الصين تشتري نجوم الكرة وتستنسخ عالم كرة القدم
٣٠ ديسمبر ٢٠١٦أرقام خرافية تلك التي تعرضها الفرق المحلية الصينية لشراء خدمات لاعبين كبار من أوروبا وأميركا الجنوبية. الأموال الصينية تغزو الأسواق الرياضية، ففريق شنغهاي شينهوا اشترى المهاجم الأرجنتيني كارلوس تيفيز من نادي العاصمة الأرجنتينية بوينس أيريس نادي بوكا جونيور. تيفيز وقع عقدا لعامين مع النادي الصيني ليحصل على راتب 80 مليون يورو لعامين، مبلغ يفوق ما يحصل عليه ميسي وكذلك رونالدو مع برشلونة وريال مدريد.
وقبل أيام اشترى نادي شنغهاي اس بي جي اي خدمات اللاعب البرازيلي اوسكار من نادي تشيلسي لندن الانكليزي مقابل 71 مليون يورو، كما سيحصل اللاعب على 417 ألف يورو أسبوعيا. وهو مبلغ خيالي بالنسبة للاعب البرازيلي البالغ من العمر 25 عاما فقط. صحيفة "بيلد" نقلت أن رونالدو رفض عرضا بمبلغ يفوق 300 مليون يورو للانتقال إلى أحد الأندية الصينية. المبلغ الذي عرض يفوق التوقعات، فقد قال مدير أعمال رونالدو خورخه منديس لقناة سكاي سبورت الإيطالية، إن ريال مدريد تلقى عرضا بمبلغ 300 مليون يورو لترك رونالدو يرحل عن النادي الملكي. هذه فقط حصة النادي. أما النجم البرتغالي فسيحصل على 100 مليون يورو سنويا. لكن رونالدو رفض العرض، كما نقل مدير أعماله.
نفس الصحيفة الألمانية نقلت أن عرض شراء من نادي بيجين غوان قدم إلى نادي غلطة سراي التركي للألماني لوكاس بودولكسي مقابل 7 ملايين يورو فقط. ولم يذكر المبلغ الذي سيتقاضاه بودولسكي للعب في النادي الصيني. لكن النادي التركي تحدث عن احتمالية قبول انتقال لوكاس مقابل 20 مليون يورو. وسيقرر اللاعب نفسه، بعد العودة من عطلة عيد الميلاد يوم الثالث من كانون الثاني / يناير، إن كان سيبقى مع النادي التركي أم سينتقل للعب في الصين.
ما وراء هذه العروض؟
الصينيون يعرفون السعر الذي يقدمونه جيدا للفرق الأوروبية وغيرها مقابل أي لاعب، فهم يعلمون جيدا أن غلطة سراي بحاجة للمال، فعرضوا عليه مبلغ 7 ملايين، رغم أن قيمة بودولسكي في سوق الانتقالات تصل إلى 8 ملايين. فيما يعلمون جيدا أن قيمة رونالدو في ريال مدريد لن تتجاوز 100 مليون ربما، فعرضوا 300 مليون.
مبالغ سيتساءل البعض عما وراءها، وإن كان الغرض منها يكمن في الرغبة بتحسين واقع كرة القدم في الصين. أم أن الأمر هو في الحقيقة صفقات تجارية وراءها ما وراءها. فخلف كل اسم من هؤلاء صفقات تجارية وتسويقية. ولكن يبقى السؤال إن كانت الكرة الصينية ستتطور حال قدوم لاعبين بأسماء كبيرة قد تجاوز بعضه الثلاثين من عمره.
ظاهرة شراء خدمات اللاعبين في الصين ليست جديدة، لكنها برزت أكثر بعد العروض الخيالية للاعبين من أمثال تيفيز ورنالدو. إذ أن الأندية الصينية قد بدأت بشراء خدمات لاعبين من أصول لاتينية وإفريقية ممن يقبلون بعروض الرواتب المغرية التي تقدمها لهم الأندية الصينية.
لاعب ليفركوزن السابق البرازيلي ريناتو اوغستو فضل الانتقال الشتاء الماضي من ليفركوزن إلى فريق في العاصمة بيجين على الانتقال للعب مع نادي شالكه الألماني. ونقلت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية عنه “اللاعب منا يملك 10 أعوام لجني المال".
واشترت الأندية الصينية في البداية خدمات لاعبين كبار مثل العاجي ديده دروغبا والفرنسي نيكولاي انيلكا، حبا في أسمائهم الكبيرة وقدرتهم على توجيه اللاعبين وقيادة الأندية بسبب خيرتهم الكبيرة في عالم الكرة. لكن لاعبين مثلهم قد تجاوزوا مرحلة اللعب وتقديم الانجازات الكروية، ولم تبقى منهم سوى خبرتهم وأسماءهم الكبيرة. ويبدو أن الأندية الصينية قد تجاوز بعضها الآخر هذه المرحلة وبدأ في التفكير جديا بشراء خدمات لاعبين أصغر سنا لرفع مستوى كرة القدم الصينية محليا. وليس هناك أفضل من اللاعبين القادمين من أميركا الجنوبية أو إفريقيا. فأغلبهم رغم أسماءهم الكبيرة جاء من واقع فقير ويحاول استغلال وقته لجني المال قدر المستطاع. كما أشار ريناتو اوغستو.
مصادر الأموال
ظاهرة ارتفاع أسعار العروض ليست من فراغ. فعالم كرة القدم في الصين غزته رؤوس الأموال منذ مدة. إذ أن هناك حملة لشراء الأندية الرياضية منذ مدة للاستثمار فيها من قبل شركات خاصة أو حتى شركات تابعة للدولة الصينية. فمثلا اشترت نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي مجموعة تدعى سوننغ كومرس لإنتاج الأجهزة الكهربائية، نادي يانغسو بمبلغ 73 مليون يورو، وهو النادي الذي يلعب فيه البرازيلي راميريز دي سانتوس، الذي باع خدماته تشيلسي لندن الانكليزي الموسم الماضي مقابل 32 مليون يورو. مثال آخر هو استثمار شركة متخصصة في الطب الصيني لنادي الدرجة الثانية تيانجين كوانجيان، الشركة تبيع منتجات مضادة للسرطان مقابل 1500 دولار، ودعمت شراء النادي لخدمات اللاعب البرازيلي جيوفانيو مقابل 11 مليون يورو. كما اشترت خدمات لاعبين شباب آخرين في 12 صفقة مشابهة بمبلغ 29 مليون يورو.
منفعة متبادلة؟
المنفعة المادية التي تأتي من شراء خدمات لاعبين بأسماء كبيرة أو لاعبين موهوبين يراد منها الاستثمار من خلال الإعلانات وكذلك من خلال رفع مستوى كرة القدم الصينية على المستوى المحلي. بنفس الوقت فإن الفائدة تصب بمصلحة الفرق التي تبيع خدمات اللاعبين، مثل تشيلسي أو غلطة سراي، كما هو الحال مع العرض المقدم لشراء خدمات ليفاندوفسكي. كما أنها تصب في النهاية بصالح اللاعبين أنفسهم، مادياً لكن بالنهاية ليس رياضياً، مثلما هو الحال مع انتقال اللاعب البرازيلي اوسكار من تشيلسي لندن إلى شنغهاي اس بي جي اي، إذ ترك كرة القدم الأوروبية واللعب في دوري الأبطال وراء ظهره ليلعب في الدوري الصيني، الذي لا يلقى مشاهدة كبيرة، حتى من الصينيين أنفسهم، كما يلقى البريمرليغ الانكليزي عندهم. أمر انتقده مدرب نادي ليفربول الانكليزي يورغن كلوب، الذي قال حينها: يمكن لأوسكار جني المال في أوروبا أيضا". لكن بكل تأكيد ليس بحجم ما سيجنيه مع ناديه الصيني.
نجحت الصين في استقطاب الأموال واستنساخ التكنولوجيا لتقفز إلى العالم المتقدم تاركة خلفها دولا صناعية كبيرة. لم تترك الشركات الصينية شيئا إلا واستنسخته وطورته إلى حد التفوق على النسخة الأصلية أحياناً، فهل ستنجح الأموال الصينية باستنساخ مواهب الكرة وعالمها؟