العاصفة الثلجية تزيد من اشتعال أزمات السوريين
١١ يناير ٢٠١٣لم يكن قدر السوريين أن يبقوا تحت رحمة المدافع والقذائف والسيارات المفخخة، التي ما لبثت تحصد أرواحهم منذ أكثر من سنة وأحد عشر شهرا، بل جاءت العاصفة الثلجية على سوريا لتدق ناقوسا آخر من الخطر يضاف إلى قائمة الأخطار التي تحدق بهم. وقد زادت الأحوال الجوية السيئة التي ترافق هذه العاصفة من معاناتهم إلى مأساة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى.
فمفهوم الخير الذي طالما فهمه العم أبو صالح طيلة ستين عاما من عمره وهو يردد عبارة "الله يبعت الخير" مع هطول أول قطرة من مطر الشتاء متمنيا المزيد منها، تحول إلى نقمة هذا العام .فعلاوة على النكبة التي حلت به وبعائلته، بعد أن اضطرتهم أعمال العنف التي انتقلت إلى حيه (مخيم اليرموك) للنزوح إلى منزل مازال قيد الإنشاء، تأتي هذه العاصفة لتضع عبئا إضافيا عليهم. فالأمان من القصف الذي طلبوه من هذا المنزل لم يحمهم من المطر الغزير والصقيع الذي "أخذ ينخر في لحم أطفاله وزوجته"، حسب وصف أبو صالح.
كان جميع أفراد العائلة يلتحفون بالبطانيات داخل غرفة المنزل الوحيدة ويرتدون القبعات الصوفية علها تدرأ عنهم شيئا من البرد. أما دموع العم أبو صالح فكانت أبلغ تعبيرا من كلماته وهو يروي لـ DW عربية بعضا من معاناته "لقد تحملنا التجويع والتشرد والخوف ولكن لن نستطيع تحمل هذا البرد القاسي. لقد اضطررنا للخروج من المنزل بملابسنا فقط. لم نستطع أن نحمل شيئا من الأمتعة أو الملابس الشتوية البرد ينخر عظام أولادي ولا أستطيع عمل شيء لهم".
سباق مع الصقيع
لم نمكث كثيرا عند العم أبو صالح. خرجنا من غرفته ونحن نتحرى في مشيتنا الأماكن الخالية من الأواني المنزلية التي فرشت بها الأرض لتلتقط حبات الماء المتساقطة من السقف الذي يدلف. كنا في سباق مع الصقيع، فقائمة العائلات المنكوبة التي تحتاج إلى مساعدة طويلة جدا. وكانت مجموعة الإغاثة تعمل جاهدة على تأمين أكبر قدر من احتياجات الألبسة والأغطية والمدافئ الكهربائية (علما أن الكهرباء تنقطع باستمرار) لهذه العائلات لتتمكن من مواجهة هذه العاصفة. فالكثير منها لا يملك ألبسة شتوية نتيجة نزوحها في فصل الصيف من منزلها وعدم قدرة رب الأسرة على تعويض عائلته بما كانت تملكه من الألبسة الشتوية بسبب خسارته لعمله.
أم محمد وأطفالها الأربعة إحدى هذه العائلات التي اضطرت إلى النزوح إثر القصف الذي طال حيهم في بلدة حرستا بريف دمشق. وبعد أن قتل زوجها جراء القصف قام بعض أقاربها بتأمين منزل صغير يتكون من غرفة واحدة لجأت إليه مع أطفالها. كانت رائحة الرطوبة والعفن تفوح من المكان وقد علا صوت سعال أطفالها وملأ أرجاء الغرفة. استقبلتنا أم محمد وهي تلبس عباءة صيفية تحتها العديد من طبقات الألبسة "ولكن ما فائدة هذه الطبقات إن كانت كلها صيفية"، قالتها بحسرة لـ DW عربية.
وجل ما تصبو إليه هذه الأرملة لأولادها الأربعة ولنفسها هو أن تحصل على ملابس شتوية فهي "كانت تدبر أمورها بهذه الملابس الصيفية إلى أن جاء هذا البرد الذي لا يحتمل، والآن هي بحاجة ملابس شتوية، ولا يهم إن كانت قديمة أو مهترئة المهم أن تكون شتوية"، تقولها وهي تغالب دموعها. ولحسن الحظ استطاعت أم محمد أن تجلب لأطفالها بعض الملابس الشتوية القديمة وتأمين مدفأة كهربائية ولكن أين الكهرباء؟ فساعات انقطاع التيار الكهربائي أصبحت تتناسب طردا مع ازدياد قساوة فصل الشتاء. هذا الانقطاع الذي لم يعد يفرق بين أحياء دمشق الراقية والشعبية،الأمر الذي أدى إلى حرمان معظم السوريين من فرصة التدفئة الوحيدة التي بقيت متاحة لهم بعد غلاء سعر المحروقات، هذا إن وجدت أصلا.
يبقى الرمد أهون من العمى
وعلى الرغم من الوضع السيئ الذي تعيشه أم محمد إلا أن لسانها لم يفتر عن ترديد عبارات الشكر والرضى بأنها على الأقل "وجدت هذا المنزل الذي يؤويها مع أطفالها، ويبقى حالها أفضل بكثير من جيرانها في منزلها القديم الذين لم يجدوا سوى الحدائق العامة يفترشونها بعد أن أخرجوا من ديارهم هربا من الموت"، تقولها هذه السيدة الخمسينية القادمة من منطقة ملتهبة بريف دمشق.
اضطررنا إلى إنهاء زيارتنا لأم محمد بعد أن تحولت قطرات المياه الغزيرة إلى قطع من الثلج الأبيض منذرة باقتراب العاصفة أكثر فأكثر من العاصمة دمشق. بيد أن مشهد العائلات التي انتشرت في حدائق دمشق جعل شبان الإغاثة يتوقفون مرارا لإمدادهم بما تبقى لديهم من الأغطية والألبسة الصوفية علها تقيهم شيئا من الصقيع الذي لف أرجاء المدينة. كان منظرا مخيفا فعلا إذ كانت هذه العائلات تجتمع حول بضعة قطع من الحطب قامت بإشعالها لتحصل على بعض الدفء في هذا الجو الصقيعي الذي لم تألفه دمشق منذ عقود.