السلفية في المانيا ثقافة الشباب!
٢٠ يونيو ٢٠١٥التقى البروفسور علاء الدين مفعلاني الباحث الاجتماعي في جامعة مونستر للعلوم التطبيقية بعدة شبان ارتبطوا بالمشهد السلفي في ألمانيا. وفي دراساته عنهم، ركز المفعلاني على التربية والهجرة علاوة على السياسة الاجتماعية لتفسير ما يسميه ب" ثقافة الشباب".
DWتركز دائما على السلفية كثقافة جانبية يتبناها الشباب، وتقارنها دائما بحركة البانك punk movement، لماذا تعتبر السلفية ثقافة للشباب؟
البروفسور المفعلاني: أنا اعرّف هذه الثقافة من خلال أثرها في وسط الشباب. فمظاهرها- كالحجاب واللحية الطويلة- تسعى إلى استفزاز مشاعر الآخرين، وبهذا الشكل فإنّ الشباب يريدون أن يتبنوا مفهوما مضادا يخرجون به على الإجماع العام. هذه الخصائص السلفية الاستفزازية تحديدا هي ما يروق للشباب.
ما حجم "ثقافة الشباب" التي تتحدث عنها؟ وهل يصدق هذا المفهوم على انتشار الظاهرة في بلدان أخرى؟
هذه الثقافة الفرعية أو المشهد الثقافي ما زالت صغيرة المساحة الآن، لكنها تنمو بشكل متسارع. هي ثقافة عولمية، فالمرء لا يواجه هذه الثقافة في ألمانيا فحسب، بل في بلدان أوروبية أخرى، وفي كندا على سبيل المثال. ما هو واضح هنا، أن 90 بالمائة من المساجد التي تتبع المشهد السلفي يرتادها شبان تقل أعمارهم عن 25 عاما، فيما نجد أن ثلاثة أرباع رواد المساجد التقليدية التي لا تنتمي للمشهد السلفي هم متقاعدون، أو في سن التقاعد.
الشبان الذين التقيتهم لأغراض البحث، هل يعتبرون السلفية ثقافة؟
أبدا، الشبان الذين التقيتهم لا يقولون إنهم سلفيين، بل يؤكدون دائما " نحن مسلمون"، لكن وضعهم في الواقع يتسق مع كل ما نفهمه عن ظاهرة السلفية، فهم يؤكدون باستمرار أن شكل الحياة الإسلامية المتشددة هو أسلوب الحياة الحقيقي الأمثل. هم يسمّون ثقافتهم" الإسلام الحقيقي". أما المعيار الثاني فهو التبليغ. الشبان يقرون دائما أنهم اعتنقوا السلفية لاستفزاز الآخر. فكل من يعتنق السلفية يعلم مسبقا انه بهذا يعزل نفسه عن المجتمع، لكنه مع ذلك يمضي في اللعبة إلى نهايتها. وعلى المرء أن يأخذ في الحسبان، أن أولئك الذين يشعرون بالعزلة والتمييز، لا يشعرون بخسارة كبرى حين يلتحقون بمجموعة متطرفة (مسلحة)، فهم يعانون من العزلة في كل مناحي الحياة. هم يعيشون نوعا من تجربة تمرد بالفهم الكلاسيكي للوصف.
افهم من هذا أن الشبان ينسبون سلوكهم إلى الدين، رغم أنّ عناصر أخرى تفسر هذا السلوك، ومنها الاستفزاز، و الولاء للجماعة؟
بالضبط. سؤالنا الأهم في البحث كان دائما: كيف ينجذب الشباب إلى حركات شديدة المحافظة؟ وأردنا أن نفهم ونعرف لماذا يتطوعون ليكونوا جزءا من عالم شديد الصرامة، تكثر فيه الممنوعات إلى حد كبير.
وصلنا في البحث إلى أنهم يريدون بهذا أن يعزلوا أنفسهم عن أسرهم، علاوة على رغبتهم في الخروج عن الإجماع الاجتماعي.
إذا قارنا المشهد السلفي بالمجتمعات الإسلامية، فإن الأخيرة – من وجهة نظر هؤلاء الشباب- تعد ضعيفة إلى حد كبير، والمسلمون فيها يمثلون شخصيات ضعيفة مضطرة دائما إلى تبرير أفعالها. أكثر من ذلك، فإن اللغة الألمانية غير متداولة في تلك المجتمعات.
يختلف الأمر مع المجموعات السلفية، فقبل الصلاة تُناقش أسئلة قد تبدو تافهة للبعض، لكنها حيوية ومهمة بالنسبة للشباب، أسئلة من قبيل: باعتباري امرأة مسلمة، هل يجوز لي أن أضع احمر الشفاه؟ أو: ماذا يجب أن افعل حين اشعر بالانجذاب لامرأة ما ؟
العنصر المهم الآخر هو أن اللغة الألمانية متداولة بينهم، لأن القومية لم تعد خاصية تعزلهم عن محيطهم. إذا استخدمت العربية للتخاطب، فلن يفهم البوسنيون مثلا فحوى الحديث، وإذا استخدمت الصربية فلن يفهم الأتراك فحواه، وهذا يفسر لماذا يجري التحدث باللغة الألمانية، لقد شرّع السلفيون ذلك كمبدأ يعملون به في تجمعاتهم. انه في الحقيقة عنصر حاسم إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن التحدث بالألمانية كان يعد سابقا مظهرا للاندماج طالما عارضه الإسلاميون.
كيف يستطيع المجتمع أن يمنع الشباب من الانخراط في المجموعات الأصولية؟
هذا أمر صعب، فهم لا يشعرون أنهم جزء من المجتمع الحالي. بغض النظر عن المكان وأين يوجد الناس، يرى هؤلاء الشباب أنّ العالم ينظر إلى المسلمين دائما باعتبارهم ضعفاء، وما يوحّدهم اليوم هو مفهوم مفاده" بما أننا لا نأخذ ديننا مأخذ الجد، ولا نعيش بصرامة حدوده كما كان الأمر قبل 1400 عام، فإننا نلعب دور الضحية. وبمجرد أن نحمل ديننا وحياتنا محمل الجد، سنستعيد قوتنا".
هل من سبيل لمواجهة هذا التيار؟
من الصعب أن نكسر هذه الحلقة، لأنّ الحركة قد استقرت، وأقامت شبكة علاقات كبيرة، والسعي لتفتيت هذه الشبكة أمر بالغ التعقيد. وفي اعتقادي أن هذا الأمر سيستغرق عقدا أو عقدين من الزمن.
في العادة، ينحدر هؤلاء الشبان والشابات من أسر محرومة، لم تكن متدينة قط، لذا تأمل الحكومة الألمانية أن دروس الدين في المدارس الألمانية، والاعتراف بالإسلام كجزء من المجتمع الألماني سيكون له أثر وقائي بهذا الصدد.
هل تعتقد أن لذلك أثرا ( في الحد من الظاهرة) ؟
اعتقد ذلك، فقد زرت نصف الجامعات التي جرى فيها تدريب المعلمين المسلمين، والسلفيون بالطبع يدرسون معهم أيضا، وهو ما يجب أن يهتم له المرء. لو جرى إطلاق هذه المبادرة قبل 20 عاما، لكنت قلت أننا نقطف ثمار نجاحها اليوم، ولن نرى أنفسنا في الوضع الراهن، ولكن علينا الآن أن ننتظر لنرى ما يحدث.