الشباب الفلسطيني ما بين التهميش والأمل في التغيير
٢ فبراير ٢٠١١يتابع الفلسطينيون الأحداث المتسارعة في المنطقة بدءا بتونس وامتدادا إلى مصر وربما اليمن وغيرها، وجاء ذلك متزامنا مع نشر قناة الجزيرة وثائق المفاوضات وما قاده من تداعيات زادت من حدة الانقسام الداخلي. وإن شهدت بعض العواصم العربية أصدءا لأحداث التغيير فان انعكاسها فلسطينيا جاء مرتبكا ومحدودا، بتظاهرة واحدة دعما للشعب التونسي وبتصريحات حذرة من المسئولين وقادة الأحزاب الفلسطينية حول مصر،تطلعت فيها إلى استقرار هذا البلد وأمنه.ويعود ذلك بحسب المحللين إلى الثقل الذي تلعبه مصر في القضية الفلسطينية ، أما تونس فلدورها في احتضان القيادة الفلسطينية فترة طويلة . لكن المستوى الآخر، وهو التفاعل الشبابي بصورة خاصة مع التطورات جاء على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك حيث يتبادل المشاركون التعليقات والآراء والدعوات للحوار بل والدعوات للتمرد. هذا لم يأت فقط كرد فعل على ما يجري في المنطقة، فعوامل الإحباط متوفرة بل ومتزايدة، فهناك الجمود السياسي الذي تأتى عن فشل الحلول السلمية وهناك الانقسام الداخلي، وهناك تقليص الحريات، يضاف إليه التدهور المعاشي وارتفاع معدلات البطالة وجنون الأسعار .
التحركات الشعبية بدأت بالنقابات
لا يكاد يمر يوم دون مسيرة أو فعالية أو ندوة أو حوار في واحدة أو أكثر من المدن الفلسطينية للتداول في الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو للمطالبة بالتغيير، لكن هذه الفعاليات اقتصرت على أعداد محدودة، تبعا لقوة الجهة المنظمة. ولعل أنشط الفئات التي تتحرك شعبيا وربما بفعل ظروف حياة الفئة التي تمثلها هي النقابات التي قادت أكثر من تحرك في السنوات الماضية، وانصب ضغطها على الحكومة ورئيسها سلام فياض تطالبه بتحسين شروط الحياة اليومية للفلسطينيين الحد من ارتفاع الأسعار ومعالجة البطالة ومحاربة الفقر المتصاعد . هذه النقابات بدأت فعاليات احتجاجية بداية شهر (ديسمبر/كانون أول) الفائت ونفذت إضرابات ومسيرات وكان لديها برنامج للتصعيد إلا انه توقف مع نشر الجزيرة لوثائق المفاوضات فتحول الفعل من أنشطة احتجاجية إلى حوار مع الحكومة.
"أي تحرك شعبي سيخلط الأوراق السياسية والاقتصادية"
يرجع رئيس نقابة الموظفين العموميين بسام زكارنة سبب وقف الأنشطة الاحتجاجية إلى تجنب سوء الفهم، بعد ما رآه من "هجوم على منظمة التحرير الفلسطينية من قبل قناة الجزيرة" ويقول لـدويتشه فيله : " كي لا تختلط الأمور ، فقد أوقفت الاحتجاجات وركزنا على الحوار مع الحكومة لتخطي الأزمة الحالية" وتابع أن الوضع يختلف عن تونس وغيرها من دول المنطقة ، فنحن "لسنا دولة مستقلة وأي تحرك شعبي واسع سيخلط الأوراق السياسية والاقتصادية " لكن زكارنة يبين عمق الأزمة التي تطال أغلبية الفلسطينيين فهناك بطالة خانقة ونسبة هجرة مرتفعة و ارتفاع مجنون في الأسعار ، الى جانب فرض الحكومة لضرائب جديدة ما زاد من حدة الأزمة. وفي الحوار مع الحكومة، يقول زكارنة إن النقابات المختلفة رفعت مذكرة تطالب بمعالجة عدة قضايا أهمها: مراقبة الأسعار وإلزام التجار بها، تخفيض سعر المواصلات، وربط الأجور بجدول غلاء المعيشة. اذاً احتجاج النقابات منصب على الحكومة التي تتصرف لإرضاء البنك الدولي وتسجيل نجاحات حول نسبة نمو "وهمية"، على حد تعبيره.
"هناك من أسباب الغضب ما يكفي "
المحلل السياسي خليل شاهين يرى أن "حراكا شعبيا قد يرى النور في فترة قريبة" فهناك من أسباب الغضب ما يكفي سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، ويوضح شاهين :" من الممكن أن تندلع انتفاضة ثالثة، في ظل الجمود السياسي وفي ظل تهميش كبير لدور الشباب الذين يتبادلون على صفحة الفيس بوك، اراءً أو مواقف رافضة ، وسنرى عناوين متداخلة منها اقتصادي ضد الغلاء والأسعار والبطالة ومنها سياسي ضد المفاوضات ومنها اجتماعي كالحد من سلطة الأجهزة الأمنية وهذا ينطبق على كياني السلطة في الضفة الغربية وحماس في غزة" ويتابع شاهين، أن الكتلة الأهم هي الشباب الذين يعبرون عن نفسهم عبر نقاشات مفتوحة حول مدى تمثيل القوى السياسية وخاصة "الحاكمة" للشعب، ولا يمكن استبعاد ظهور دعوات لتجمعات تظاهرية شبابية ينضم اليها صغار الموظفين والمتضررين عموما من الحالة الاقتصادية المتردية وتصبح حالة شعبية ، والسؤال الذي تصعب الإجابة عليه هو أفق مثل هذا التحرك.
" المطلوب انفتاح على الحركة الشعبية"
القيادي في حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي يدعو القيادة والأحزاب السياسية إلى إدراك الإحباط لدى الشباب بشكل خاص ورغبتهم في التغيير والحفاظ على القيم الأساسية لمجتمع ديمقراطي والإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .ويقول الصالحي: "إن أهم استخلاص هو زيادة إسهام الشباب في الحركة الوطنية، واستنهاض طاقاتهم بما يكفل أوسع مشاركة شعبية في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ".ويضيف الصالحي أن نقاشات بدأت منذ فترة في حزب الشعب وكذلك على مستوى وطني لقراءة الأوضاع بصورة صحيحة وينصب الحوار على ضرورة الاستفادة من الحركة الشعبية الفعالة في تعزيز الصمود الوطني وإجراء الإصلاح في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدفع باتجاه انتخابات ديمقراطية في كافة المستويات. فـ" هناك تمرد ملموس لدى الشباب ينعكس في رفض تقليص الحريات والتراجع عن إجراء الانتخابات واستمرار الانقسام واحتكار السلطات ودمجها وهذا قد يتطور إلى إحباط وسيعبر عن نفسه بطرق مختلفة والمطلوب هو إعادة الثقة بالحركة الشعبية وانفتاح القوى المختلفة على هذه الحركة لتأخذ دورها. وهذا هو مفتاح التغيير المطلوب"، على حد تعبير القيادي الفلسطيني.
عبد الكريم سمارة-رام الله
مراجعة: هبة الله إسماعيل