شراكة الرياض وبرلين فرصة لدعم حقوق الإنسان أم لدعم الاقتصاد؟
٦ مارس ٢٠١٥على هامش زيارة نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الألماني "زيغمار غابريل" إلى السعودية السبت ( 07 آذار/ مارس 2015) ، دعا ناشطون إلى ربط الزيارة - التي يرافق الوزير فيها وفد ضخم من رجال الأعمال الألمان- بمسألة حقوق الإنسان في السعودية والمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية.
وكان غابريل قد صرح في وقت سابق للقناة الألمانية الثانية (ZDF) قبل جولة خليجية تستغرق يومين يستهلها بالسعودية، أنه سيتحدث في كل الأحوال مع الحكومة في الرياض حول حقوق الإنسان، محذرا من أنه ربما يأتي الحديث العلني (في هذه المسألة) بنتائج عكسية.
وطبقا لصحيفة "باساور نويه برسه" الألمانية فقد طالب رئيس كتلة حزب الخضر البرلمانية "أنتون هوف رايتر" من وزير الاقتصاد أن تكون مسألة الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان ضمن الأمور المطروحة مشددا على أن " أولويات الاقتصاد يجب أن لا تسبق مسألة حقوق الإنسان" .
ضغوط ألمانية لإطلاق سراح بدوي
ويتوقع المراقبون أن تطالب ألمانيا بالإفراج عن المدون والناشط الحقوقي " رائف بدوي" الذي حُكم بالسجن لمدة عشر سنوات بالإضافة إلى آلف جلدة بتهمة "الإساءة للدين الإسلامي" على خلفية هجومه على ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمؤسسة الدينية السلفية في السعودية.
مدير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي في حوار مع DWعربية توقع "أن تسفر الضغوط الألمانية المبذولة، عن تقدم في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية، في حال كونها حقيقية وليست إعلامية" .
وحول رأيه في تأثير التعاون الألماني السعودية في المجالات الاقتصادية على أوضاع حقوق الإنسان في المملكة علّق الدبيسي قائلا" أن زيارة غابريل والوفد المرافق لن تحقق منافع اقتصادية للمواطن السعودي، بل ستصب في منفعة العائلة الحاكمة ورجال أعمال قريبين منها".
وفي معرض تأكيده لإمكانية تأثير الضغوط الدولية على المملكة أشار الدبيسيي إلى "أنه بحكم التجربة فأن السعودية التزمت مثلا بالشروط اللازم إتباعها لدخول منظمة التجارة العالمية في العام 2005 بالرغم من عدم رضاها عن كل ما طلب".
وفي العادة يكره المسؤولون السعوديون الحملات الإعلامية ويعتبرون أنها تعرقل محاولاتهم لتلميع صورة بلادهم على المستوى الدولي، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، الذي انضمت إليه السعودية في أواخر العام 2013.
و بحسب تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش في 15 كانون الثاني/ يناير 2015 " قد تكون الحملة التي تشنها سمر بدوي شقيقة رائف بدوي هي من نوعية النشاط الذي يكرهه النظام السعودي ؛ فحين حاولت سمر بدوي التحدث في أحد اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، قاطعها المندوب السعودي من إكمال كلمتها. وفي يونيو/حزيران 2014، قاطع كلمتها الموفدون السعوديون في المجلس ثلاث مرات، وهي تلقي بيانها بشأن أخيها رائف.".
"أي تدخل سيكون استفزازيا لرجال الحكم السعوديون"
من جهته استهجن رجل الأعمال السعودي المقيم في كولونيا عبد الله العكرمي في حديث مع DW ما وصفه ب" التدخل الغربي، الذي يقوم به سياسيون يسعون للشهرة على حساب بلاده"، وقال العكرمي ألمانيا هي من تحتاج السعودية وليس العكس، كما أن السعودية عضو في الأمم المتحدة، وبلد مستقل، لذلك يرى أن أي تدخل سيكون استفزازي لرجال الحكم السعوديون"، وقال العكرمي بأن الملك قد ينظر بعين الرأفة لرائف البدوي وذلك لأسباب داخلية فقط وليس لما يريده الغرب" واعترف العكرمي بأن هنالك تجاوزات تحدث في بلاده في مجال حقوق الإنسان ، إلا أن هذا يحدث في جميع الدول.
ارتفاع غير مسبوق لحالات الإعدام
وكانت منظمة العفو الدولية قد انتقدت الحكومة السعودية على خلفية ارتفاع أعداد حالات الإعدام بشكل لم يحدث من قبل.
وتعاقب السعودية بالإعدام مرتكبي حالات الاغتصاب، والقتل، والردة ، والسرقة ، وتهريب المخدرات، تطبيقا لتفسير صارم للشريعة. وبناء على حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس فإنه قد جرى حتى الآن إعدام 38 شخصا منذ بداية العام الجاري، ما يعني ثلاثة أضعاف حالات الإعدام في نفس الفترة من العام الماضي.
ويؤكد الدبيسي أنّ "مشكلة حقوق الإنسان في السعودية عويصة ولا تقتصر فقط على الجانب السياسي المتمثل بحالة بدوي كما يراه الغرب، فنسبة الفقر المنتشرة بالسعودية هي جانب من جوانب انتهاكات حقوق الإنسان، كذلك ضعف قدرة الشباب على تملك بيت بالرغم من مساحة السعودية وأراضيها الشاسعة".
وبالرغم من تولي الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية خلفا لأخيه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ، فإن الدبيسي لا يبدي تفاؤله بحدوث تغيير في ملف حقوق الإنسان، ويقول "لا توجد بوادر مشجعة، فتنفيذ حكم الإعدام في تزايد، كما أن سجناء الرأي لا يزالون في السجون".
وتوقع مراقبون أن يفرج الملك السعودي الجديد عن سجناء الرأي في بلاده، إلا أنه أحال موضوع سجناء الرأي لوزير الداخلية محمد بن نايف الذي رفض الإفراج عنهم، ولا توجد إحصاءات أو أرقام تتحدث عن عدد سجناء الرأي إلا أن مراقبين ومن بينهم الدبيسي يعتقدون بان العدد كبير.
هل تحارب السعودية داعش؟
وبحسب وسائل الإعلام الألمانية فان موضوع الإرهاب ومدى جدوى مكافحة السعودية لتنظيم الدولة الإسلامية قد يكون بين الأمور المطرحة بين الوفد الألماني وبين المسؤولين السعوديين. ويرى الدبيسي "أنّ السعودية، وان كانت تُعلن بأنها تحارب الإرهاب، وتحارب تنظيم داعش إلا أن شخصيات سعودية رفيعة من علماء ودعاة ومتنفذين سياسيين يتعاطفون مع التنظيمات الإرهابية".
وفاجأ تنظيم "الدولة الإسلامية " السلطات السعودية بالهجوم الذي نفذه في منطقة الإحساء في الـثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي المصادف يوم عاشوراء، حيث قتل هناك ثمانية أشخاص من الشيعة بالرصاص، الأمر الذي قد يشكل نقلة نوعية في سياسة الرياض باتجاه التصعيد ضد التنظيم إقليميا ودوليا.
وفي حين يرى العكرمي أن على ألمانيا ودول الغرب، أن تحترم خصوصية الوضع السعودي، وان تتفهم عاداته وتقاليده" يرى الدبيسي بأن الدعم الفكري الذي يتبناه بعض المتنفذين السعوديين، هو الأساس الذي يجب محاربته وتحجيمه من دول الغرب، إذ أن الدعم الفكري هو الأرضية التي يستند عليه الإرهاب وبزواله ستنهار المرتكزات الأخرى كالدعم المادي وغيره" .
لذلك ، وبحسب التقريرالذي نشرته هيومن رايتس ووتش في 15 كانون الثاني/ يناير 2015 آنف الذكر " إذا أرادت السعودية تحسين صورتها، فلن يكفيها الانضمام للهيئات الدولية لحقوق الإنسان، بل ينبغي عليها أن تشرع في احترام حقوق مواطنيها، وأن تطلق على الفور سراح أولئك الذين سجنوا ظلما لدفاعهم عن هذه الحقوق، وإلغاء أوامر حظر السفر التي صدرت بحق النشطاء" وأن تعمل على تجريم الكراهية التي تمهد الطريق نحو المساواة الحقة لجميع المواطنين .