الطائرات المسيرة..هل يمكن ضبط هذا النوع الجديد من التسلح؟
٤ يوليو ٢٠٢١شنت الولايات المتحدة قبل أيام غارات استهدفت فصائل مسلحة موالية لإيران قرب الحدود العراقية السورية. ووفقا لمسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الغارات جاءت ردا على هجمات بطائرات مسيرة شنتها تلك الفصائل على قوات ومنشآت أمريكية في العراق.
وقال الجيش الأمريكي إن الطائرات المسيرة التي تعرف بـ "المركبات الجوية غير المأهولة ( UAVs) قد استخدمت خمس مرات ضد الجنود الأمريكيين منذ أبريل / نيسان.
وفي أحدث الهجمات، انفجرت طائرة مسيرة في صالة طعام يستخدمها أمريكيون داخل مطار بغداد، فيما تضررت حظيرة طائرات أمريكية شمال العراق في هجوم آخر بطائرة مسيرة. وتأتي هذه الهجمات في سياق تزايد استخدام الطائرات المسيرة في منطقة الشرق الأوسط سواء لأغراض الاستطلاع أو المراقبة أو لتنفيذ هجمات تشنها دول في المنطقة أو ميليشيات سواء في العراق واليمن وسوريا ومناطق اخرى.
الضغوط السياسية
يشير معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) ومقره مدينة ميلانو الإيطالية إلى أن دول الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل أنفقت ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار أي ما يعادل 1.27 مليار يورو على الطائرات المسيرة العسكرية خلال السنوات الخمس الماضية.
وربما قد تكون إسرائيل أكثر دول المنطقة تقدما فيما يتعلق بصناعة الطائرات المسيرة ولا يبدو أنها ستنقل هذه التكنولوجيا إلى الدول التي تعتبرها أعداء محتملين، فيما تعد تركيا وإيران والإمارات والصين الموردين الرئيسيين الآخرين للطائرات المسيرة في المنطقة.
وتمتلك إيران واحدا من أطول برنامج تشغيل الطائرات المسيرة، كما يوضح فريدريكو بورساري – الباحث في معهد الدراسات السياسية الدولية. ويضيف أن إيران، وفي ظل العقوبات الدولية ونقص التحديث في سلاحها الجوي، أدركت منذ وقت طويل أن الطائرات المسيرة – التي تزود بها حلفائها في أماكن أخرى - يمكن أن تمثل إضافة لقوة سلاحها الجوي فضلا أن هذا يعطي طهران "إنكارا معقولا" (عن أي مسؤولية عن شن هجمات بطائرات مسيرة).
وتُستخدم الطائرات المسيرة من المحتمل من قبل الميليشيات العراقية في هجماتها التي تستهدف القوات الأمريكية أو من قبل الحوثيين في اليمن ضد السعودية، فيما يتفق الخبراء على أن إيران قد تكون هي مصدر هذه التقنية بالنسبة لدول الجوار.
ويشير بورساري إلى أنه رغم ذلك يمكن لإيران إنكار أي صلة لها بهذا الأمر. وفي مقابلة في DW عربية، ويضيف "من وجهة نظر طهران، يمثل هذا الأمر أفضلية إذ أن الطائرات المسيرة التي تمتلكها يمكن استخدامها في ممارسة نوعا من الضغط السياسي".
قوة جوية ذات تفوق
من جانبه، يحذر فابيان هينز، محلل في شؤون الشرق الأوسط ومتخصص في الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، من تداعيات استخدام الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط.ويؤكد أن انتشار الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط يعد أمرا خطيرا لكونه يعمل على "تغيير التوازنات العسكرية أو التسلسلات الهرمية العسكرية في المنطقة."
ويوضح هذا الأمر بقوله: "في الماضي، كنا نستطيع توقع ما سيسفر عنه أي صراع قد يندلع استنادا لما تملكه الدول المتحاربة من عتاد عسكري يتعلق بالطائرات الحربية والتدريبات وهذا يعطي تقييما للقوة العسكرية لهذه الدول، لكن الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية عملت على تغيير هذه المعادلة."
وعلى وقع هذه التحذيرات، يرى مراقبون أن الحل الرئيسي للتعاطي مع الاستخدام المتنامي في الشرق الأوسط للطائرات المسيرة يتمثل في إيجاد تنظيم جيد لهذا الاستخدام.
وإزاء ذلك، حذرت أغنس كالامار - المقررة السابقة للأمم المتحدة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء - في مقال نُشر في مجلة "ذا بوليتان" الخاصة بعلماء الذرة من العالم قد دخل "العصر الثاني للاستخدام الطائرات المسيرة". وتضيف أن هذا الأمر يتمثل في "انتشار غير خاضع للرقابة للطائرات المسلحة بدون طيار التي تعد الأكثر سرعة والأقل وزنا والأكثر تقدما فضلا عن قدرتها الكبيرة على تنفيذ عمليات قتل مستهدفة مقارنة بالجيل القديم من الطائرات المسيرة".
ووفقا لآخر إحصائية أُجريت في مارس / آذار عام 2020، فإن أكثر من 102 دولة تمتلك طائرات مسيرة عسكرية بالإضافة إلى ما يقدر بـ 63 تنظيما أو جهة غير حكومية.
الحاجة إلى ضبط الأمور
وتطالب كالامار الدول بالعمل معا لإنشاء نظام جديد يتضمن "معايير قوية تتعلق بتصميم وتصدير واستخدام الطائرات المسيرة ونقل التكنولوجيا العسكرية ذات الصلة". بيد أن المقترح بشأن إنشاء نظام تنظيمي لضبط استخدام الطائرات المسيرة يثير تساؤلات حيال فعاليته في الشرق الأوسط بالنظر إلى الانتشار الكبير في استخدام الطائرات المسيرة في الوقت الحالي. وهل سيكون هذا أفضل مما أقدمت عليه الولايات المتحدة قبل أسبوع باستهدافها الجهة التي تقف وراء استهداف قواتها في العراق؟
وفي ذلك، يقول جيمس روجرز - أستاذ الدراسات السياسية والمستشار الخاص المعني بالطائرات المسيرة للحكومة البريطانية - "عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجيات العسكرية، فسيكون فعالا جدا استهداف مصادر ونقاط حيث يتم تصنيع هذه التكنولوجيا أو من خلال القضاء على الأفراد الذين تلقوا تدريبا عاليا على صنعها".
ورغم ذلك، يشير روجرز الذي يقيم حاليا في الدنمارك إلى أنه "عندما تكون هناك علاقة واضحة جدا بين دولة ما كمورد – على سبيل المثال تزويد الطائرات المسيرة للمليشيات في العراق أو الحوثيين في اليمن -ففي هذه الحالة قد تكون هناك وسائل دبلوماسية أخرى أعتقد أنه يجب أن يتم تبنيها جنبا إلى جنب مع الطرح الأول. كما يتعين أن يتماشى شن أي ضربة مع القانون الدولي وأن يدعم سيادة الدول ولا يقوضها".
تصميمات إيراني
وتمكن روجرز خلال تواجده في الشرق الأوسط من فحص بعض الطائرات المسيرة الخاصة بالحوثيين بشكل دقيق. وفي هذا الصدد، يقول في مقابلة مع DW إن هذه الطائرات المسيرة مستوحاة من طائرات مسيرة تصنعها إيران فضلا عن أسلاك من الصين وكاميرات رقمية حديثة من كبرى الشركات العالمية، فيما تأتي المحركات من مجموعة متنوعة من شركات أوروبية. ومن المحتمل أن الحوثيين يصنعون الأجزاء الباقية ربما عن طريق تقليد المكونات الأصلية التي قد تأتي من أماكن أخرى.
من جانبه، يرى هينز أن تقريرا أمميا قد أشار إلى أن هناك أدلة بأن إيران تقوم بتزويد وكلائها في الدول الأخرى بتصميمات لطائرات مسيرة عسكرية. وكان التقرير الذي أعده خبراء من الأمم المتحدة قد سلط الضوء على مكونات طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون ضد أهداف في السعودية.
ويدفع ما خلص إليه هذا التقرير هينز وروجرز إلى الاتفاق على أنه في الوقت الذي يمكن فيه السيطرة على تصدير تكنولوجيا الطائرات العسكرية المسيرة، فإنه سيكون من المستحيل بشكل كبير منع وصول الطائرات المسيرة لأغراض تجارية إلى أيدي الجهات أو التنظيمات غير الحكومية في الشرق الأوسط التي قد تستخدمها لأغراض إجرامية.
انتهاك السيادة
ويقول هينز إنه يمكن "ضبط المكونات التي تصنع لأغراض تجارية بشكل أفضل، لكن هذا الأمر من المحتمل أن يسفر عن تأثير محدود." ويضيف "هذا الأمر سيجعل سباق التسلح بالطائرات المسيرة أكثر كلفة وأكثر صعوبة لكنه سيؤدي فقط إلى إبطاء وتيرته قليلا خاصة أن من يريد شراء هذه المكونات سيكون بمقدوره العثور على وسيط لبيعها أو يمكن تعويض هذه المكونات بأخرى تصنع محليا".
أما روجزر الذي شارك مع كالامار في كتابة المقال الذي نُشر في مجلة "ذا بوليتان"، فيعتقد أن إحدى الطرق في ضبط انتشار الطائرات المسيرة في المنطقة يتمثل في التركيز على استخدامها أكثر من التركيز على الجهة التي تورد مكونات الطائرات المسيرة.
وفي هذا السياق، يضيف روجرز قائلا: "إن هناك قضية غاية في الأهمية تتعلق ببدء انتهاك الطائرات المسيرة للقانون الدولي حيث أدت هذه الطائرات المسيرة إلى وقوع انتهاكات لسيادة بعض الدول".
حرب التحكم عن بعد
ويسلط روجزر الضوء على أمثلة عدة لما أطلق عليه "الحرب التي يتم التحكم فيها بعد" التي قال إنها تبدو أقل خطورة وأقل تكلفة.
ويضيف "يمكن إرسال مركبة يتم التحكم فيها عن بعد إلى المناطق الحدودية دون التعرض لخطر إسقاط طيار أو القبض عليه. ويمكن أيضا مراقبة مناطق كبيرة دون الحاجة إلى اجتياز الحدود. ولذا فقد بدأنا في رؤية أساليب مقلقة (في استخدام هذه التكنولوجيا)."
وبسبب خطورة الأمر، يدعو روجزر إلى تبني معايير أكثر صرامة حيال استخدام الطائرات المسيرة بل يقترح إبرام اتفاق حسن نية تتفق الدول بموجبه حول كيفية استخدام الطائرات المسيرة بما في ذلك الأمور المتعلقة بعبور الحدود والامتثال للقانون الدولي ووضع أفضل الممارسات بشأن الطائرات المسيرة ونقل التكنولوجيا لأطراف ثالثة ويمكن أن يدرج هذا الأمر في اتفاقيات الاستخدام بين الدول التي تبيع الطائرات المسيرة والدول التي تقوم بشرائها."
ويضيف في مقابلة مع DW أن هذا الأمر "سيعود بالفائدة على كافة الأطراف المعنية بسبب أنه لن توجد بعد ذلك دولة ترغب في انتهاك سيادتها. وإذا تم خرق هذا الاتفاق، فسوف يترتب على الأمر عدم الاستمرار في بيع الطائرات المسيرة لهذه الجهات".
وعلى الرغم من التشاؤم الذي يسود خبراء الطائرات المسيرة حيال إيجاد ضوابط فعالة وشاملة لهذا الأمر، فإن روجرز يرى أن النقاش الدائر والتفكير في تداعيات استخدام الطائرات المسيرة يعد أمرا حيويا بالنسبة لمستقبل الصراعات وحقوق الإنسان.
ويضيف "إذا تم ضبط معظم الأنظمة عالية التكنولوجيا وكيفية استخدامها. ففي هذه الحالة يمكن إنشاء إطار عمل يتم تطبيقه بشأن الكيفية المحتملة التي عن طريقها يمكن التحكم في أنظمة الذكاء الاصطناعي (العسكرية) ذاتية التشغيل والتي تمثل فيها الطائرات المسيرة مجرد البداية".
كاثرين شاير ، كرستين نيب / م ع