الطبقة الوسطى في الجزائر مهددة بخطر "الأفول"
٢٧ سبتمبر ٢٠١٢يشعر أرباب العائلات الجزائرية في شرائح الطبقة الوسطى بحالة قلق وخوف كبيرين لأنهم أصبحوا على حافة الوقوع في فخ الفقر، الذي تتسع دائرته ويلتهم سنويا عددا من شرائح الطبقة المتوسطة. فأجور الكثيرين لم تعد كافية لتغطية نفقات كل أيام الشهـر، مما أجبر عائلات كثيرة على تغير نظام حياتها وتقليص حاجياتها المعيشية اليومية، وما يزيد من شعور الألم هو "اللاعدل" في توزيع الثروة بين أفراد الشعب من قبل السلطة الحاكمة.
الغلاء يقهر الطبقة الوسطى
يقول جمال الدين.ر (36 عام)، موظف إطار سامي بمؤسسة عمومية "رغم أننا نعتبر محظوظين في هذه البلاد، لأننا نحصل على رواتب شهرية جيدة، مقارنة بالأغلبية، إلا أن حبل الحاجة يلتف حول رقابنا كل سنة بشكل أقوى. ويضيف جمال الدين لـ dw: "يكفى أن تعرف الحجم المتدني للسعرات الحرارية التي نتناولها يوميا، وهذا بسبب الغلاء الفاحش الذي مس جميع المواد الاستهلاكية الأساسية، وأصبح أي طارئ سواء مرض أو مناسبة عائلية يربك الميزانية ".
ويؤكد محمد.ج (29 سنة)، موظف بشركة أجنبية، بأنه وزملائه العاملين في الشركة يجدون صعوبات كبيرة في توفير المستلزمات الضرورية للعيش، وعلى رأسها السكن، الذي يعتبر "محنة الطبقة الوسطى"، ويشتكي محمد في حديث لـ dwمن ارتفاع أسعار السكن، التي تصل أحيانا أرقاما خيالية، بسبب استغلال بعض الفاسدين للعقار لتبيض أموالهم، والغياب المطلق لسلطة الدولة، ويضيف قائلا: "ونحن لا يمكننا القيام بذلك لأن تربيتنا وأخلاقنا لا تسمح بذلك مما يجعلنا رهائن للإيجار الذي يلتهم ثلاثة أرباع رواتبنا، ونعيش بالربع الباقي في وضعية هي أقرب للطبقة الفقيرة منها إلى المتوسطة"، ويستخلص محمد: "نحن دوما كبش فداء المسؤولين، لكننا نعيش دوما على هامش اهتماماتهم".
فساد ونهب للمال العام
المتابعون للحراك الاجتماعي الجزائري يعتبرون أن الطبقة الوسطى توسعت قاعدتها بشكل أكبر في أحضان القطاع العام، خلال مرحلة حكم الرئيس هواري بومدين، إلا أن الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر البترول ابتداء من 1986، وتفاقم المديونية الخارجية، والأزمة السياسية التي دخلتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، دفع بالسلطة الحاكمة إلى القيام بسلسلة من الإجراءات منها تحرير السوق وخصخصة القطاع العام وتسريح العمال في مستوى نصف مليون عامل، بضغط من المؤسسات المالية الدولية. وبالرغم من أن هذه الإجراءات أعادت الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي، فقد تفجرت أزمات اجتماعية وطالت الطبقة الوسطى بشكل خاص، كما ساهم الفساد ونهب المال العام إلى الدفع بأعداد كثيرة من أبناء الطبقة الوسطى إلى مستويات الطبقات الفقيرة والمحرومة.
فشل السلطة في إدارة حاجيات المجتمع
في هذا السياق يؤكد المحلل الاقتصادي عبد الوهاب بولكروح، أن الأوضاع الاقتصادية التي عاشتها البلاد خلال العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي أثرت سلبيا على جميع المواطنين وعلى الطبقة المتوسطة بشكل خاص، فأصبح الحديث عن وجود طبقتين اجتماعيتين فقط في الجزائر، طبقة غنية وطبقة فقيرة. ومع نهج برامج الإنعاش الاقتصادي منذ عام 2001 بدأ التشكيل الجديد للطبقة المتوسطة المتكونة أساسا من أصحاب الشهادات العلمية وصغار المستثمرين وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويلاحظ بولكروح في حديث لـ dwوجود ارتباط بين الطبقة المتوسطة الجديدة والأوضاع الاقتصادية العالمية، ولذلك "فإنها أول من تضررت خلال أول تراجع لسعر النفط في الأسواق الدولية"، ومن جهة أخرى يرى الخبير " أن عجز الدولة في إدارة المنظومة الاقتصادية جعل الطبقة المتوسطة رهينة حاجياتها، مثل السكن، وهو ما يجعل الكثير من أسر الطبقة تعجز عن الادخار وتسقط في جحيم الفقر مع أول فشل لها في تسيير ميزانيتها، بمعنى أن الطبقة المتوسطة في الجزائر تقف على أرضية هشة".
طبقة وسطى لا تساهم في خلق الثروة
وفي ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الطبقة المتوسطة والمشاكل التي تواجهها، يتساءل المرء عن الأسباب التي كانت خلف عدم قيام الطبقة المتوسطة بتحركات واحتجاجات من أجل تغيير واقعها وتحسين ظروفها. ويجيب الدكتور ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع ومؤلف كتاب "لماذا تأخر الربيع الجزائري" على ذلك قائلا: "إن الطبقة الوسطى في الجزائر مقسمة بين تيارين وكل طرف متخوف من الأخر "فرنكفوني" و"عروبي"، ولذلك فإنها لا تستطيع أن تؤثر" ويضيف الدكتور جابي: " نحن نشاهد الآلاف من النقابات إلا أننا لم نسمع أن تم بينها اتفاق واحد حول نقاط مشتركة ولم تبذل أي مجهود لتحويل هذا الكم إلى قوة". ويرى جابي أن "السبب يكمن في طبيعة تركيبة الطبقة الوسطى في الجزائر الحالية المبنية أساسا على أفراد يعيشون من الريع ولا يساهمون في خلق الثروة، مما جعلهم أكثر "أنانية" و"انغلاقا" على أنفسهم".
"أغلبية تزداد فقرا وأقلية مقربة من السلطة"
ويذهب الدكتور مسعود درماش أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف إلى وصف الطبقة الوسطى في الجزائر بـ"المزيفة" لا تساهم في خلق الثروة، وهو ما يجعلها تظهر وتختفي بسرعة حسب ما تحصل عليه من "الريع" بين الفترة والأخرى، وحسب الدور الذي تقوم به في خدمة أجندة السلطة"، ويضيف الأستاذ درماش لـ dw" أن وظيفة إحداث التوازن في المجتمع عبر الطبقة الوسطى في كل المجتمعات –خاصة المتقدمة منها- تم سحقها بسبب الخلل الموجود في توزيع الثروة، مما يؤدي إلى وجود أغلبية تزداد فقراً وأقلية مقربة من السلطة تزداد غناً".
و يوضح الدكتور جابي أن الطبقة الوسطى على هامس المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد يشمل أيضا نخبا تحول دورها من تنظيم وتأطير الحراك الاجتماعي والسياسي إلى الكفاح من أجل الحصول على لقمة العيش. ويؤكد المتحدث بأن " الاستنزاف المتواصل للطبقة المتوسطة التي تمثل العمود الفقري لكل مجتمع، واتساع الهوة بين الطبقات الغنية والفقيرة، يهدد المجتمع بالانفجار وربما بحدوث "تغييرعنيف".