الصراع بين المصالح والمثل العليا في مسألة الحفاظ على البيئة
تعتبر ألمانيا إحدى الدول الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة ليس على الصعيد الأوروبي فحسب، وإنما على الصعيد الدولي أيضاً. والآن وبعد 10 أعوام من الكفاح والنضال من أجل المصادقة على بروتوكول كيوتو والالتزام به من قبل أكبر عدد ممكن من الدول، دخل هذا البروتوكول أمس الأربعاء 16 فبراير/شباط 2005 حيز التنفيذ. وبالرغم من إعلان بعض الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من هذه الاتفاقية ، غمرت الفرحة ببدء العمل بها المنظمات الناشطة في مجال الحفاظ على البيئة والكثير من السياسيين والعلماء والباحثين. وتريد الدول الغنية بموجب هذه الاتفاقية وحتى عام 2012 تقليص حجم انبعاث الغازات الضارة بنسبة 5 % مقارنة بما كانت عليه في اتفاق عام 1990. ولكن يبدو أن الاتفاقية تعاني من بعض مواطن الضعف، إذ تشكك الكثير من الدول فيها وتقول أن تطبيقها لهذه الاتفاقية هو مثل عدمه، بمعنى أن ذلك لن يؤثر إيجابياً على البيئة.
ألمانيا قطعت شوطا كبيرا في مجال الحفاظ على البيئة
قال وزير البيئة الألماني يورغن تريتين أن "الشئ التاريخي والمميز في تطبيق هذا البروتوكول هو ليس الاتفاق على تقليص نسبة انبعاث الغازات عند مستوى معين، الشيء الذي ثبت علمياً انه لن يكون قادراً على وقف التغير السلبي الحاصل في المناخ أو على الأقل كبح سرعته في حالة استمرارالوضع الحالي على هو عليه. لكن الشيء الجديد والمهم هنا هو إلزام الدول ذات النصيب الأسد في انتاج الغازات الضارة بهذه الاتفاقية بموجب القانون الدولي." وأضاف تريتين "أريد القول أنه بدءا من عام 1990، حصلت كل دولة على كم سنوي معين من الغازات التي يسمح لها بإطلاقها على أن يأخذ هذا الكم بالتناقص مع مرور الوقت. ألمانيا كانت منذ البداية من بين الدول الفاعلة والناشطة في الحفاظ على البيئة. فوفقاً لبروتوكول كيوتو ستقوم ألمانيا بخفض كمية الغازات المنبعثة بنسبة 21 % حتى عام 2012. وقد تمكنت ألمانيا من تخفيض 19% من النسبة الإجمالية حتى الآن. ومن المثير للدهشة أن القطاع الصناعي وحده قام بتخفيض ثلث كمية الغازات المنبعثة منذ عام 1999، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تدهور القطاع الصناعي في جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة (DDR) كان له أيضا أثرا في ذلك. وتطالب الحكومة الألمانية حالياً بدعم استخدام الطاقات المتجددة بشكل مكثف، كما أنها تميل إلى استثمار المليارات الناتجة عن ذلك في إصلاح وتجديد محطات توليد الطاقة القديمة التي تعمل بالغاز. وهناك أيضا دور كبير لقطاع المواصلات ولعملية اصلاح المباني القديمة، لا سيما تلك التي تستهلك الكثير من الطاقة للتدفئة، في الحفاظ على البيئة. ومن المقرر أن تقوم الحكومة خلال هذا العام بمناقشة برنامج خاص بالحفاظ على البيئة و كيفية العمل على خفض النسبة المتبقية من الغازات المنبعثة وهي 2 %.
انتقادات ومطالبه بعمل المزيد
ريجينه غونتر خبيرة المناخ الألمانية من الصندوق الدولي للحفاظ على البيئة (WWF) ترى أن وزير البيئة يورغن تريتين ينقصه العزم في متابعة الأمر، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن حماسه وحماس وزارته في مسالة تطبيق الإجراءات المتعلقة بالحفاظ على البيئة "يشهدان حالة من الركود". وتقول غونتر أن وزارة البيئة هي المسؤول الأول عن اتخاذ الإجراءات الإضافية الضرورية للحفاظ على البيئة، كما أنها الجهة التي يمكنها أن تطالب قطاعات معينة، مثل قطاعي المواصلات والاقتصاد باتخاذ إجراءات معينه في هذا السياق. واضافت غونتر قائلة: "هنا تحديداً يجب عمل المزيد، وإلاّ فإن ألمانيا لن تتمكن من إدراك نسبة الـ 2 % المتبقية حتى عام 2005، أو ربما أنها لن تستطيع الوفاء بالتزامها ببروتوكول كيوتو القاضي بخفض كمية الغازات المنبعثة بنسبة 21 % مع حلول عام 2012."
تناقض الأهداف السامية مع المصالح!
من المعروف أن الاقتصاد الألماني ووزارة البيئة في خلاف دائم حول أفضل السبل للحفاظ على البيئة وفي نفس الوقت عدم الإضرار باقتصاد البلاد. فالقطاع الاقتصادي لا يتردد في توجيه الانتقادات إلى السياسة التي تنتهجها الحكومة الألمانية في الحفاظ على المناخ والبيئة واصفا إياها "بالطموحة جداً". وحسب إتحاد الصناعات الألمانية فإن مثل هذه الخطط الطموحة قد تؤدي إلى دفع صناعات كثيرة، مثل صناعة الكيماويات والإسمنت، إلى الانتقال إلى خارج ألمانيا. بالمقابل تعتبر وزارة البيئة أنه من واجب الحكومة العمل دائما على إحداث نوع من التوازن بين مصالح البلاد الاقتصادية والتزامات ألمانيا كبلد صناعي من الطراز الأول بالحفاظ على البيئة، وهذه مسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة.
وخلاصة القول يمكن الإشارة إلى أن الخطوات السريعة التي قطعتها ألمانيا في البداية من أجل تخفيض كمية الغازات حتى عام 2012 قد تكون تباطأت نسبياً، لكن بالرغم من ذلك ما زال بوسع ألمانيا تحقيق التزامها تجاه بروتوكول كيوتو. ومهما كانت الانتقادات الموجهة من هذه الجهة أو تلك، تبقى ألمانيا إحدى أكثر الدول التزاما بالاتفاقات الدولية المتعلقة بالحفاظ على البيئة.