العداء للإسلام ـ سلاح اليمين المتطرف الانتخابي في أوروبا؟!
١٣ يونيو ٢٠١٠نجح خيرت فيلدرز حيث فشلت النائبة الهولندية السابقة من أصل صومالي عيان هرسي علي. ففي حين اختارت هرسي علي الهجرة من هولندا للاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الضجة التي أثارها فيلمها عن الإسلام ومقتل مخرجه الفيلم ثيو فان غوغ على يد متشدد مسلم، واصل فيلدرز "المشوار" الذي كانت النائبة المسلمة السابقة قد بدأته. وإذا كان فيلم "خضوع" لهرسي علي قد تسبب في القضاء على مستقبلها السياسي فإن فيلم "فتنة" للنائب اليميني المتطرف خيرت فيلدرز شكل المحطة الأولى على طريق "نجاحه السياسي".
فبعد اغتيال السياسي اليميني المتطرف بيم فورتوين واستقالة هرسي علي من البرلمان وخروجها من البلاد خلت الساحة لخيرت فيلدرز ليكمل ما بدأه الاثنان. فأنتج فيلم "فتنة" المعادي للإسلام ثم أسس حزبا يمينيا متطرفا يقوم برنامجه على معاداة الإسلام والأجانب في هولندا، سماه حزب "الحرية". وسرعان ما أصبح فيلدرز وحزبه حديث الناس وشغلهم الشاغل، ليس في هولندا وحدها بل وفي عموم أوروبا. وجاء الفوز الكاسح الذي حققه حزبه في الانتخابات البلدية، التي جرت في شهر آذار/ مارس الماضي، ليحوله إلى رقم صعب في بلاد كانت معروفة بتسامحها مع الأجانب وانفتاحها على الآخر.
العداء للإسلام والفوز في الانتخابات
كما ضاعف حزب فيلدرز عدد مقاعده في البرلمان الهولندي ثلاث مرات، وذلك إثر الانتخابات التشريعية، التي جرت الأربعاء الماضي (التاسع من حزيران/ يونيو 2010). وفور صدور النتائج خرج هذا السياسي اليميني المتطرف إلى الصحافيين ليؤكد على أن هولندا اختارت ما طالب به في الحملة الانتخابية أي "المزيد من الأمن والقليل من الإسلام والقليل الهجرة"، حسب تعبيره.
ومع أن الناشطة الهولندية من أصل عراقي إنعام الجزائري تؤكد بأن "هناك فعلا خوفا من الإسلام في هولندا"، لكنها لا ترى فيه سببا أساسيا لفوز فيلدرز في هذه الانتخابات. وترى الجزائري بأن "فشل السياسة في هولندا هو ما دفع بالناخب الهولندي إلى اختيار ورقة فيلدرز غير المجربة". وتضيف، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "سقوط الحكومة واللجوء إلى انتخابات مبكرة، عطفا على الأزمة الاقتصادية، جعلت المواطن يفقد الثقة بسياسيه والتصويت لشيء جديد، لوجه جديد يقول له إن الإسلام هو سبب كل المشاكل التي تعاني منها البلاد".
الإسلام "خطر على الهوية الأوروبية"
أما الحقوقية والمستشرقة الألمانية من أصل فلسطيني ناهد سمور فترى بأن العداء للإسلام ليس "وقفا" على الأحزاب اليمينية المتطرفة وحدها، بل هي "ظاهرة عامة في أوروبا وموجودة لدى الأحزاب المحافظة والعمالية والخضر واليساريين أيضا". وتضيف سمور، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هناك "خوفا في المجتمعات الأوروبية (المسيحية) من فقدان هويتها". فالمسلمون المقيمون في أوروبا "لديهم مفاهيمهم الخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحقوق الدستورية وهو ما يعتبر تحديا للهوية الأوروبية" التقليدية.
من جانبه يعرب المستشرق الألماني شتيفان فايدنر عن أسفه "لهذه النتائج في هولندا رغم أنها كانت متوقعة" برأيه. لكنه يشعر، من جهة أخرى، بالسعادة "لعدم وجود حزب متطرف قائم على العداء للإسلام في ألمانيا شبيه بحزب فيلدرز". ويضيف فايدنر، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هناك "بعض المتطرفين في المجتمع الألماني، لكن لا توجد قوة سياسية حزبية بإمكانها أن تلعب في ألمانيا نفس الدور الذي يلعبه حزب فيلدرز في هولندا".
"لماذا الخوف من الإسلام؟"
ويرى فايدنر بأن هناك أسبابا تاريخية "للخوف من الإسلام" وهي تعود إلى فترة ظهور هذه الديانة التي "اعتبرت نقيضا للمسيحية واليهودية". لكن هذا "الخوف" أصبح جديا مع "ظهور المسلمين بشكل قوي في المجتمعات الأوروبية". وأصبح الإسلام "يجسد للأوروبي التقليدي مصدر خوف وقلق ورمزا لأي خطر قد يحدق به". ويعتقد فايدنر مؤلف كتاب "لماذا الخوف من الإسلام؟"، الصادر حديثا باللغة الألمانية، بأن هناك "تصورات إيديولوجية نمطية تقف وراء الخوف من الإسلام. فمعظم الأوروبيين الذين يشكون من الإسلام "لا يعرفون المسلمين بشكل شخصي ولا احتكاك لديهم معهم، وهم يكونون صورة عنهم من خلال بعض وسائل الإعلام".
إلا أنّ الناشطة الهولندية من أصل عراقي إنعام الجزائري تُحمِّل المسلمين أنفسهم الجزء الأكبر من المسؤولية عن "هذا الخوف من الإسلام والمهاجرين" وبالتالي لجوء اليمين المتطرف لاستخدامه في الدعاية الانتخابية. والسبب برأيها هو أن المسلمين لم "يندمجوا بالشكل الصحيح والمطلوب في المجتمع"، وإلا فكيف يمكن أن نفسر تصويت أعداد هائلة من ناخبي الحزب الاشتراكي لحزب فيلدرز في هذه الانتخابات؟".
وبالرغم من هذه النتيجة الكبيرة التي حققها حزب فيلدرز في الانتخابات التشريعية، والصورة القاتمة التي ترسمها الجزائري عن المسلمين في هولندا وأوروبا فإنها (أي الجزائري) ليست "مصدومة أو خائفة من المستقبل طالما أن هناك ديمقراطية ودولة قانون". ليس هذا فحسب، بل هي ترى وجها آخر للانتخابات التشريعية الهولندية، ألا وهو فوز "العديد من النشطاء والساسة المسلمين، من أصول مغاربية وتركية، المنتمين لأحزاب هولندية غير عنصرية، بمقاعد في البرلمان الجديد".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي