العثور على مسكن في برلين.. "مغامرة محبطة" للاجئين؟
١٠ ديسمبر ٢٠١٧يقرأ عواد العديد من رسائل البريد الإلكتروني على هاتفه والتي هي أجوبة رفض على طلباته للحصول على مسكن. يقول إنه ليس كافياً أن تقول أن العثور على منزل مستحيل في برلين، ويريد أن يظهر ذلك بالأرقام، فهو يقضي 6 ساعات يومياً في البحث عبر الإنترنت، بالإضافة إلى زيارات أسبوعية لشركات الإسكان في مختلف أحياء المدينة، بالإضافة إلى العديد من الوثائق التي ينتظر شهوراً للحصول عليها. يقول عواد: "لقد سجلت اسمي للحصول على شقة ألف مرة حتى الآن، كما دُعيت لمعاينة 10 شقق، وفي كل مرة كان هناك من عشرين إلى ثلاثين شخص لمعاينة الشقة في نفس الوقت".
وفي الوقت الذي كنا نتكلم فيه، تلقى عواد، 44 عاماً، والذي وصل إلى ألمانيا بعد مغادرته سوريا في عام 2015، مكالمة أخرى من شركة إسكان: "آسف مرة أخرى، ولكن لا يوجد شيء متوفر الآن"، فيسأل عواد: "ولكن من فضلك، هل هناك أي شيء آخر يمكنك القيام به للمساعدة؟"، لكنه يتلقى جواباً لطيفاً بالنفي.
ويعتبر البحث عن منزل عملياً وظيفة بدوام كامل بالنسبة لعواد، الذي ينتظر أيضاً جواباً لطلبه بلم شمل أسرته حتى يتمكن من رؤية زوجته وأطفاله الثلاثة مرة أخرى. وهو يحاول باستمرار أن يتغلب على العوائق غير المرئية والبيروقراطية الدرامية والاعتذارات عن وصوله لطريق مسدود، بالإضافة إلى تلاشي البيوت بشكل أسرع من توافرها.
النقص في المساكن
عواد هو واحد من آلاف اللاجئين الذين يبحثون عن منزل جديد في خضم أزمة نقص البيوت. وفي جميع أنحاء ألمانيا، هناك نقص يقدر بنحو مليون منزل، وفي برلين، التي تفتقر إلى المساكن الاجتماعية إلى حد كبير، حيث تتزايد أسعار المساكن بسرعة، يزداد الوضع تعقيداً. تستقبل المدينة سنوياً 50 ألف مقيم جديد، إضافة إلى اللاجئين الذين وصلوا مؤخراً. وتشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى ما يقرب من 275 ألف منزل جديد لمتوسطي الدخل وحدهم.
في سوق الإيجار لا يتساوى جميع الناس، كما يقول عواد، وبالنسبة لتجربته فإن الشركات تأخذ الألمان أولاً، ثم الموظفين الأوروبيين، ثم الذين يأخذون المساعدات من الألمان والأوروبيين، وأخيراً اللاجئين أو الأشخاص الذين لهم جذور عربية.
بالرغم من أن الأوضاع تختلف من ولاية لأخرى، فإنه يجب على معظم طالبي اللجوء قضاء أشهرهم الأولى في ألمانيا في مخيم، وبعد ذلك يمكنهم الانتقال إلى مساكنهم الخاصة.
غير أن الضغوط المزدوجة بسبب وضع الإسكان والعدد الكبير من اللاجئين الذين وصلوا إلى المدينة منذ عام 2015 تركت الكثيرين في برلين في مخيماتهم المؤقتة، وهذا يعني أنه في بعض الحالات، يبقى اللاجئون لسنة أو سنتين في ملاجئ غير مستقرة في أماكن كانت مقرات للمؤتمرات أو صالات رياضية.
ويؤكد زاشا لانغنباخ، المتحدث باسم مكتب شؤون اللاجئين في برلين، الذي يشرف أيضاً على مساكن اللاجئين، أنه يجري إحراز تقدم، ويقول: "في عام 2017، سمح مكتب ولاية برلين لشؤون اللاجئين لأكثر من 3500 شخص باستئجار شقة، ويدفع الآن الإيجار والتدفئة والكهرباء وكذلك التأمين"، ويضيف أنه تم نقل عشرة آلاف شخص من المخيمات إلى أماكن مؤقتة ذات مرافق أفضل.
عقبات إضافية
ومع ذلك لا يزال كثيرون يكافحون من أجل إيجاد مسكن خاص بهم، وهي مشكلة لا تفسرها أزمة السكن وحدها. وقد تم تسليط الضوء على ضعف إمكانية الحصول على المعلومات الكافية من قبل اللاجئين، بالإضافة إلى العقبات القانونية والتمييز من قبل مالكي البيوت، وذلك في تقرير صدر مؤخراً عن معهد برلين للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة، مع التركيز على برلين ودرسدن.
يدعم مكتب شؤون اللاجئين في برلين اللاجئين الذين يجدون منزلاً والذين يكونون في مرحلة إكمال أوراقهم القانونية، لتقع المسؤولية بعد ذلك على عاتق مكتب العمل. وفي برلين، يجب أن يوافق مكتب العمل على المنزل أولاً قبل أن يتمكن الفرد من الانتقال. ويركز تقرير معهد برلين للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة على الصعوبات البيروقراطية، بما في ذلك الحالات التي تستغرق فيها هذه الموافقة عدة أسابيع، والتي غالبا ما يجد فيها المالك مستأجراً آخر.
وينتقد عواد هذه النقطة، ويقول: "عادة ما تقول شركات الإسكان إن السلطات بطيئة جداً ولا تلتزم بالمدفوعات"، ويتابع: "إذا كنت لا تتحدث الإنجليزية أو الألمانية، فإن العملية الرسمية شبه مستحيلة، ولكن بالطبع ... إذا كنت تدفع لوسيط، فإن كل شيء سوف يتغير".
الوسطاء غير القانونيين (السماسرة)
في خضم الإجراءات الرسمية البطيئة للحصول على سكن، تزدهر سوق السماسرة، وتوفر هذه الشبكات المتنامية الحصول على بيوت بسرعة، والآن يمكن العثور عليها حتى في شوارع برلين.
ولكن ذلك ليس دون مقابل بالطبع. وقد شهد وائل خليفاوي، 31 عاماً، ازدهار هذه التجارة منذ وصوله إلى المدينة العام الماضي قادماً من سوريا. في البداية كانوا يطلبون بدفع عمولة بقيمة 100 يورو، أما الآن فقد وصل السعر إلى 1000 يورو، ويمكن أن يصل أحياناً إلى أربعة أو خمسة آلاف يورو. يقول وائل: "يُغرق الناس أنفسهم بالديون ليستطيعوا أن يدفعوا.. وأحياناً يأخذون أموالك ويختفون".
ويضيف وائل: "معظم اللاجئين الذين يجدون منزلاً الآن، يقومون بذلك إما عن طريق الذهاب إلى هؤلاء الوسطاء، أو الاعتماد على شبكات غير رسمية للمساعدة"، ويتابع: "في بعض الأحيان تكون هذه الشبكات عبارة عن أصدقاء أو عائلة يمكنهم البقاء عندهم لبعض الوقت، أو علاقات مع الألمان أو المتطوعين الذين يمكنهم أن تساعدوا في هذه العملية".
يتم إهمال اللاجئين
أما بالنسبة لأولئك اللاجئين الذين ليس لديهم نقود أو اتصالات، فيعانون كثيراً من إهمال السلطات لهم. يقول وائل: "كنت قد وصلت أولاً إلى مكان خارج المدينة ثم جئت إلى برلين، لكن المسؤولين قالوا إنه لا يتسع لي مكان في المخيمات"، ويتابع: "قضيت ثلاثة أشهر دون مأوى".
كانت هذه الشهور ضبابية مرهقة بالنسبة له. يقول وائل: "في بعض الأحيان كنت أجد معي المال للنوم في نزل لبضع ليال، أو كنت أنام في بيوت الأشخاص الذين سبق والتقيت بهم"، ويضيف: "في بعض الأحيان كنت أجد حانات مفتوحة طوال الليل.، ولكن في كثير من الأحيان كنت أنام في الشارع وفي الحدائق غالباً. كان ذلك في الصيف ولذلك كان الجو دافئاً، ولكن بالرغم من ذلك كان يجب أن أكون حذراً، فقد يكون ذلك خطيراً".
وأخيراً، وجد وائل غرفة في منزل مشترك، لكنه لا يزال قلقاً بشأن استقرار وضعه، ويقول: "ما زلت أستعيد عافيتي جسدياً ونفسياً من بقائي في الشوارع العام الماضي".
وكان قد تم إخراج عواد من إحدى المخيمات لأنه طبخ في غرفته، ليضطر إلى المبيت في الشوارع. وبالرغم من وجود بعض أقاربه في المدينة، إلا أن أوضاعه كانت سيئة، حيث انتقل مع أختيه وابن أخته للعيش مع عائلة مكونة من سبعة أشخاص، في منزل يتكون من ثلاث غرف.
والآن يعيش مرة أخرى في مأوى، متقاسماً إحدى الغرف مع أخته وابنها الذي يبلغ ثمانية أعوام، ما يشكل إزعاجاً في بعض الأحيان. يقول عواد: "يجب أن تنطفئ الأضواء عندما يحتاج ابن أختي إلى النوم"، ويتابع: "لا أستطيع الدراسة بهدوء، كما أنه ليس لدي أية خصوصية عندما أتحدث مع عائلتي على السكايب".
تمييز ضد اللاجئين
يقول وائل إن التمييز ضد اللاجئين يعتبر بنيوياً، موضحاً كيف يظهر في البيروقراطية البطيئة والمختلة، على حد تعبيره، ويتابع: "لم يكن نظام السكن في برلين مصمماً لاستيعاب الأشخاص القادمين من مناطق الحرب". ولكنه يشعر بذلك على المستوى الشخصي أيضاً، ويضيف: "إذا كنت تحاول الحصول على منزل من خلال شركات خاصة، فإنك تأتي بعد الأوروبيين والأمريكيين، وإذا أردت الحصول على غرفة في سكن مشترك، عليك أن تنسى ذلك، لأن الناس يعتقدون أن اللاجئين سيقلبون البيت إلى فوضى".
تقول الدكتورة يوتا أومولر، الباحثة في معهد التنمية الديمقراطية والاندماج الاجتماعي: "من الواضح تماماً أن التمييز يلعب دوراً كبيراً. نحن نعلم من الدراسات أن الناس الذين لديهم أصول أجنبية بشكل عام، وخاصة من الدول الإسلامية، لديهم صعوبة أكبر في قبولهم كمستأجرين".
وتكشف مواقف أصحاب العقارات الذين شملهم الاستطلاع في برلين ودرسدن في تقرير معهد برلين للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة أنه كان لدى العديد منهم تحفظات بشأن إيجار البيوت للاجئين، تحدث بعضهم عن مخاوف بشأن العوائق اللغوية أو الإدارية، والبعض الآخر عن مخاوف طفيفة متعلقة باختلاف "أسلوب حياة الثقافات" كرمي القمامة أو إحداث الضجيج. وقال البعض بشكل صريح إنهم لن يؤجروا للاجئين.
يقول وائل إنه من الممكن تسهيل الوضع من خلال رفع الحد الأدنى الذي يقدمه مكتب العمل لسكن اللاجئين بمقدار 100 يورو ليواكب ارتفاع أسعار الإيجار، ويضيف أن هذا سيوسع خيارات السكن ويجنب الدولة دفع مبالغ أعلى لإسكان اللاجئين في مساكن مؤقتة.
تدابير لتخفيف حدة الوضع
يقدم تقرير معهد برلين للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة اقتراحات للتخفيف من حدة الوضع. وتقترح - من الجانب الحكومي - زيادة تمويل الأخصائيين الاجتماعيين للمساعدة في دعم اللاجئين في هذه العملية وضمان توافر معلومات أفضل لأولئك الذين يعيشون في الملاجئ. يجب على مالكي العقارات وشركات الإسكان ضمان توفر عقود الإيجار بلغات أكثر، وتوفير التدريب الثقافي للموظفين بالإضافة إلى زيادة فهم الوثائق والبيروقراطية اللازمة المتعلقة بالمستأجرين في نظام اللجوء. ويقترح أيضاً إنشاء مكاتب للشكاوى المحلية لدعم اللاجئين الذين يواجهون حالات تمييز.
يقول وائل: "وحتى يتغير الوضع، سيواصل الناس من كل القطاعات الاستفادة من اللاجئين، كالشركات الخاصة التي تدير الملاجئ، والناس التي تدير النزل، والسماسرة. الجميع يكسب المال من هذا الوضع، واللاجئون هم الخاسر الوحيد، فهم الذين يتم الضغط عليهم".
هولي يونغ/محي الدين حسين- مهاجر نيوز