الطريق إلى الكاتدرائية، بالاقتراع أم "الاختيار الإلهي"؟
٢٣ مارس ٢٠١٢هنا جلس البابا شنودة 40 عاما على رأس الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية، وهنا رقد 3 أيام بكامل هيئته الكهنوتية، بعدما فارقت الروح جسده، ليتسنى للأقباط أن يلقوا عليه نظرة الوداع، قبل أن يستقر جثمانه في وادي النطرون النائي، شمال غرب القاهرة، الذي طالما مثل خُلوة تعبدية للرهبان والقساوسة.
هذا الكرسي الخشبي بدرجاته الثلاث المبطنة بقطيفة حمراء تحول بعد يوم من دفن البابا - وسيظل طوال فترة الأربعين حسب تقدير خُدام الكنيسة - إلى قبلة لآلاف المسيحيين، الذين توافدوا إلى قاعة الكرسي الباباوي في الكاتدرائية للتبرك بلمسه، إلى أن تبدأ إجراءات ترشيح واختيار البابا الجديد الذي سيحمل رقم 118 في تاريخ البطاركة الأقباط.
الكاتدرائية المرقسية من الأسكندرية إلى القاهرة
تقع الكاتدرائية في القاهرة، إلا أن الأسكندرية هي المقر التاريخي للكرسي البابوي. اسمها كاملا «كاتدرائية القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية»، نسبة إلى مرقس الرسول الذي بشر بالمسيحية في مصر، انطلاقا من العاصمة الأسكندرية - آنذاك. ويطلق على البابا اسم بطريرك «الكرازة المرقسية»، وتعنى «البشارة المرقسية». تثمل تلك المدينة الساحلية المقر الديني لأقباط مصر، ومع دخول الإسلام وتحول العاصمة بمرور الزمن إلى القاهرة، تقرر في ستينيات القرن الماضي بناء مقر ثان للكاتدرائية في منطقة العباسية.
داخل الكاتدرائية، ملامح الحزن تكسو الوجوه، كمدا على فراق البابا شنودة، فلا مجال للحديث عن خليفته. أما خارج أسوارها الخرسانية الشاهقة، يحاول مثقفو الأقباط نفض أحزانهم، لوضع ملامح المرحلة المقبلة. هؤلاء تحدثوا لموقع DW عن حاضر وتاريخ ومستقبل البابوية في مصر.
مطالب بتعديل لائحة اختيار بابا الأرثوذوكس
وعن الطريق لقيادة الكاتدرائية، يقول المفكر والناشط القبطي كمال زاخر «هناك مطالب بتعديل لائحة الكنيسة لسنة 1957، والخاصة بطريقة انتخاب البابا، لا سيما فيما يتعلق بالمواصفات اللازم توافرها في المرشحين. وأتصور أن هناك نية لفتح الباب للمقترحات». لكنه استطرد «في حال رفض التعديل، فإن المسألة ستخضع للائحة 57».
ووفقا لهذه اللائحة، يُعقد اجتماع مشترك بين (المجلس الملي) و(المجمع الإكليركي المقدس) يتم خلاله اختيار قائمقام، كإجراء شكلي. والمعروف أن «المجلس الملي» يختص بالجوانب الإدارية وغير الدينية في الكنيسة، في حين يتعلق عمل «المجمع الإكليركي المقدس» بالأمور التشريعية والكهنوتية واللاهوتية.
ويواصل زاخر حديثه لـ DW قائلا «يتولى القائمقام المسؤولية لحين اختيار البابا الجديد. وفي الوقت نفسه، تقوم لجنة مشتركة بفتح باب التزكية وفقا لقواعد معينة.. بعدها تعلن الأسماء لإتاحة الفرصة لإبداء أي اعتراض، ثم تقوم اللجنة بتنقية الأسماء مجددا، قم يجرى اقتراع لتصفيتها إلى الـ 3 الأعلى أصواتا، لتطرح في القرعة الهيكلية التي يحسمها أصغر الأطفال المتواجدين سنا».
ويضيف: «بعد ذلك يتم تنصيب البابا الجديد، وتقام عليه الصلوات، ثم ترسل الكنيسة اسمه إلى رئيس الجمهورية، أو إلى المجلس العسكري، كما هو متوقع بالنسبة إلى الوضع السياسي الراهن». ومن المتوقع أن يتم بث تلك اللحظة التاريخية على الهواء مباشرة، ليشاهدها العالم، لاسيما بعد ثورة الأقمار الاصطناعية والفضائيات، وهو ما لم يكن متاحا عند إجراء القرعة الهيكلية التي تم خلالها اختيار البابا شنودة عام 1971.
إلا أن المفكر العلماني، المطالب بتطوير الكنيسة الأرثوذوكسية، يرى ضمن مفكرين علمانيين آخرين، أن اللائحة 57 على هذا النحو «طبقية»، لأنها تقصر التزكية على «وجهاء وأعيان الأقباط». كما يعتبر أن من حق الجميع المشاركة في انتخاب البابا الذي يمثلهم.
وخلافا لتلك الانتقادات، يرى الكاتب الصحفي شارل فؤاد المصري في حديثه لـ DW أن القرعة الهيكيلة هي الطريقة المثلى «لأنها تمثل اختيار الرب، ولا ولن يوجد نظام أفضل منها. عندما ينتخب الموطنون مرشحهم، لا شك وأنه سينحاز إليهم يوما ما، لكن عندما يختار الإله هذا الشخص، تكون نزاهته في قيادة الكنيسة مضمونة للجميع».
بدورها، رأت الكاتبة والناشطة السياسية كريمة كمال، أنه لا بد من تطوير الكنيسة، لكنها أعربت في الوقت نفسه عن قناعتها بأن «الدين قائم في جزء كبير منه على الروحانيات، ومن ثم فإن فكرة ترك اختيار البابا للسماء من خلال القرعة الهيكيلية يتفق مع روحانية الدين المسيحي، بما يشعر الناس بأن الاختيار جرى بيد الله، وذلك خلافا لعملية الانتخابات الضرورية في المؤسسات المدنية والديمقراطية». وأضافت لـ «دويتشه فيله» أن التطوير الذي يمكن إحداثه في مسألة اختيار البابا يمكن أن يكون في توسيع دائرة الأسماء المرشحة.
زاخر: على الكنيسة العودة لدورها الروحاني
وعن أخطر التحديات التي ستواجه البابا الجديد، لخص زاخر حل جميع المشكلات في إرساء دولة القانون، وقال: «نحن أمام نقلة على مستوى الدولة والكنيسة، التحدي الحقيقي هو أن ننجح سياسيا، فلو نجحنا في الانتقال إلى دولة مؤسسات، ستجد الكثير من المشاكل القبطية حلا بالضرورة، في هذه الحالة سيُرفع عن البابا الجديد العبء السياسي».
واعتبر زاخر أن البابا شنودة اُضطر للعب دور سياسي في السيطرة على وامتصاص غضب الأقباط في المرحلة السابقة، بما أثار استياء بعضهم. ويقول «النظام هو الذي دفعه إلى ذلك بسبب عدم تعامله بجدية مع العديد من الملفات الشائكة مثل الاعتداء على الكنائس، ومشكلة بناء دور العبادة، ووظائف الأقباط، والتمثيل النيابي». وشدد على أنه «لو تأسست دولة القانون، ستعود الكنيسة لدورها الروحي وتبتعد عن السياسة».
أميرة محمد - القاهرة
مراجعة: منصف السليمي