اليوتيوب".
ويشهد العراق منذ الأشهر القليلة الماضية استهداف العديد من المساجد والحسينيات حتى وصل أعدادها إلى أكثر من 50 مسجداً وحسينية، في مؤشر يزيد من التكهنات في سقوط البلد في براثن حرب طائفية، قد تنهي ما نعم به من استقرار نسبي في بعض مناطقه خلال السنوات القليلة الماضية.