الشبكات الاجتماعية قد تحسم السباق نحو قصر قرطاج
١٨ نوفمبر ٢٠١٤ربما هذه هي اللحظة التاريخية التي "هرم العديد من التونسيون من أجلها"، انتخابات رئاسية ينتظر أن تكون ديمقراطية للمرة الأولى في تاريخ تونس بعد عقود طويلة من الحكم الفردي والانتخابات المزورة ونسب الـ99 بالمائة. يتنافس 25 مرشحا من كافة الأطياف السياسية على كرسي الرئاسة في قرطاج، من بينهم الرئيس الحالي المنصف المرزوقي (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) وينافسه زعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي وآخرون عرفوا بنضالهم الشرس زمن بورقيبة وبن علي كالمخضرم أحمد نجيب الشابي (الحزب الجمهوري) وحمة الهمامي (الجبهة الشعبية) والقاضية كلثوم كنو (مستقلة)، المرأة المترشحة الوحيدة.
"الشبكات الإجتماعية معقل شباب الثورة"
هذا السباق الرئاسي يكتسي أهمية تاريخية للتونسين والمنطقة بأسرها، وما يجعله فريدا من نوعه هو أساليب دعاية سياسية على الطريقة الأمريكية، تعتبر سبقا في العالم العربي، إذ انتقلت حمى الحملات الانتخابية على كرسي الرئاسة من قاعات الاجتماعات الضيقة إلى فضاء الشبكات الإجتماعية الرحب.
صفحات الفيسبوك والتويتر امتلأت بصور الحملات الانتخابية وبتغريدات المرشحين وتعليقاتهم. الرئيس الحالي المنصف المرزوقي أصبح يظهر منذ بدء الحملة الانتخابية في برنامج فيديوعلى الفيسبوك أطلق عليه اسم "دون حواجز" يجيب فيه عن أسئلة رواد الشبكات الاجتماعية حول المشاكل الأمنية والإجتماعية في البلاد. برنامج الرئيس المرزوقي يشبه في شكله بعض الشيء برنامجا كان في البدء إذاعيا ثم أصبح تلفزيا، أطلقه الرئيس الفينيزولي السابق هوغو تشافيز سنة 1999 اسمه "ألو بريزيدانتي" أي "ألو سيدي الرئيس".
وعن الأسباب الكامنة وراء هذا الأسلوب الجديد في الدعاية السياسية، يقول المدون التونسي والخبير في الشبكات الاجتماعية خالد كحولي: "لقد فقدت المعلقات الحزبية والمناشير الورقية بريقها التقليدي، ولهذا فإنه من الضروري التأقلم مع عصر التكنولوجيا عن طريق إيصال رسائل قصيرة يسهل تشفيرها وفهمها إلى أكبر قدر ممكن من الناس في ظرف وجيز".
ويواصل كحولي بالقول: "الشباب في تونس تمكنوا من إسقاط نظام ديكتاتوري عن طريق الفيسبوك، وهذا ما تفطن إليه بعض المرشحين، فالفيسبوك هو معقل الشباب التونسي العازف عن السياسة وعن الانتخابات، ولاستمالة هذه الشريحة الأكبر في المجتمع التونسي، لا بد من سلك طريق الفيسبوك المختصر، وبدرجة أقل التويتر، لأنه لا يعتبر مؤثرا جدا في تونس كما هو الشأن في مصر".
أما منافس المرزوقي اللدود، الباجي قائد السبسي، فقد أحدث نقلة نوعية في طرق التواصل السياسي فاجأ بها منافسيه عندما ضرب موعدا على المباشر نهاية الأسبوع الماضي مع آلاف من المغردين على التويتر، فقد ظل صاحب الـ88 عاما لساعتين أمام الحاسوب مع مجموعة من شباب حملته الانتخابية للإجابة عن أسئلة الناخبين، وقد تم تسجيل حوالي ألفي تغريدة له بالفرنسية والعربية أجاب فيها عن أسئلة المغردين.
ويعلق كحولي عن هذا الأمر بالقول: "إنها نقطة إيجابية تحسب للسبسي، فرغم كبره في السن، إلا أنه بعث برسالة رمزية مفادها أنه أيضا يجيد التحدث بلغة الشباب العصرية، وذلك محاولة منه لاستقطابهم". ويعود ذلك حسب المدون التونسي إلى أن فريق حملة السبسي الانتخابية يتكون في معظمه من الشباب. وفي المقابل يرى كحولي "أن مرشحين آخرين لم يستغلوا نقاط قوة الشبكات الإجتماعية في ميدان التواصل السياسي الحديث على غرار أحمد نجيب الشابي أو كلثوم كنو وكمال مرجان، فصفحاتهم على الفيسبوك تنقصها بعض الإثارة وتقنيات الصور المتحركة والفيديو والتعليقات الصغيرة".
مجرد تقليد لزعماء الغرب؟
يعتبر باراك أوباما أول مرشح للرئاسة في العالم يستثمر أموالا طائلة أثناء حملته الانتخابية في شبكات التواصل الإجتماعي فقد أنفق سنة 2008 حوالي 643 ألف دولار لإضفاء ديناميكية كبيرة على صفحة معجبيه على الفيسبوك، وقد نالت هذه الإستراتيجية نجاحا باهرا إذ تمكن أوباما حينها من استقطاب الشريحة الأكبر من الشباب الأمريكي لفائدته، وتجاوز عدد متابعي صفحته اليوم 43 مليون. وفي فرنسا افتتح فرانسوا أولاند قبل سنتين حملته الا نتخابية بتغريدات على التويتر، مثلما هو الشأن مع بيير شتايبنروك مرشح الحزب الإشتراكي لمنصب المستشارية العام الفارط في ألمانيا.
وكما يبدو فإن بعض مرشحي الرئاسة في تونس قد استلهموا هم أيضا من تجربة أوباما الناجحة في التواصل السياسي ونزلوا بكل ثقلهم إلى حلبة الشبكات الإجتماعية. إلا أنه يجدر الإشارة أن أول سياسي تونسي استخدم الشبكات الاجتماعية لمهاجمة نظام بن علي كان طارق مكي، مؤسس حركة الجمهورية الثانية سنة 2008.
وعند اشتعال الثورة في ديسمبر/كانون الأول سنة 2010، نادى مكي من مقر منفاه الاختياري بمدينة مونتريال الكندية عبر الفيسبوك واليوتوب (كان مغلقا حتى سقوط بن علي) بضرورة إسقاط الديكتاتورية، وبعد عودته إلى تونس، أعلن مكي ترشحه للرئاسة وظل يخاطب الشباب عن طريق فيديوهات قصيرة على الفيسبوك، حتى وفاته في ظروف غامضة قبل حوالي سنتين.
كما أن مرشح الرئاسة عن حركة تيار المحبة الهاشمي الحامدي أسس حزبا سنة 2011 من منفاه الإجباري في لندن وقام بتنسيق العمل الحزبي والدعائي مع أنصاره عن طريق برنامج الإتصال "السكايب" ليحصل في الأخير (انتخابات المجلس التأسيسي 2011) على ثمانية بالمائة من أصوات التونسيين.
لمن ستكون الغلبة؟
وينوه خالد كحولي في الأخير أن معركة الانتخابات الرئاسية في تونس لم تحسم بعد، إذ أن حوالي مليون ونصف تونسي مسجل قررعدم الإقتراع في الانتخابات البرلمانية قبل ثلاثة أسابيع، ولذلك فإن الشبكات الإجتماعية ستلعب الدور الأكبر في استقطاب هذه النسبة الهامة لمحاولة التأثير على نواياها الانتخابية، فالطريق إلى قرطاج لابد أن يمر أولا بالفيسبوك.
ومن عرف كيفية الوصول إلى الشباب وإقناعه هو الذي سيتوج في الأخير. لذا فإنه من المنتظر أن يبلغ الصراع ذروته في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية. فهل ستميل الكفة لمن يغرد على الشبكات الاجتماعية أكثر أم لأصحاب الخطاب السياسي التقليدي؟ هذا ما سيعرفه التونسيون يوم الـ24 من نوفمبر/تشرين الثاني، يوم الإعلان عن نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التونسية.