الشرطة البيئية بتونس.. النظافة في خدمة قطاع السياحة
٢٥ يونيو ٢٠١٧قبل نحو عام وبينما كانت روائح القمامة تزكم الأنوف وتنفر الزائرين في جزيرة جربة السياحية جنوب البلاد، علق السفير الألماني بتونس أندرياس رينيك آنذاك بأن الوضع إذا استمر على حاله في الجزيرة فإن السائح الألماني لن يعود إلى تونس. كان ذلك أحد الأسباب المحفزة التي دفعت الحكومة إلى التفكير بخطط عاجلة وفعالة لإعلاء سلطة القانون والحد من التدهور البيئي في البلاد.
ظروف عمل جديد
لم تتردد صليحة الهمامي لحظة واحدة في قبول عملها الجديد كشرطية للبيئة في منطقة "دوار هيشر" على أطراف العاصمة، على الرغم من السمعة السيئة التي تلاحق هذا الحي العشوائي منذ سنوات. فبعد سنوات من العمل الإداري الرتيب تبدو صليحة البالغة من العمر 47 عاما سعيدة بزيها الجديد المكون من تبان وطربوش وبنطلون، غير أنها لا تأخذ حتى الآن المخاطر التي تخفيها "دوار هيشر" على محمل الجد. إذ علاوة على حالة الفوضى التي تسيطر على الحي السكني المترامي فإنه يوصف حتى وقت قريب بمعقل الجماعات السلفية المتشددة.
شرطيات للبيئة في معقل السلفيين
استمد الحي سمعته السيئة من العمليات الإرهابية المتواترة التي شهدها بعد عام 2011 أثناء فترة صعود الجماعات الاسلامية، ولكنه يشهد أيضا تجاوزات كبرى بحق الصحة العامة والمحيط البيئي. وتبدو المفارقة في ذلك أن "دوار هيشر" الذي يعد من النقاط السوداء الساخنة سيكون من مشمولات فريقا يتكون في غالبه من عناصر نسائية.
تقول صليحة لـDW عربية "نتوقع ان تكون هناك صعوبة في المراحل الاولى للعمل الميداني والاحتكاك بالمواطنين. من الطبيعي أن لا يكون هناك في البداية قبولا عاما للردع ضد المخالفات البيئية ولكن نحن متفائلون بشأن المراحل التالية". وأضافت صليحة بثقة "نحن نملك خبرة مسبقة في التواصل مع المواطنين ولن يعيقنا العمل الميداني عن أدائنا لمهامنا".
على مدى سنوات وفي ظل تراخي سلطة الدولة بعد أحداث الثورة عام 2011، عانت تونس من اهتزاز صورتها بشدة بسبب تفاقم أزمة القمامة والفضلات ما أدى الى ظهور أمراض ومشاكل بيئية فضلا عن امتداد الأزمة لتشمل كذلك مناطق سياحية ما شكل تهديدا للقطاع الحيوي للاقتصاد التونسي.
وفي خطوة للحد من التلوث البيئي وتحسين صورة البلد الجاذب للسياح أطلقت الحكومة شرطة البيئة في تجربة فريدة بمحيطها العربي ستكون مهامها الرئيسية حفظ الصحة العامة. ويشمل ذلك رصد الإلقاء غير المنظم للفضلات والأطعمة ومراقبة الوضع الصحي للمحلات والمخالفات البيئية والاعتداءات على الأملاك العامة. يتكون هذا الجهاز في بدايته من حوالي 300 عنصر في زي موحد موزعين على كافة بلديات البلاد.
وتتلخص مهام الشرطة البيئية بشكل أساسي وبحسب القانون في تحرير محاضر وفرض غرامات مالية ضد المخالفين ممن يلقون الفضلات في غير توقيتها أو في غير المكان المخصص لها. كما تتولى الشرطة تحرير محاضر الغلق للمحلات المخالفة لشروط الصحة العامة أو تحرير محاضر لحجز أي سلع أو أطعمة غير صحية.
وتقوم الشرطة برصد كل البناءات الفوضوية وكل الاعتداءات على الأملاك العامة وعلى المحيط البيئي.
فيما تتراوح الغرامات المالية ضد المخالفين بين 30 دينارا في أدناها و1000 دينار في أقصاها بالإضافة إلى عقوبات أخرى تصل إلى السجن.
نقص وبداية متعثرة
توضح كاتبة عام البلدية في "دوار هيشر" شاذلية العدواني لـDW عربية إن السلطات اختارت ترشيح أعوان من الإدارة إلى المهام الجديدة عبر مناظرات اعتمدت فيها مقاييس ترتبط بالمستوى التعليمي والسن وبالقدرة على التواصل.
وتابعت العدواني أن عناصر الشرطة تلقوا عبر دورات تدريبية تكوينا شمل المعارف القانونية وطرق التدخل في وضعيات مشابهة للعمل الميداني لكنها تعترف بأن المشكلة الأساسية ترتبط بالنقص الحاد في الموارد البشرية في ظل كبر سعة المناطق البلدية التي يتوجب تغطيتها من قبل الشرطة البيئية.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة عن الانطلاق الرسمي لمهام الشرطة منذ يوم 13 من شهر حزيران/يونيو الجاري إلا أن البداية جاءت متعثرة. فصليحة وزميلاتها في بلدية "دوار هيشر" لا زلن في انتظار السيارات المخصصة للقيام بالدوريات. وحتى الآن لا زال فريق العمل لم يغادر مقره في البلدية.
وباستثناء بلدية تونس العاصمة فإن الحال في أغلب البلديات لا يختلف عما هو سائد في بلدية "دوار هيشر". فحتى في بلدية باردو القريبة من مقر البرلمان والمجلس الدستوري لا تزال هناك أشغال الشرطة الجديدة معطلة.
وتشير الشرطية صليحة الهمامي في حديثها مع DW عربية إلى أنها "نفضل الانطلاق في العمل باستخدام السيارات المجهزة. سيكون لذلك وقعه على المواطنين وسيدفعهم الى التعاطي بجدية مع مهام الشرطة".
وقالت السلطات البلدية إنه يجري تجهيز السيارات رباعية الدفع بأجهزة "جي بي اس" وكاميرات وتطبيقات الكترونية موجهة للمواطنين. في الأثناء قامت بعض الفرق بعمليات بيضاء في الشوارع بينما دفعت وزارة الشؤون المحلية والبيئة بحملات توعية في وسائل الإعلام للمواطنين بشأن مهام الجهاز البيئي الجديد والعقوبات المترتبة عن المخالفات.
شرطة أم أمن: التباس في المهام
ساد في البداية التباس لدى الرأي العام بشأن الخلط بين الشرطة البيئية وباقي أجهزة الشرطة المرتبطة بالأمن والشرطة البلدية. وقد دفع ذلك نقابات أمنية إلى المطالبة تغيير اسم الجهاز الجديد او الغاء مهامه كما هددت حتى بإيقاف الأعوان في الشرطة البيئية.
لكن الكاتب العام ببلدية "باردو" قال لـDW عربية "لا يفترض أن يكون هناك تضارب بين الجهازين، فهما يكملان بعضهما البعض. ستعول الشرطة البيئية أكثر على الحوار والتواصل مع المواطنين. سيكونون أكثر مرونة وسيلجؤون الى الردع بشكل تدريجي".
وعلى العكس منذ ذلك تدرك آية العمري البالغة من العمر 24 وهي عضو بفريق الشرطة البلدية في باردو أن هذا الخلط قد يكون في مصلحتها لأن هذا سيتيح للجهاز قوة معنوية ونفسية في مواجهة المتعنتين من المخالفين. وتوضح آية لـDW عربية "كنت أتمنى الانضمام إلى الجهاز الأمني لكن لم يحالفني التوفيق في ذلك. أعتقد أن الأمر الآن لا يبعد كثيرا سأكون في جهاز شرطة للبيئة والتحديات التي أمامنا ليست أقل أهمية".
تعتقد آية أن الأهمية التالية التي تتعلق بدور الشرطة البيئية أنها ستكون على خط الواجهة في الحرب التي أعلنتها الحكومة ضد الفساد. ويمثل قطاع البلديات أحد المجالات التي ظلت مرتعا للرشوة.
وتعتزم آية الاستمرار في تجربتها حتى سن التقاعد وهي ستكون حريصة حسب قولها "على تطبيق القانون على الجميع"، مضيفة "لن نستثني أحد وسنكون بالمرصاد لقطع دابر الرشوة".
طارق القيزاني ـ تونس