الطاقات المتجددة في مصر ... طاقة خضراء من قلب الصحراء
٦ أبريل ٢٠١١يشهد الوضع السياسي في مصر تغييرا سريعا في الوقت الراهن، إلا أن رياح التغيير لم تقتصر على الجانب السياسي ولكنها شملت أيضا مجال إنتاج الطاقة كما هو الحال على سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. ويتجه المصريون إلى الاستفادة من الظروف المناخية المتوفرة في بلادهم، لتوليد الطاقة من الرياح بعيدا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. ومن المخطط أن يتم إنتاج 20 في المائة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2020. ولا يعتقد الخبراء بأن التغيرات السياسية يمكن أن تؤثر على هذا المشروع المستقبلي.
عدم استنفاذ الإمكانات المتاحة
ويبقى على مصر بذل المزيد من الجهود لحقيق هدفا الطموح، إذ أن نسبة كبيرة من الكهرباء في مصر مازلت تُنتج حتى الآن من الوقود الأحفوري، الذي يشكل عبئا كبيرا على البيئة فحسب، وإنما أيضا على ميزانية الدولة لاسيما أن الاحتياطيات المتوفرة في البلاد من النفط والغاز محدودة للغاية. وكما يقول اندريه بولينغ من منظمة السلام الأخضر Greenpeace فإن"الإمكانات المتاحة لاستخدام الطاقة المتجددة في شمال أفريقيا لم تُستنفذ". وكما يرى بولينغ فإن هذا يرتبط بشكل رئيسي بارتفاع تكلفة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتقوم مصر بتنفيذ أولى المشاريع التجريبية بدعم من جهات مانحة غربية. إن محطة إنتاج الطاقة من الرياح في الزعفرانة والتي تقع على بعد حوالي 120 كيلومترا جنوب مدينة السويس، تعتبر أكبر محطة من نوعها في أفريقيا، إذ يبلغ إنتاجها من الكهرباء 1400 غيغاواط /ساعة سنويا. ويعد ساحل البحر الأحمر أحد أفضل المواقع لإنتاج طاقة الرياح، وتقدر الإمكانات المتوفرة في مصر لإنتاج الطاقة من الرياح بحوالي 20000 ميغاواط ، أي ما يعادل قدرة 16 محطة لإنتاج الطاقة النووية. ومن بين الجهات الممولة لمشروع الزعفرانة، البنك الألماني للتنمية. وكما يوضح شاريس بوتينغ من البنك الألماني للتنمية، "تم وضع الخطط لتنفيذ المزيد من المشاريع في جبل الزيت وقد تم التوقيع بالفعل على اتفاق بهذا الخصوص مع الحكومة المصرية".
زيادة إنتاج الطاقة الصديقة للبيئة
وإلى جانب مصر تواجه منطقة شمال أفريقيا برمتها تحديات في مجال الطاقة في ظل تزايد الطلب المطرد على الطاقة بسبب النمو السكاني الهائل والتطور المستمر في قطاع التصنيع. ويتعامل كل بلد من بلدان المنطقة مع هذه التحديات بشكل مختلف، فالجزائر مثلا التي تملك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، تتجه إلى دعم الأسعار بحيث تبقى منخفضة، أما الضرر الأكبر من هذه السياسة فيقع على سلامة البيئة. وكما يقول بولينغ من منظمة السلام Greenpeace:
"لا تزال العديد من بلدان شمال أفريقيا للأسف، تسعى لمواجهة النقص في الطاقة من خلال سعيها لبناء المزيد من محطات توليد الكهرباء من الفحم والطاقة النووية".
إلا أن هناك دولا سلكت طريقا مغايرا، فالمغرب يعتبر مثالا يُقتدى به في المنطقة في مجال تطوير الطاقات المتجددة. وحتى وقت قريب كان المغرب مضطرا إلى استيراد معظم احتياجاته من الكهرباء بثمن باهظ، شأنها في ذلك شأن دول أخرى في المنطقة كمصر وتونس. لذا كان البحث جاريا منذ عدة سنوات لإيجاد حلول بديلة، ويتم ذلك في كثير من الأحيان بمساعدة أوروبية. وبحسب بوتينغ من البنك الألماني للتنمية: "نحن ندعم إنشاء محطات توليد الطاقة من الرياح في الصويرة وطنجة" وقد بدأت المحطة في مدينة الصويرة بالعمل منذ عام 2007 وهي تنتج 210 غيغاوات/ ساعة من الكهرباء سنويا.
أوروبا تستفيد من الكهرباء المولدة في الصحراء
وفي المستقبل يمكن أن تستفيد أوروبا نفسها من المساعدة المالية والتكنولوجية التي تقدمها لدول شمال إفريقيا، كما هو الحال في مبادرة ديزيرتيك Desertec ، فالهدف منها هو تصدير الكهرباء المولدة بشكل صديق للبيئة من شمال أفريقيا إلى أوروبا. وبحلول عام 2050 ستتم تغطية 15 في المائة من احتياجات الكهرباء في أوروبا من الصحراء، حيث ستولد الكهرباء على نطاق واسع من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وكما يقول الكسندر موهانتي من مبادرة ديزيرتيك "تم حل كل المسائل تقريبا فيما يتعلق بالجانب التكنولوجي، لكن هناك حاجة الآن للعمل من أجل إنشاء الأطر السياسية المناسبة". إلا أن موهانتي يشدد على أن جزءا كبيرا من الكهرباء المنتجة يجب أن يُخصص للاستهلاك في البلدان المنتجة، ويضيف: "إن الدول المنتجة تحقق فائدة مزدوجة، فهي تتلقى مساعدة في مجال تطوير الطاقات المتجددة، وكذلك يتم توفير وظائف وفرص عمل في قطاع صناعي واعد."
خطط توليد الكهرباء في الصحراء، لا تزال حتى الآن في عداد المشروعات المنتظر تنفيذها في المستقبل، ويجري العمل على قدم وساق لتنفيذ أول تلك المشروعات في المغرب، حيث التوقعات كبيرة للغاية. وكما يرى بولينغ، فإن ديزيرتيك Desertec يمكن أن تمثل مساهمة هامة في سبيل حل مشكلة الطاقة العالمية". إلا أن الأمر يستدعي تطوير شبكات الكهرباء بين أوروبا وأفريقيا، كما يوضح الخبير في منظمة السلام الأخضر Greenpeace. وبحسب تقديره فإن سريان تيار الكهرباء من الجنوب إلى الشمال سيستغرق عشر سنوات أخرى.
إن الرواد المهتمين بإنتاج الطاقة من مصادر متجددة في الصحراء لا يتركون الاضطرابات السياسية الحالية والثورات في شمال أفريقيا تؤثر سلبا على خططهم. وكما يوضح موهانتي فإن "العمل على دراسة أولية في تونس، قد توقف في الوقت الراهن، ومع ذلك، فإننا نتوقع أن تكون الاضطرابات مؤقتة، وقريبا سيكون هناك أنظمة سياسية مستقرة." أما بولينغ فيرى أن التغيرات السياسية تمثل فرصة، وعلى حد قوله، فإن"العديد من الرؤساء والحكام السابقين، كانوا على ارتباط وثيق مع قطاع صناعة النفط، وهم بالتالي حالوا دون تطوير قطاع الطاقات المتجددة." ولذا يعتبر بولينغ أن دمقرطة المنطقة سينعكس إيجابيا على المدى المتوسط على توليد الطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الشمسية.
نيلي جنش/ نهلة طاهر
مراجعة: طارق أنكاي