السوري رأفت أكراد - بطل كاراتيه عالمي يضع بصمته في ألمانيا
٦ أكتوبر ٢٠١٧قبل حوالي أسبوعين وتحديداً في السادس عشر من شهر أيلول/سبتمبر حصد فريق الكاراتيه في نادي BSC Freiberg عدداً كبيراً من الميداليات في بطولة ولاية ساكسونيا للناشئين والتي استضافتها مدينة هويرسفيردا. تعبّر لانا النصرالله، ذات الست سنوات، لـ"مهاجر نيوز" عن سرورها بحصولها على الميدالية الذهبية وتتمنى "الفوز ببطولة العالم كالمدرب رأفت".
عظمة الإنجاز تتجلى في كون رياضة الكارتيه ماتزال حديثة العهد في النادي وفي أن حامل ذهبية عالمية في الكارتيه، والذي وطأت قدماه أرض ألمانيا قبل سنتين فقط، هو من نهض بقسم الكارتيه من الصفر واللاشيء إلى منصات التتويج.
عائلة تتمتع بـ"وعي رياضي"
في محافظة درعا جنوب غرب سوريا أبصر رأفت أكراد النور في الأيام الأولى من عام 1972. من حسن حظ رأفت أنه ولد في عائلة ومحيط رياضيين: الخال بطل سوريا سابقاً في الكاراتيه والأب يتمتع بتصنيف عربي وآسيوي في كرة الطاولة. كما تحمّل الأب أعباء مسؤوليات إدارية في النادي المحلي في المحافظة وكنائب لرئيس اتحاد كرة الطاولة السورية. ناهيك عن أن الوالد القدوة حاز على شهادات تحكيم دولية.
الخلفية الرياضية للعائلة شكلت دافعاً لرأفت والعديد من أخوته للتميز في عدد من الرياضات الجماعية والفردية على مستوى سوريا: كرة اليد وكرة الطاولة والكارتيه. يتحدث رأفت، في حوار مع "مهاجر نيوز" عما سماه بـ"الوعي الرياضي" في العائلة، خلافاً للمحيط الاجتماعي: "في طفولتنا ومراهقتنا كان يُنظر للمهتم بالرياضة باستخفاف وعلى أنه مهمل لدراسته وعمله". ويعزو رأفت لوالده بعد النظر ودفع نجمه للسطوع: "كان والدي يرى أن الرياضة تعزز الثقة بالنفس وتعمق التجربة الحياتية وتفرغ الطاقات بصورة إيجابية بدلا من أن ينشغل الطفل والمراهق بالسلبيات التي قد تؤدي به إلى التهلكة".
بطل من ذهب..عالمياً وآسيوياً وعربياً
أحب رأفت كرة اليد، غير أنه عشق الكاراتيه. بدأ مشواره الاحترافي في نادي محافظة درعا، "نادي الشعلة" الرياضي، على يد مدربين لا يزال يذكر "فضلهم" عليه. اعتلاء منصات التتويج العالمية والقارية والعربية أضحت ديدن رأفت وإدمانه. على سبيل المثال لا الحصر حصد الشاب عام 1990 ذهبية بطولة العالم في الكاراتيه في الإمارات العربية المتحدة، وذهبيات بطولات العرب أربع مرات، وبطولة آسيا مرتين، وذهبية دورة البحر الأبيض المتوسط. وبلغ حصيلته من الميداليات حوالي 52 بين ذهبية وفضية وبرونزية، كما زنّر "الحزام الأسود 6 دان" جيده.
يعتقد رأفت أنه لم يأخذ حقه كما يجب في سوريا: "حُوربت وضُيق عليّ" يشكو رأفت. وعندما سألناه لماذا جهّل الفاعل، اكتفى بالإجابة: "أيدي خفية كانت تحاربني". غير أنه أشاد بالتكريم الشعبي والاحتفاء بإنجازاته من قبل "أبناء محافظته وعموم السوريين" وأرجع لهم الفضل الكبير في استمراريته ودفعه للمثابرة.
التألق..مدرباً وحكماً
بعد السجل الحافل بالإنجازات كلاعب وبموازاته، اتبع رأفت دورات تأهيلية في التدريب والتحكيم. تصدى رأفت لتحكيم الكثير من المباريات في المحافل السورية والدولية، كما اضطلع حامل الذهب بالكثير من المهام التدريبية. ومن أبرزها تدريب المنتخب السوري على مدار عدة سنوات والذي حقق تحت إشرافه إنجازات طيبة جداً. كما أشرف على تدريب فرق وأندية في سوريا والكويت والسعودية ولبنان. "تلقيت عروض عديدة أخرى للتدريب كان أهمها من الولايات المتحدة"، يطلعنا رأفت.
"منعطف غيّر مسار حياتي"
بعد اعتقاله لفترة قصيرة في أحد فروع المخابرات السورية، "نصحني بعض المطلعين على بواطن الأمور بالنفاذ بجلدي والخروج من سوريا". وهذا ما كان.
في شهر أيلول/سبتمبر 2015 ركب رأفت وعائلته البحر كمئات الآلاف من طالبي اللجوء من تركيا إلى اليونان. "عانينا الأهوال في الطريق وأضعت ثلاثة من أطفالنا في الطريق. والحمد لله اهتديت إليهم بعد ذلك"، يعود السوري بالذكرى القهقرى إلى تلك الأيام.
حطت به الرحال عند أقارب له في مدينة صغيرة، تُدعى فرايبِرغ. تربض المدينة على سفوح سلسلة الجبال الفاصلة بين ألمانيا والتشيك وعلى بعد أربعين كيلومتراً من مدينة دريسدن.
الكارتيه تسري في دمه
لم يطق رأفت العيش دون الكارتيه؛ فهي مهنته وهوايته وعشقه وحياته كلها. شرع بتدريب أطفال لاجئين في مأوى اللجوء المؤقت. وبعد أشهر تواصل مع النادي المحلي في فرايبِرغ، BSC Freiberg، وأخذ يدرب أطفالاً وناشئين من خلفيات مهاجرة من سوريا والعراق وغانا وأفغانستان بالإضافة إلى ألمان. في ولاية اكتسحها "حزب البديل من أجل ألمانيا" المعادي للأجانب واللاجئين في الانتخابات البرلمانية، يرى رئيس النادي، هانس يورغن بوترست، في ما يفعله رأفت "مساهمة بالاندماج". وعمل رأفت وآخرون على تأسيس قسم الكارتيه في النادي وتسجيله في "الاتحاد الألماني للكارتيه". "حققنا الكثير بالرغم من الإمكانيات المحدودة لنادي مدينة فرايبِرغ"، الذي تأسس في عام 1995.
اعترف "الاتحاد الألماني للكارتيه" بشهادات وخبرات رأفت كمدرب. على المديين القصير والمتوسط يرنو المهاجر السوري ليصبح مدرباً لمحترفي اللعبة على مستوى ولاية سكسونيا، أما على المدى البعيد فيتطلع رأفت أكراد، إلى ترك "بصمته" كمدرب على مستوى ألمانيا وعلى المستوى الدولي، تماماً كما كان دأبه كلاعب.
خالد سلامة
المصدر: مهاجر نيوز