الشباب الألمان والحركات السلفية

لا يقتصر المد السلفي على الدول الإسلامية فقط، وإنما شمل حتى أوربا بما في ذلك ألمانيا التي غادرها نحو 500 جهادي إلى سوريا وحدها. ويسود الاعتقاد أن هؤلاء الجهاديين وفي حال عادوا إلى بلدهم ألمانيا، فإنهم سيشكلون لا محال خطرا على البلاد والعباد.

وحسب أرقام رسمية، فإن عدد السلفيين المقيمين في ألمانيا لا يتجاوز 5500 ألف شخص من مجمل أربعة ملايين مسلم في البلاد. ورغم أن القلة القليلة منهم أظهرت ميولا للعنف، إلا أن النمو المتسارع للحركات المتشددة، دفع بالسلطات إلى التفكير حول آليات لتوعية الشباب من أخطار تلك الحركات.

محيط الإسلام المتشدد كبديل للأسرة

وحسب خبراء ألمان، فإن المذهب السلفي يجذب إليه على حد سواء، مسلمين من أصول مهاجرة وألمان اعتنقوا الإسلام حديثا. وفي هذا الإطار توضح كلاوديا دانتشكه مديرة فرع التطرف الإسلامي والقومي في جمعية الثقافة الديمقراطية في برلين، أن الحركة السلفية "تعوض" الشباب عن أسرهم، بل وفي إطارها يتم "الاعتراف بهم وإشعارهم بالطمأنينة". كما يتم احتضانهم وفق مبدأ "التساوي" بين الجميع مهما اختلفت أصولهم العرقية.

وعادة ما يقوم المنظرون السلفيون بتبسيط الصراع الثقافي الذي يعاني منه الشباب من أصول مهاجرة بالقول: أنتَ مسلم ولستَ غير ذلك. وهذا الخطاب البسيط يلتقطه الشاب بسرعة، وتضيف الخبيرة دانتشكه: "يقول الخطباء للشباب ما ينبغي عليهم تصديقه. وهذا يريحهم من عناء التفكير وتحمل المسؤولية".

لا حاجة إلى التروي في الأمور

ولأن الخطب تلقى باللغة الألمانية، فهناك إقبال عليها من طرف الشباب على وجه الخصوص. إضافة إلى ذلك، يتطرق الخطباء إلى قضايا لها علاقة باهتمامات الشباب بشكل مباشر، كالعلاقات بين الجنسين، أو التدريب المهني. وبالنسبة للذين لم يحققوا إلا نتائج ضعيفة في المدرسة أو لا تتاح لهم فرصة لتلقي تدريب مهني، يحصلون في هذه الخطب على أجوبة جاهزة مفادها: "لا تتاح لكَ فرصة لأنك مسلم ولأن المسلمين محرومون من أي فرصة تدريبية". وهذا ما يؤكد لهم ضمنيا أنهم وكمسلمين مرحب بهم في المحيط السلفي ولن يتعرضوا لأي حرمان تحت مظلته.

"من المثير للاهتمام أن أفكار السلفية جذابة بالنسبة لشباب من مختلف الأصول الاجتماعية والقومية"، كما تقول كلاوديا دانتشكه، مشيرة إلى أن المتعاطفين ينحدرون من فئات فقيرة وغنية ومن أسر دينية محافظة وأسر لا تكترث كثيرا بالأمور الدينية. بيد أن القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا، أنهم لا يفقهون بأمور الدين.

الاستفادة من الخبرات

وفي إطار المحاولات التي تهتم بالحد من موجة استقطاب الشباب من قبل الحركات السلفية، تعمل جمعية "أفق" بالعاصمة الألمانية برلين. ويقول يوخن مولر أحد مؤسسيها إن عمل الجمعية لا يقتصر على الشباب المهتم بهذه الحركات فحسب، وإنما على جميع الشباب وتلامذة المدارس بالعاصمة الألمانية. ويقوم العاملون بعرض أفلام أنتجوها بأنفسهم حول مواضيع مثل الإسلام في ألمانيا والسلفية ومعاداة الإسلام، وذلك داخل المدارس ومراكز الشباب. ويضيف مولر: "نحاول دفع الشباب إلى إجراء حوار مع بعضهم البعض حول مواقفهم من دور الدين في حياتهم وتصوراتهم حول كيفية التعليم في صفهم المدرسي والتعايش في منطقتهم السكنية والمجتمع ككل".

الهدف الرئيسي من وراء هذه الأنشطة، نزع شعور التهميش المجتمعي الذي يعاني منه بعض الشباب. وأظهرت تجارب سابقة أن الدفع بالشباب إلى "التفكير والحديث عن قضايا مختلفة، وعلى رأسها القضايا الدينية، يطور الحس النقدي لديهم، ما سيؤدي إلى التشكيك في الأجوبة البسيطة والصور النمطية التي يروج لها السلفيون.

الثقة لتعزيز التواصل

على صعيد آخر، تشدد عالمة الاجتماع ميخائيلا غلازر على أهمية بناء الثقة بين المؤسسات وهؤلاء الشباب، وهي حقيقة تمّ التوصل إليها في الأبحاث الهادفة للحد من تنامي الفكر القومي المتطرف، وتضيف: "رأينا أنه عند الاستماع إلى الشباب ومع وجود محاولات جدية لفهم طبيعة الأسباب التي جعلتهم يهتمون بهذه الأيديولوجيات والحركات، فإننا نجحنا في حالات كثيرة في مد قنوات الحوار معهم". وتؤكد الخبيرة على أهمية هذه الإجراءات خصوصا في التعامل مع "الشباب الذين لم يتخذوا بعد مواقف واضحة بخصوص الحركات السلفية، وهم بصدد البحث عن إجابات".