الطاهر بن جلون: التغيير في العالم العربي يتطلب جيلا أو جيلين
١٠ سبتمبر ٢٠١١تشهد برلين وإلى غاية السابع عشر من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري تنظيم فعاليات الدورة 11 من المهرجانُ العالمي للأدب. ويستضيف المهرجان أكثر من مائة وأربعين كاتبا وكاتبة جاؤوا من خمسين دولة منهم عشرة ُ كُتاب عرب. وقد َألقىَ كلمة الافتتاح الكاتبُ المغربي الطاهر بن جلون الذي تمحور تدخله حول دور الكتاب والمثقفين اليوم، في ظل عالم غربي يشهد تقلباتٍ اقتصادية متسارعة، وعالمٍ عربي يعيشُ خضم "ربيع ديمقراطي" لم تتضح بعد كل ملامحه. ومن المنتظر أن يحصل الطاهر بن جلون يوم 16 من سبتمبر أيلول 2011 على جائزة إيريس ماريا روماركه للسلام التي تمنحها مدينة أزنابروك. دويتشه فيله التقت بن جلون في برلين وأجرت معه الحوار التالي:
دويتشه فيله: ما هو شعورك بهذا الحضور القوي للطاهر بن جلون في الثقافة الألمانية؟
الطاهر بن جلون: إنه اهتمام قديم بالأدب المغربي المكتوب بالفرنسية. وقمت بالكثير من الجولات الأدبية في العديد من المدن الألمانية. وتدريجيا تشكل جمهور وفيٌ يتابع عن كثب ما ينشر لي باللغة الألمانية. إضافة إلى ما تكتبه الصحافة الألمانية سواء تلك المترجمة عن الصحافة الفرنسية أو بعض المقالات التي أكتبها خصيصا للصحافة الألمانية خاصة صحيفة "دي تسايت". وهذا التقدير هو نتاج عمل مستمر وطويل.
كيف ترى دور الكاتب العربي اليوم في ما يجري حوله من أحداث؟
لابد من الإشارة إلى أن التزام الكاتب العربي بقضايا المجتمع ليس جديدا. فكل الكتاب العرب المشهورين هم ضد الطغيان والاستبداد. والعديد منهم قضى حياته في المنفى. مؤخرا التقيت سعدي يوسف في مدينة طنجة وهو الذي قضى أكثر من 30 سنة من حياته في المنفى بين الدول العربية والأوروبية. الكاتب العربي هو ملتزم بقضايا وطنه، وعدد من الكتاب تعرضوا للتعذيب والقتل أيضا. نتذكر المثقف اللبناني سمير قصير الذي اغتالته المخابرات السورية لأنه كتب مقالا يفضح فيه الديكتاتورية السورية. الأمر لا يعدو أن يكون سوى جهلا من طرف الصحافة العالمية التي تعتبر الكاتب العربي صامتا عما يجري حوله، وأنه يقف في صف الطغيان والديكتاتورية. وهذا غير صحيح بالمرة، قد يكون البعض منهم كان إلى جانب الديكتاتوريات العربية ولكنهم كُتاب لا قيمة لهم.
كيف ترى الحراك العربي؟
يعيش العالم العربي مرحلة تاريخية مهمة. لم نكن نتوقع أن يحدث ما حدث. كنا ننتظر حدوث تغيير في دول مثل مصر التي عانت منذ زمن بعيد من الطغيان منذ جمال عبد الناصر ومرورا بالسادات إلى مبارك. وقد حاول المصريون منذ مدة من خلال حركة كفاية خلخلة الأوضاع ولكن الطغيان كان أقوى منها. فكانت الانطلاقة وعلى غير المتوقع من تونس التي انتفضت ضد الاستبداد. وهذا يظهر أن الضغط والطغيان لا مستقبل له، بحيث أن أي شعب كيف ما كان وأينما كان سينفجر بفعل ضغط الديكتاتورية. وهذا معروف منذ القدم منذ عهد سبارتاكيس إلى زمننا الحالي. قد لا نتوقع وقت الانتفاضة ولكنها آتية لا محالة. قد لا نعرف أيضا إلى أين ستسير الأمور في اليمن والبحرين والعراق وسوريا. ولكن بشار وعائلته المجرمة سيرحلان دون شك.
اعتبرت في كلمتك الافتتاحية أن ما يجري في العالم العربي ليس ثورة بل انتفاضة، ما الفرق إذا كانت النتيجة هي إسقاط الديكتاتوريات؟
يختلف الأمر. فالثورة تكون وراءها أيديولوجية وحزب، وتكون مرتبة. على عكس الانتفاضة التي هي عفوية ونتاج غضب. حيث يخرج الناس بشكل عفوي إلى الشارع مضحين بأنفسهم وبحياتهم وبحياة أسرهم. قد تتحول الانتفاضة إلى ثورة في حال نجاحها، كما حدث في مصر وتونس وليبيا، قد تضع آليات للحكم الديمقراطي ودولة الحق والقانون. وهذا طبعا يتطلب زمنا طويلا.
كيف تقيم الأوضاع في المغرب؟
سئلت هنا في مهرجان برلين العالمي للأدب في سياق الحديث عن الربيع العربي عن المغرب. وجوابي هو أنه لو صادف هذا الربيع عقد التسعينات. لكان الوضع في المغرب مختلف تماما. لأننا كنا نعيش في ظل حكم ديكتاتوري كما هو الحال في تونس ومصر ودول عربية أخرى. غير أنه ومنذ وصول محمد السادس إلى الحكم تغيرت العديد من الأمور. وأدخل العديد من الإصلاحات السياسية والقانونية والمجتمعية. فهو الآخر عانى من حكم أبيه ومن حسن الحظ أنه ملك عصري حاداثي. قام أيضا بالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد أبيه حتى وإن لم تتم الإشارة إليه مباشرة. هذا لا يعني أن كل ما يحدث في المغرب هو جميل وجيد. توجد مشاكل أساسية مثل الرشوة والفساد والبطالة ومشكل الصحة والتعليم. إنها ظواهر مرضية تنخر المجتمع المغربي وتقف حجر عثرة أمام كل المجهودات التي يبذلها المغرب. إنها ليست مشاكل عابرة بل بنيوية أصبحت للأسف جزءا من الهوية المغربية. إن القضاء عليها يتطلب بذل مجهودات كبيرة وعلى الجميع تحمل المسؤولية وعلى رأسهم المواطن. ستشكل التعبئة من أجل محاربة هذه الظواهر السيئة في المغرب ثورة جديدة.
بماذا ترد على منتقديك بأنك تحابي الحكم في المغرب؟
هناك جهل، وأحيانا متعمد. أنا لا أدافع عن الحكم بطريقة عمياء. أنا أقارن المغرب مع الدول العربية. لا أقارن المغرب مع الدانمارك أو ألمانيا. يجب أن تكون المقارنة في نطاق المعقول. فالمغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي تتمتع بالحرية. إنها ليست حرية مطلقة، ولا توجد حرية مطلقة. لا تعني حرية الرأي التجريح والقذف. طبعا أنا ضد اعتقال الصحافي. يجب أن يقدم إلى المحاكمة في حالة إخلاله بالقوانين ولكن يجب إلغاء القوانين السالبة للحرية في حق الصحفي. إنني كاتب أتابع ما يحدث في المغرب وأقارنه بما يحدث في الدول العربية. وأكتب انطلاقا من قناعاتي التي هي خارج رهانات الحكم. أكتب عن الجيد وعن السيئ أيضا في المجتمع المغربي. إن المغرب أحيانا لا يعرف كيف يسوق نفسه. هل يوجد رئيس عربي قام بالكشف عن انتهاكات ماضي حقوق الإنسان وقام بتعويض المتضررين. لا يوجد هذا حتى في جنوب أفريقيا بشهادة وسائل الإعلام العالمية.
هناك تخوف مما يقع الآن في العالم العربي ومن أن الأمور قد تصب في مصلحة الإسلاميين؟
النتيجة الأولى لهذا الربيع العربي هو فشل الإسلاميين. لأنهم ظلوا بعيدين عنها ولم يشاركوا فيها. إن الشعارات التي حركت الربيع العربي، هي شعارات كونية وغير مرتبطة بالخطاب الديني. ثانيا فالحركة الإسلامية المنتشرة في مصر بالخصوص ليست حركة واحدة متجانسة بل إنها متعددة. إن الحراك العربي هو نتاج تحرك عفوي كما قلت من قبل. ولكن لا يجب أن يذهب بنا التخوف إلى حد إلغاء أي كان. إن الإسلاميين هم جزء من المجتمع. ولأنني أومن بالديمقراطية فأنا أقول، إن لكل الأحزاب والجماعات الحق في التعبير عن مبادئها وأفكارها. إلا أنه يجب فصل الإيمان عن الممارسة السياسية.
كيف ترى موقف الدول الغربية في ما يجري في العالم العربي؟
يدافع الغرب عن مصالحه. فسواء الدول الأوربية أو أمريكا تراعى بالأساس مصالحها. والغرب هو الذي رعى الديكتاتورية والطغيان. ما أقول للغرب هو أنه ليس من حقه إعطاء الدروس في السلوك والأخلاق. فالغرب ساند كل الديكتاتوريين العرب الذين تلفظهم الآن شعوبهم. إن وسائل الإعلام الغربية تسلط الضوء على هذه الأمور بنوع من الاحتشام. فالغرب، خاصة فرنسا وإيطاليا، يخون يوميا المبادئ ويدوس على الأخلاق. الفرق الوحيد بيننا وبينهم هو كون وسائل الإعلام تفضح هذه الأمور وتتعرض لها يوميا.
في نظرك إلى ماذا ستؤول إليه الأمور في العالم العربي؟
لابد من الواقعية. ما يحصل الآن في العالم العربي لن يغير كثيرا في جوهر الأشياء. لن يحصل التغيير في القريب العاجل. سيتطلب الأمر جيلا أو جيلين. من الصعب جدا تغيير سلوكات الناس وعقلياتهم. إن الديمقراطية هي سلوك يومي في علاقة الفرد بالآخر سواء كان جارا أو حاكما.
أجرى الحوار: محمد مسعاد
مراجعة: حسن زنيند