محمود داوود ـ شاب من أصل سوري يبدع في الدوري الألماني
٥ نوفمبر ٢٠١٥بدون شك سيكون للدوري الألماني هذا الموسم طعم خاص بالنسبة للسوريين بشكل عام ولسكان محافظة الحسكة بشكل خاص، كيف لا وابن مدينة عامودا يصول ويجول مع فريق مونشنغلادباخ في مباريات البوندسليغا ويخطف الأضواء بالرغم من حداثة سنه؟ وهو ما جعل خبراء الكرة يتنبؤون بمستقبل واعد لهذا الشاب الذي لا يتجاوز الـ19 عاما.
فمن هو محمود داوود وكيف استطاع أن يشق طريقه بثبات إلى النجومية رغم مجموعة من الإكراهات؟
لم يكن الرضيع البالغ من العمر 9 أشهر يعلم عند انتقاله للعيش مع والديه من سوريا إلى ألمانيا قبل حوالي 18 عاما، أنه سيصبح يوما ما لاعبا محترفا يحمل قميص أحد أعرق الأندية الألمانية وهو فريق مونشنغلادباخ الفائز بلقب البوندسليغا خمس مرات.
"اللعب في ملاعب الدوري الألماني الكبيرة والاستمتاع بتشجيع الجمهور، كما حصل في المباراة التي فزنا بها على فرانكفورت بخمسة أهداف لواحد، هو حلم أعيشه"، يقول لاعب خط وسط بوروسيا مونشنغلادباخ.
"مو" لاعب موهوب بالفطرة
في مباراة فرانكفورت ضمن الأسبوع التاسع من الدوري الألماني، أكد محمود داوود أو "مو" كما يحلو لزملائه أن يلقبونه، أكد للجميع أنه فعلا في مستوى تطلعات كل الذين راهنوا عليه ورأوا فيه أحد أفضل لاعبي خط الوسط الناشئين في ألمانيا، حيث سجل هدفا وكان وراء تسجيل هدفين آخرين في تلك المباراة وهو ما جعله يحصل على أعلى النقاط فيها.
"محمود لاعب موهوب بالفطرة، لا يلعب كرة القدم فحسب وإنما يعيشها أيضا"، يقول المدير الرياضي لفريق مونشنغلادباخ ماكس إبيرل عن لاعبه الشاب، ويضيف"بطبيعة الحال هو مطالب بتطوير نفسه أكثر، لكنه منذ الآن يظهر تقنيات عالية جدا وقدرة كبيرة على قراءة اللعب".
الشارع كان أول مدرسة اكتسب فيها محمود داوود تقنيات كرة القدم، حيث كان يواظب على اللعب مع أصدقائه في ساحة كانت مخصصة أصلا لركن السيارات، لكن وبسبب عدم امتلاك أي أحد من الجيران لسيارة في الحي المتواضع الذي كان يسكن فيه في بلدة لانغنفيلد غرب ألمانيا، كان ابن عامودا يجد مساحة كافية لممارسة رياضته المفضلة. "كنت أريد لعب الكرة باستمرار. كنت أقضي معظم وقت فراغي خارج البيت من أجل لعب كرة القدم"، يتذكر صانع اللاعب السوري الأصل.
ولأن أغلب الأصدقاء الذين كان يلعب معهم كرة القدم يكبرونه في السن، فقد ساعده ذلك على تعلم المواجهة وفرض الذات.
عيون تقنية ترصد الفتى السوري
موهبة محمود داوود ما كانت لتمر دون أن تنتبه إليها عيون التقنيين المنقبين عن المواهب الصاعدة، فبعد قضائه بعض الأعوام في نادي جرمانيا روسراث، انتقل في عام 2009 إلى نادي فورتونا دوسلدورف وعمره لم يتعد 13 عاما ليكمل تكوينه هناك قبل أن ترصده عيون فريق مونشنغلادباخ وتضمه إلى فريق الناشئين بالنادي في عام 2010.
أما بداية داوود مع الفريق الأول لفريق مونشنغلادباخ، فكانت في 2013 في مسابقة كأس آودي الودية. ويرجع الفضل في ذلك إلى السويسري لوسيان فافر، المدرب السابق لفريق مونشنغلادباخ. فقد آمن هذا المدرب بمؤهلات محمود داوود ومنحه فرصة الالتحاق بفريق الكبار رغم أن عمره لم يكن يتجاوز 17 عاما.
بيد أن فافر المعروف بتكوينه لمجموعة من المواهب الشابة لم يرد أن يحرق ورقة لاعبه السوري الأصل بسرعة بل ظل يرى فيه نجم المستقبل دون أن يشركه في المباريات الرسمية. بالمقابل لم تتوقف الصحافة عن استفسار فافر عن عدم اعتماده على اللاعب في المباريات الرسمية. كما أن المدرب السويسري اعترف أنه تصله رسائل مكتوبة من جماهير النادي فيها "مو مو مو..." وهو اختصار لاسم محمود. وكأن هذه الجماهير تريد أن تضغط على فافر للاعتماد على محمود كأساسي، وكان السويسري يرد على وسائل الإعلام والجمهور بأنه واثق من كفاءة لاعب خط وسطه الشاب وأن مسألة إقحامه في التشكيلة الأساسية للفريق مسألة وقت فقط.
واستمر هذا الوضع حتى أبريل 2015 عندما خاض داوود أول مباراة رسمية بألوان "المهور" في الدوري الألماني، وكانت أمام دورتموند. وفي بداية الموسم الحالي واصل ابن عامودا حضوره مع مونشنغلادباخ، لكن كان يتم إشراكه في الدقائق الأخيرة من المباراة. وتغير الوضع منذ مباراة كولونيا ضمن الأسبوع الخامس من الدوري الألماني، حين أقحمه المدرب فافر كأساسي. وكأنّ المدرب السويسري وفى بالوعد، الذي قطعه مع الجمهور في الاعتماد على الموهبة الصاعدة في التشكيلة الأساسية للفريق، وكانت تلك آخر مباراة لفافر مع فريق المهور، إذ استقال من منصبه وسلم الشعلة إلى المدرب المساعد أندري شوبرت، الذي جعل من داوود نجم الحاضر وليس المستقبل وبدأ يعتمد عليه في كل المباريات كأساسي.
داوود أكثر اللاعبين ركضا في البوندسليغا
وكان اللاعب ذو الأصل السوري فألا حسنا على المدرب الجديد، حيث لم ينهزم في ست مباريات متتالية في البونديسليغا، وهو رقم لم يسبقه إليه مدرب آخر في تاريخ نادي مونشنغلادباخ. وواصل محمود تألقه مع مدربه الجديد، وتمكن من تسجيل هدفين لحد الآن وكان وراء تمريرتين حاسمتين. كما يعتبر "مو" في الوقت الحالي أكثر اللاعبين ركضا فوق أرضية الملعب في البونديسليغا، ففي كل مباراة يركض الفتى السوري 13.1 كيلومتر.
وأصبح يشكل مع زميله غرانيت تشاكا ثنائيا فعالا في خط الوسط ساهم بشكل كبير في عودة "المهور" لمعانقة الانتصارات بعد البداية المتعثرة هذا الموسم. وحول انطباعه عن زميله محمود داوود يقول تشاكا "كنت أعلم منذ مدة بالإمكانيات التي يتمتع بها "مو" ومدى استعداده للعب كرسمي. مو سيبصم على مسيرة جيدة في بوندسليغا وسيسعد أكثر جماهير بوروسيا".